مشنة سعيدة
بقلم-عاطف محمد
الحلقة الأولى
المخاضة
مفاجأة لم تكن متوقعة بالنسبة لها
تعودت أن تعبر من تلك المخاضة فى ذلك الريّاح المتفرع من النيل بكل سهولة ويسر ولكن الآن الأمر مختلف فالنهر ممتلئ عن آخره والريّاح ممتلئ بالطبع لو كان الأمر مجرد العبور ما كانت هناك مشكلة فكم من مرات عبرت تلك المخاضة وهى ممتلئة بالماء فلم يكن هناك جسر تعبر علية إلا من مسافة كبيرة تقتضى السير ساعات طويلة ومجهود أكبر والجو مشمس
فالمشكلة ولدها الصغير
كيف يعبر معها تلك العقبة المائية دون إيذاء فالخطر كبير ؟
بعد برهة من التفكير قالت لنفسها
هاتعملى أيه ياسعيدة؟
ضحكت سعيدة .سعيدة ازاى ؟؟؟
وانا فى المشكلة دى
تذكرت أن اسمها لم يكن يمت لها بأى صلة فلم تكن سعيدة مطلقا طوال حياتها أو فى أغلب حياتها لم تنل حظها من التعليم لشدة فقر أسرتها حرمت من التعليم الذى كانت تتمناه من صغرها وتصورت أنها لو أتيحت لها فرصة التعليم لكانت فى مكانة أفضل
لكن الحمد لله على إللى انا فيه
ولكن عقلها يحدثها ويخرج ما فى نفسها من نزعات ولكنها محمودة فكثيرا ما رأت السعادة فى عيون قريناتها عند الذهاب والإياب من المدرسة وضحكهن وشكواهن من الواجبات
واجبات أيه إللى بيشتكوا منها ؟ده انا لومعاكم كنت حلتها بصباع رجلى الصغير بس هى فين المدرسة ؟وخرجت منها تنهيدة تحمل حسرة كبيرة على ضياع فرصة التعليم
لم تنتبه من حديث نفسها إلا على صوت صغيرها. وهو يجذبها من جلبابها
هانعمل أيه ياامه؟
ماتخافش يا نور عين أمك؛ ده أنا أحطك فى عيونى و اغطيك برموشى واعدى بيك سبع بحور؛ مش مخاضة هايفه زى دى
ابتسم الصغير لكلام أمه المطمئن صحيح لم يفهم منه شيئا ولكنه تلمس حب وخوف أمه عليه وفرط حنانها
فهدأ.واستقرت نفسه.
وبكل عبقرية الفطرة السليمة وضعت سعيدة ابنها فى المشنة التى دائما ماتحملها ورفعتها على رأسها بطريقة مائلة راعت فيها
توازنا عجيبا يحتاج لحسابات علمية دقيقة ولكنها فعلتها بفطرتها قائلة
استعنا بيك يارب بسم الله المعين ثم تنهدت بعزم وقالت لتسمع نفسها وتدعم قواها الداخلية كأنها خبيرة تنمية بشرية أو د: علم نفس
ياما دقت ع الرأس طبول ياسعيدة
ومدت قدمها اليمنى بكل حذر تتلمس خطاها وعندما نقلت الأخرى فرك الحجر من تحت قدمها وكاد الصغير أن يسقط مع أول خطوة فخرجت منه صرخت حفزتها فحفظت سعيدة توازنها بسرعة البرق حتى لا تسقط أو يسقط ابنها منها
ده نور عينها( هذا على حد قولها) فعلت هذا كأحسن لاعبة فى السيرك وهى بالفعل فى سيرك الحياة الذى يحتاج دائما للتوزان فالحياة متعبة وبها من يجبرك على أن تتجنبه وتمشى على طراطيف صوابعك علشان ماتتخبطش فيه فيعملك فيها ابن بارم ديله
.دار كل هذا فى خلد سعيدة فى فلسفة عجيبة وكأنها من أبرع الفلاسفة
ثم اعتدلت وسارت فى المخاضة ومع كل خطوة تخطوها تغوص فى الماء حتى وصل الماء الى ما قبل ذقنها ولامس ذراعها الأيمن فضحكت مطمئنة صغيرها .
ايه رأيك ياواد يا أيمن فى اللعبة .... الحلوة دى
حلوه ياامه وضحك ضحكة حملت كل براءة الكون بأكمله
ثم تغنت بصوت جميل منه تسلى ابنها ومنه تنفس عن نفسها
يابياعين الوجع.
كفاية خدنا كتير
مصممين ع الكرم
ماقولنا مش عايزين و....
