اقتصاديات الغاز الطبيعي في منطقة بحر قزوين
بقلم: الدكتور عادل عامر
عرف الإنسان الغاز الطبيعي منذ زمن طويل وبالرغم من ذلك لم يصبح منافسا للغازات الأخرى المصنعة من الفحم والبترول إلا منذ منتصف القرن العشرين حيث ازداد الإقبال عليه كمصدر اقتصادي للوقود لأنه يصلح للاستخدام بشكل مباشر دون معالجة ولا يلوث البيئة نتيجة احتراقه فهو يعتبر وقود أمن واقتصادي وفى ظل التقدم الصناعي دخل الغاز الطبيعي في عديد من مجالات الحياة المختلفة حيث اصبح الآن شريان الحياة الحضارية الحديثة لما به من مميزات اقتصادية وبيئية عديدة ،
وقعت الدول الخمس المحيطة ببحر قزوين اتفاقية تاريخية تحدد الوضع القانوني له بعد محادثات استغرقت أكثر من 20 عاماً.
وقد حددت اتفاقية تاريخية بين قادة روسيا و إيران و كازاخستان و أذربيجان و تركمانستان وضع بحر قزوين القانوني، المتنازع عليه منذ تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، الأمر الذي أدى إلى خلاف طويل حول ما إذا كان بحر قزوين بحرا أم بحيرة.
وسيعني تصنيف بحر قزوين كبحيرة تقسيمه بالتساوي بين الدول الخمس المحيطة به، لكن تصنيفه كبحر يعني تقسيمه بحسب قانون البحار للأمم المتحدة والذي يشمل كيفية إدارة الموارد الطبيعية، والحقوق الإقليمية والبيئية.
ومنحت الاتفاقية بين الدول الخمس بحر_قزوين وضعا قانونيا خاصا، حيث ستكون المياه_السطحية متاحة أمام كافة الدول المحيطة به، وستمنح حرية للشحن بين جميع الدول الساحلية خارج المياه الإقليمية.
لكن قاع_البحر الذي هو غني بالموارد الطبيعية، سيتم تقسيمه بحسب اتفاقيات ثنائية على الأرجح كما تظهره الخارطة.
ويعد بحر قزوين مهماً للغاية للدول المحيطة به، لما يحويه من موارد للنفط والغاز، حيث تشير التقديرات إلى وجود نحو 50 مليار برميل من النفط، وما يقرب من 300 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي في قاع البحر.
وتوفر الاتفاقية إطارا للاستفادة من هذه الموارد، وقد تشجع شركات النفط العالمية للعودة إلى استثماره وتنشيط مشاريع النفط والغاز في المنطقة.
وكان الخلاف حول الوضع القانوني لبحر قزوين قد منع إنشاء خط أنابيب الغاز الطبيعي بين تركمانستان وأذربيجان الذي كان من شأنه السماح للغاز التركماني بتجاوز روسيا في طريقه إلى أوروبا.
وكانت روسيا وهي مصدر رئيسي للنفط و الغاز إلى أوروبا قد اعترضت على ذلك في السابق.
وإلى جانب النفط والغاز، يتم الحصول على ما بين 80% و90% من الكافيار في العالم من بحر قزوين، لكن الأعداد انخفضت خلال العقود القليلة الماضية، فالاتفاقية الآن تتيح تحديد حصص وطنية لصيد الأسماك.
ويرى البعض أنه بما أن قاع بحر قزوين سيصنف كبحر، فإن إيران التي لديها أقصر حدود على طوله ستحصل على الحصة الأصغر، وبالتالي فإنها كانت تفضل تصنيفه كـ بحيرة.
وقد تناولت في هذه الدراسة أهمية مورد الغاز الطبيعي وتكويناته بالتطبيق على مجموعة الدول المطلة على بحر قزوين والتي يمثل مورد الغاز الطبيعي لها أحد منافذ الضوء الذي ينير الطريق لنمو وتنمية اقتصادياتها ،حيث كانت هذه الدول في الماضي تعتبر من أغنى دول العالم في اقتصادياتها بتعاونها وترابطها في ظل سياسة الاتحاد السوفيتي السابق ،
ولكن بعد انهياره واجهت هذه الدول عديد من العقبات والتحديات أمام النهوض باقتصادياتها ، ولم تجد لديها سبيلا افضل من استغلالها لموارد الطاقة المتوفرة لديها فى كل من الحقول البحرية فى بحر قزوين والحقول البرية الممتدة على طول شواطئه والاراضى المحيطه به
، فبحر قزوين الذى يمتد من الشمال الى الجنوب على الحدود بين اوربا واسيا بطول 730 ميل واتساعه يقدر بحوالى 180 ميل يحتوى على عديد من حقول النفط والغاز الطبيعى البحرية كما تمتلك مجموعة الدول المطلة عليه ( ايران-اذربيجان- تركمانستان –كازاخستان-روسيا ) احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعى
مما يمثل ثروة اقتصادية هامة وهبها الله سبحانه وتعالى الى هذه الدول جذبت اليها عديد من تطلعات القوى الاقليمية والدولية التى تسعى الى الاستفادة من مورد الغاز الطبيعى المتوفر لديها باعتباره احد موارد الطاقة الهامة فى هذا الوقت مما يؤكد من أهمية هذا المورد فى المنطقة وخاصة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي السابق
حيث بدات كل دولة من الدول المطلة على بحر قزوين تبحث عن الحل الامثل للنهوض باقتصادياتها كدولة مستقلة بعيدا عن دائرة الهيمنة الروسية على اقتصادياتها ، ولم تجد هذه الدول حلا امثل للتغلب على الازمات الاقتصادية التى تعرضت لها منذ حصولها عن استقلالها سوى الاستفادة من الاحتياطيات الضخمة المتوفرة لديها من موارد الطاقة ( بترول – غاز طبيعى ) والعمل على تنمية قطاع الطاقة لديها للاستفادة من عائدات الدخل التى سوف تتوفر اليها من مبيعات موارد الطاقة . فاخذت هذه الدول منذ حصولها على استقلالها تنظر الى هذه الثروة بقدر من الاهتمام حيث اصبح الاستفادة من مورد الغاز الطبيعي لديها هدفا تبغي الوصول إليه لتحقيق استقرارها اقتصاديا وسياسيا ،
فبذلت هذه الدول جهودا عديدة للنهوض بعمليات البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي وفتحت الأبواب أمام الشركات الغربية للعمل في قطاع الطاقة واهتمت باستخدام التقنيات والأجهزة التكنولوجية الحديثة والقوى البشرية المدربة ،الا ان الخطوات التنفيذية لهذا الاقتراح واجهت عديد من القضايا والعقبات كان من اهمها:
1. القضايا السياسية : وتتمثل فى وجود عديد من النزاعات العرقية والحركات الانفصالية داخل حدود منطقة بحر قزوين مما يؤدى الى وجود حالة من التوتر السياسى تؤثر على المناخ الامنى وتهدد الاستقرار الاقليمى فى المنطقة ، هذا بالاضافة الى وجود نزاع بين دول المنطقة حول تحديد الوضع القانونى لبحر قزوين .
