ومازال الحديث موصولا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين إلتفوا حول نبيهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد وصف الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، بلين الجانب لأصحابه فقال فى كتابة الكريم فى صورة أل عمران " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر " فكانت الألفة بينه وبين أصحابه من أقوى ما تكون، وهو ما جعل كثيرا من المشركين يتعجَبون لهذه الرابطة القويَة التي جمعته بأصحابه الكرام، حتى لقد وصف ذلك أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه فقال "ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحُب أصحاب محمد محمدا" وفي معاملته صلى الله عليه وسلم لأصحابه من حسن الخلق ما لا يخفى، ولذلك صور عديدة منها، هو تلطفه صلى الله عليه وسلم وتباسطه مع أصحابه وممازحتهم، فقد كان أحد الصحابة رجلا دميما.
وكان صلى الله عليه وسلم يحبه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما، وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال الرجل أرسلني من هذا؟ فالتفت فعرف النبى صلى الله عليه وسلم، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم، يقول " من يشترى العبد " فقال يا رسول الله، إذا والله تجدني كاسدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لكن عند الله لست بكاسد" أو قال " لكن عند الله أنت غال" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهم، ولا يقول إلا حقا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنى لا أقول إلا حقا" وقال بعض أصحابه " فإنك تداعبنا يا رسول الله" فقال صلى الله عليه وسلم " إنى لا أقول إلا حقا" رواه أحمد، وكان الصحابة رضي الله عنهم يمازحونه لعلمهم بتواضعه وكريم أخلاقه معهم، فقال عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى غزوة تبوك.
وهو فى قبة من أدم أى فى خيمة من جلد، فسلمت عليه فرد ، وقال " ادخل " فقلت، أكلى، وقال ذلك من صغر القبة، يا رسول الله، قال " كلك " فدخلت " رواه أبو داود، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم صهيب الرومى، وهو يأكل تمرا وبعينه رمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ممازحا " أتأكل التمر وبك رمد " فقال صهيب " إنما آكل التمر على شقى الصحيح ليس به رمد " فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الحاكم، فهكذا كان لمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أثر كبير في حب الصحابة الشديد له صلى الله عليه وسلم، وهذا ما وضح ما تقول من سيرته صلى الله عليه وسلم، ولكن كيف يمكن أن تمزح من غير أن تخطئ أو تقول شيئا غير الحق؟ ولما أراد الله سبحانه وتعالى إظهار دينه وإعزاز نبيه، وإنجاز وعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في موسم الحج، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم.
فبينما هو عند العقبة ساق الله نفرا من الخزرج أراد الله بهم خيرا، فكانوا طلائع هذا النور الذي أبى الله إلا أن يكون من المدينة، فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر، ودعاهم إلى الله تهامسوا وقال بعضهم لبعض " تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه" رواه أبو نعيم في الدلائل، وقد قبلوا منه صلى الله عليه وسلم، ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، وسنقدم عليهم، وندعوهم إلى الإسلام ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزَّ منك، ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم بعد أن آمنوا وأسلموا، وكانوا ستةَ نفر فيما ذكر الإمام ابن إسحاق، وهم أسعد بن زرارة من بني النجار، وقال أبو نعيم، إنه أول من أسلم من الأنصار من الخزرج، وعوف بن الحارث بن رفاعة من بني النجار.
وهو ابن عفراء بنت عبيد النجارية، وهي أم معاذ، ومعوذ، وإليها ينسبون، ورافع بن مالك بن العجلان الزرقي، وقطبة بن عامر من بني سلمه، وعقبة بن عامر بن نابي السلمي أيضًا، ثم من حرام، وجابر بن عبد الله بن رياب السلمي، ثم من بني عبيد رضي الله عنهم أجمعين وذكر العلامة موسى بن عقبة في مغازيه أنهم كانوا ثمانية، فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، ولم تبق دار من دور الأنصار حتى كان فيها ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والإسلام، وسوف نتحدث عن الصحابي الجليل أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي النجاري، وهو قديم الإسلام، وقد شهد العقبتين وكان نقيبا على قبيلته ولم يكن في النقباء أصغر سنا منه، ويقال أنه أول من بايع ليلة العقبة، وكان يكنى أبا أمامة، وكان يلقب نقيب بني النجار، وهو الصحابى أسعد بن زرارة ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وهو السيد نقيب بني النجار أبو أمامة الأنصاري الخزرجى.
وهو من كبراء الصحابة وقد توفي شهيدا بالذبحة فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم، بعده نقيبا على بني النجار وقال لهم أنا نقيبكم، فكانوا يفخرون بذلك وقد قال ابن إسحاق عنه أنه توفي والنبي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده قبل بدر وقال أبو العباس الدغولي قيل إنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل العقبة الأولى بسنة مع خمسة نفر من الخزرج، فآمنوا به، فلما قدموا المدينة تكلموا بالإسلام في قومهم، فلما كان العام المقبل، خرج منهم اثنا عشر رجلا، فهي العقبة الأولى، فانصرفوا معهم، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم، مصعب بن عمير يقرأهم ويفقههم، وقال ابن إسحاق حدثنا محمد بن أبي أمامة بن سهل، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال كنت قائد أبي حين عمي، فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان، صلى على أبي أمامة، واستغفر له، فقلت يا أبة، أرأيت استغفارك لأبي أمامة كلما سمعت أذان الجمعة ما هو ؟
قال أي بني، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت من حرة بني بياضة يقال له نقيع الخضمات قلت فكم كنتم يومئذ ؟ قال أربعون رجلا، فكان أسعد مقدم النقباء الاثني عشر، فهو نقيب بني النجار، وكان أسيد بن الحضير نقيب بني عبد الأشهل، وكان عبد الأشهل وأبو الهيثم بن التيهان البلوي من حلفاء بني عبد الأشهل، وسعد بن خيثمة الأوسي أحد بني غنم بن سلم ، وسعد بن الربيع الخزرجي الحارثي قتل يوم أحد، وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة الخزرجي الحارثي قتل يوم مؤتة وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر السلمي نقيب بني سلمة، وسعد بن عبادة بن دليم الخزرجي الساعدي رئيس، نقيب، والمنذر بن عمرو الساعدي النقيب قتل يوم بئر معونة، والبراء بن معرور الخزرجي السلمي وعبادة بن الصامت الخزرجي من القواقلة ورافع بن مالك الخزرجي الزرقي رضي الله عنهم، وعن محمد بن عبد الرحمن، أن جده أسعد بن زرارة أصابه وجع الذبح في حلقه.