وبالوالدين إحسانا
بقلم : أحمد فهمى عيسى"
قد لا ينتبه البعض إلي أن الأب والأم في سن الأربعين والخمسين يختلفان عنهما في السبعين والثمانين، أو حتي في الستين،فالوالدان في مقتبل العمر فيهماقوة ولهما سلطة وعندهماتخطيط وتدبير ،وقولهما حسب المجتمعات الأبوية هو القول الفصل. أما بعد ذلك فالقوة تضعف، والسلطة تتوزع على الأبناء ، ويصبحان في وضع من يأخذ بعد أن كانا المصدر الوحيد للعطاء ،وأصبح الإنسان في هذا السن يعتمد علي غيره إلي حد كبير ،بعد أن كان يهز الأرض وحده. حالة من الضعف تنتاب الإنسان في الكبر حتي لو أبدي خلاف ذلك، ربما تشبه هذه الحالة الحالة التي بدأ بها الحياة طفلا.
ولهذا لابد أن ننتبه إلي أن احتياجات الوالدين في الكبر تختلف إلي حد كبير عن احتياجتهما في مرحلة الشباب، لا تغرّنك الصورة التي يبديانها من التمترس خلف قوة زائفة، غير رصيد من الحب والعلاقات الطيبة.
فنجدهما يحتاجان لمن يتوكآن عليه عند السير ،ويسعدان بمن يصر على مساعدتهما حتي ولو لم يظهرا ذلك.
يفرحان بهدية بسيطة تقدمها لهما حتي ولو كانت أصغر الأشياء مثل قطعة شيكولاته أو علبة بسكويت أو باكو لبان، أو أي 'حاجة حلوة 'ولو كانت أقل الأشياء ، حتي ولو تمنّعا في البداية.
الوالدان في هذه المرحلة يحتاجان إلي مراعاة من نوع خاص ، فلنحرص علي نظافتهما؛ أجسامهما ملابسهما، وطيب رائحتها ، أغدق عليهما بالملابس الجديدة حتي ولوكانت من دخلهما ، لأن البعض يظن أن الموت قد اقترب وأن ما عنده يكفي ، هذا حتي ولو كان عندهما مئات الأثواب ،فدائما ضعهما في أولويات اهتمامك.
دائما يحبان من يذكّرهما بأعمالهما الطيبة وأفضالهما المتواصلة وإحياء تاريخهما وحضوره باستمرار، وإياك أن تحاسبهما علي شئ سلبي أو تذكِّرهما بعمل لا يحبان ذكره ،دائما نذكرهما بجهودهما التي لا نستطيع أن نوفيها لهما ، وأن كل خير أنتم فيه هما السبب الرئيس في وجوده واستمراره .
احرص علي نقل كل ما يدور في الخارج لهما ،واجعلهما شركاء فيه يتفاعلان معه ،فهذا جزء من استمرار حياتهما.
وإياك أن ترفع صوتك أمام والديك فما كان مقبولا في الماضي ويسامحان عليه في قوتهما أصبح غير مقبول اليوم في كِبرهما،وإياك أن تسفه آراءهما حتي ولو كانت خاطئة.
لا تترك والديك وحدهما حتي لو كانا أغني الأغنياء، فالوحدة تقتلهما والمرض قد يسبب لهما مالا يحمد عقباه، فكم من كبار السن من أصيب باكتئاب في الشيخوخة نتيجة للوحدة وعدم القدرة علي الخروج، وكم منهم من وجدوه ميتا لعدة أيام لم يفتح عليه باب ،نتيجة لعقوق الأبناء.
أسعد لحظات الوالدين ما يقضيانها مع الأحفاد فلا تحرمهما هذه اللحظات، فيجب أن نحث الأبناء علي زيارتهما والتواصل معهما والشفقة والرحمة بهما.
ولنحرص علي حسن استقبال أصدقائهما والمبالغة في إكرامهم والتودد إليهم والعطف عليهم فهذا مدخل لإسعادهما.
ولنحاول أن نخرجهما من البيت كلما أمكن، إما لزيارة حبيب أو لأداء واجب أو حتي في فسحة بسيطة يتواصلان بها مع العالم الخارجي وأن يكوّنا معارف جديدة وحدهما بدلا من الاستعانة بغيرهما.
ولنصبر عليهما في المرض ونكن أكثر قربا منهما ،ودائما نعطيهما الأمل في الحياة، ولا نهمل في الذهاب بهما إلي الأطباء بحجة أن هذه من أمراض الشيخوخة، فدائما عند الطبيب ما يخفف الألم ويمحو الوجع وقد يكون اهتمامنا بهما سببا رئيسا في علاجهما.
أشياء كثيرة يجب أن نلتفت إليها في معاملة الوالدين عند الكبر ولنعرف أن الله لم يوص علي أحد غيرهما ،فلم يوص علي الأولاد علي اعتبار أن العلاقة بهم عمل غريزي موجود حتي عند الحيوانات، أما مع الوالدين فالإنسان قد ينشغل عنهما لسبب من الأسباب ولهذا كان التذكير "وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ،إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة. وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا " "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير، وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا" وكم من الأحاديث النبوية التي تحث علي حسن معاملة الوالدين، فلنراجع ذلك.
ولنحرص كل الحرص علي إضفاء الابتسامة والسعادة علي وجوه والدينا، وإياك أن تتسبب في إسقاط دمعة من عينهما ففي ذلك الخسران المبين.
'وكله سلف ودين ' فلا تستبطئ الأيام.