ولكنها توقفت عن الغناء فجأة
و قفز لعقل سعيدة خاطر غريب
المشنة. ..... المشنة
لولاها ماتمكنت من حمل صغيرها بهذا الشكل ولكن للمشنة حكاية تذكرتها بكل تفاصيلها الدقيقة
المشنة دى هدية ستى أم الخير ادتهالى لما اتجوزت بس قالت ساعتها كلام غريب مافهمتوش إلا بعدين
خلى بالك من المشنة دى ياسعيدة دى مشنة أم الخير ياما هاتشوفى منها الخير دى ورث من جدتى فاطمة
الغريب أن المشنة رغم مرور تلك السنين محتفظة بشكلها وقوتها بها تضافر غريب يشعرك بأنها سند قوى لصاحبتها وانتهت سعيدة إلى فكرة
أن المشنة ياما (ساعدتها) فى أزمات كثيرة
مثلا يوم ما جوزها قاسم الشغل قل معاه والفلوس بقت شحيحه تذكرت المشنة
أخرجت المشنة من تحت السرير فوجدت بها من خيرات الله الكثير والكثير عيش ناشف وجبنه قديمة وبطاطس ودوم وكام ازازة زيت وخل وملح وتوم وبصل . ماشاء الله لقد تركت بها هذه الأشياء ونسيتها وهاهى تتذكرها (واهو جه وقتها )
والله سترتنا المشنة؛ ياسلام على مشنتك يابت ياسعيدة
ولا يوم العيد من كام سنه كده كنت رايحة السوق اتسوق لقيت الناس كلها معيده ومافيش بياعين إنى ألاقى أى حاجة العيال تتأوت بيها أبدا
رجعت يومها زعلانة وحزينة لكن ربنا فرجه قريب مابينساش الغلابة ياوب دخلت شارع العمدة إلا والتقى كبرات البلد بيوزعوا لحمه وطيور وخير مالوش أول ولا آخر إلا والاقى المشنة اتملت عن أخرها (ثم تغيرت ملامح وجهها)بس والله مامديت ايدى ماهو الواحد مالوش غير كرامته (ثم عادت ملامحها لبساطتها)
يابركات سيدنا النبى ثم خرجت منها ضحكة لها مغزى
فضلنا شهر بحاله ناكل( زفر ولحمة ) (زفر يعنى طيور ) وكنا حاسين أننا ولا اجدعها بيت فى بلدنا وريحة اللحمة و الزفر ساعتها كانت تداوى العليل جايبه لاول البلد
امال ده سعيدة طباخه بريمو
يبدو أن الصغير قد قرأ ما يدور فى خلد أمه
عايز لحمه ياامه ...
عينى يانور عين أمك؛ النهارده أبوك هايقبض بأذن الله ومعاد اللحمة الشهر ده أه
اصلنا كل تلت( تشهر )بنجيب كيلو لحمة بحاله(ثم رفعت عينيها للسماء) ربنا يرزقك يا أبو العيال دايما ساترنا ومفرحنا ....
مش ده قاسم إللى كنتى مش عايزاه وحرنتى بينك وبين نفسك لما ابوكى قالك
يوم الخميس الجاى فرحك على قاسم ابن عمك جابر.
ساعتها مانطقتيش زى ما يكون القطة بلعت لسانك.
كان نفسى اعترض واقول لاء بعلو صوتى
وليه مانطقتيش يا أم العريف
ياحزنى هو أنا كنت أقدر اقول كده ده أبويا عطيه كان يطين عيشتي
بس
بس ايه
هو مش من حق الواحدة برضه أنها تختار إللى هاتتجوزه ، ده حتى الشرع بيقول كده لكن تعمل ايه فى الريف وعوايده ...
اهى العوايد دى اتغيرت
بعد أيه اللى راح راح الحكاية إنى
كان نفسىي يتاخد رأيى على الاقل اقول آه .لاء مش عايزاه يابا عطيه
يعنى كنتى هاتقولى لاء ياسعيدة ؟
ابتسمت يالهوى هو فيه زى جدعنة ومرجلة سى قاسم (قالتها بمزيج من الدلع والخجل)
الحمد لله قاسم جوزى كله حنيه وابن أصول ومكفينى ومكفى العيال من كافة شئ وبيعمل كل إللى بيقدر عليه
ثم انبعثت من فمها ابتسامة رضا مع صوت الحمد والشكر لله
ايه إللى انتى بتفكرى فيه ده ياسعيدة
ده موضوع فات عليه ياما؛ سنين كتيره
وبعدين ربنا رزقك بتمن عيال ولاد وبنات أيمن أصغرهم وانا مبسوطة بيهم
طب ما انتى سعيده اهه ياسعيدة آمال بتقولى عمر السعاده ماعرفت طريقك
لاء طبعا ؛قصدى مش طوالى
عارفه السعادة ياسعيدة (نظرت أمامها نظرة طويلة وسرحت بخاطرها
السعادة بتخش حياتنا من بيبان ممكن مانفتكرش.أننا سبناها مفتوحة أصلا وبعدين السعادة مابتجيش مع ضياع الكرامة
يجى فى عقلك حكاية اللحمة بتاعة العيد وأنها ضيعت كرامتنا لاء دى كانت هدية والنبى قبل الهدية وبعدين
السعادة أن ضميرك ما ينقحش عليك انك خدت حق حد او دوست عليه ،
هى السعادة فى الفلوس ياسعيدة
لاء طبعا ياما ناس عندها أكوام متلتله من الفلوس بس مش سعيده
ليه؟؟؟؟!
علشان قلبهم مش سعيد
إشمعنى
لأنهم مادخلوش السعادة على قلوب غيرهم (ثم نظرت لنفسها نظرة اعتزاز ). عرفتى ليه خدت اللحمه علشان اسعد الناس الكبرات دول إللى أدتنا اللحمة والزفر يوميها
العطاءبيسعد (انتبهت لنفسها)
باين عقلك ألتحس ياسعيده انتى بتكلمى نفسك ولا أيه
انا جعان ياامه ...
حالا يا نور عين أمك خلاص وصلنا اهه
ومدت قدمها لتخرج من المخاضة ولكن كان ينتظرها ما لم يكن فى الحسبان.