2. القضايا الاقتصادية : وتتمثل فى ندرة الموارد الاقتصادية اللازمة لعمل التنمية فى قطاع الطاقة لدى دول المنطقة مما يمثل عائقا امام توفير الجدوى الاقتصادية للقيام بعمل مشروعات لنقل موارد الطاقة من المنطقة إلى الأسواق، كما تفتقد دول المنطقة وجود اجهزة تقنية وتكنولوجية حديثة تساعدها على الكشف عن موارد الطاقة والوصول الى الاحتياطيات الضخمة من موارد الطاقة للاستفادة منها بالشكل الامثل.
وللتغلب على هذه العقبات التى تقف بمثابة حاجز قوى امام الاستفادة من موارد الطاقة فى المنطقة ، اتخذت مجموعة الدول المطلة على بحر قزوين عدة سياسات تهدف الى التعاون مع القوى الاقليمية والعالمية لمساندتها ،فعملت على الانضمام الى عدد من المنظمات و المؤسسات التى تهدف الى تدعيم علاقات التعاون فيما بينهم ،
كما عملت على جذب الاستثمارات الاجنبية اليها وفتحت الابواب امام الشركات الغربية والامريكية للعمل فى تنمية قطاع الطاقة لديها .
مما أدى إلى ارتفاع حدة المنافسة السياسية والتجارية للسيطرة على موارد الطاقة في المنطقة ،وذاد من تطلعات القوى الإقليمية والعالمية للحصول على فرصة للتنمية الاقتصادية في المنطقة ولم تكتفى هذه الدول بتواجدها التجاري هناك لكنها عملت على تدعيم هذا التواجد بإمكانات عسكرية بدعوى حماية أمن الطاقة في المنطقة والعمل على تحقيق قدر من الاستقرار الأمني والإقليمي هناك، مما يؤكد التوقعات التي تتنبأ بوجود حالة من الصراع تكتمل معالمها بمرور الوقت في المنطقة،
هذا الصراع لن يكون صراعاً قانونياً فحسب، بل سيمثل صراعاً سياسياً واقتصادياً في نفس الوقت كما إن جوهر هذا الصراع في المنطقة سيقوم علي عاملين هامين ، يتمثل العامل الأول فى السيطرة علي حقول النفط والغازالطبيعى و العامل الثاني يتمثل في حماية خطوط الأنابيب التي تنقل الإنتاج إلي الأسواق.
وبالرغم من وجود العديد من العقبات والمشكلات التي واجهتها إلا أنها تسعى لجذب الاستثمارات الأجنبية والشركات العالمية للعمل في المنطقة وتحقيق اكبر عائد من الربح هذا بالإضافة إلي إنها تسعى لتكوين علاقات تعاون فيما بينها تهدف إلي عقد الاتفاقيات للاستفادة المشتركة وتحقيق افضل السبل للوصول بالغاز الطبيعي إلى الأسواق العالمية فعملت كل من إيران وروسيا على مد جسور التعاون إلي باقي الدول المطلة على بحر قزوين لمساعدتها وتقديم الخبرات اللازمة لها لتنمية قطاع الطاقة بها
ولكن جاءت تطلعات القوى العالمية الكبرى تجاه منطقة بحر قزوين لتمثل أحد التحديات التي تحد من احتواء روسيا وإيران لباقي دول المنطقة حيث يمثل دخول الشركات الأمريكية إلى المنطقة أحد المنافذ الهامة لامتداد الوجود الأمريكي في المنطقة والذي بدا يتزايد منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تدعيم وجودها في المنطقة عن طريق التواجد العسكري لحماية أمن الطاقة ومسار خطوط الأنابيب
وعلى الجانب الآخر نجد تطلعات كل من الصين وتركيا تنمو نموا تدريجيا تجاه منطقة بحر قزوين بهدف التعاون معها لضمان تامين موارد الطاقة لهما في المستقبل مما يمثل عامل ضغط سياسي يؤدى إلي وجود حالة من التوتر السياسي داخل نطاق منطقة بحر قزوين.