سلسلة المرأة في شهر مارس
لطفية النادي
الحلقة السادسة عشرة
بقلم يسرا عاطف
بينما كان الرجال وقتها يخشون قيادة السيارة كانت أحلام لطفية تحلق في السماء.
ولدت لطفية في 29 أكتوبر عام 1907 في أسرة متوسطة يؤمن فيها الأب أن البنات تكتفي في تعليمها علي الشهادة الابتدائية وكان يعمل في المطبعة الأميرية عكس الأم التي تري أن النساء هم صانعي الرجال وأن البنت لابد ان تكمل تعليمها حتي نهاية المطاف وقفت بجوارها ودعمتها إلي أن التحقت بـ"" الأمريكان كوليدج"" وقرأت في يوم من الأيام عن الطيران وتشجيع الفتاة المصرية لدخول هذا المجال و كانت مدرسة الطيران وقتها في أوائل نشأتها عام 1932 وكل الذي يلتحق بها من الرجال فقط، فكرت «لطفية» لماذا لا تلتحق بالدراسة فيها! وأن النجاح والإرادة ليس حكرآ علي الرجال فقط.
الصعوبات:-
رفض والد لطفية أفكارها لتعلم الطيران ومن الطبيعي أن فتاة في هذا العمر لم تمتلك نقودًا. وبإصرار وبحث عن البدائل لجأت إلى “كمال علوي”، مدير عام مصر للطيران آنذاك، وعندها فكّر بالأمر وطلب منها أن تعمل في مدرسة الطيران وبمرتب الوظيفة يمكنها سداد المصروفات.
وافقت لطفية على ذلك وعملت سكرتيرة بمدرسة الطيران، وكانت تحضر دروس الطيران مرتين أسبوعيًا دون علم والدها، تعلمت الطيران مع زملاء لها على يد مدربين مصريين وإنجليز في مطار ألماظة بمصر الجديدة، وكانت الشابة الوحيدة بينهم، وحظيت باحترامهم وتقديرهم. وفى الوقت نفسه، كانت تعمل في مطار ألماظة بغرض الحصول على المال لتمويل تعلمها الطيران.
لجأت لطفية إلى الكاتب الصحفي الراحل أحمد الصاوي صاحب العمود الصحفي الشهير «ما قل ودل» والذى كان ينشر بجريدة الأهرام؛ وقالت له: “عاوزة اتعلم طيران”. كان ردالصاوي: “أنتي لسه صغيرة، ولازم موافقة أهلك”. وما كان منها إلا أن أحضرت والدتها، وقالت الوالدة: “إن التحاق لطفية مشروط بعدم دفع مليم واحد للدراسة لأن والدها إن علم بالأمر، أو حدث لها أي مكروه هيقول أنت اللى قتلتيها”. سلكت لطفية كل الطرق ودقت كل الأبواب لتحقيق هدفها؛ إذ ذهبت لطفية إلى “كمال علوي” مدير عام مصر للطيران وقتها، وعرضت عليه الأمر ورحب بها بمدرسة الطيران لتكون فاتحة خير لالتحاق أُخريات؛ وفى نفس الوقت هي دعاية طيبة للمدرسة، وقال لها: “تعملين في المدرسة وبالمرتب تسددين المصروفات”. وبالفعل عينت عاملة تليفون وسكرتيرة بالمدرسة.
توجت مجهودات لطفية بحصولها على رخصة الطيران عام 1933،وكان رقمها 34؛ أي لم يتخرج قبلها على مستوى المملكة المصرية سوى 33 طيارًا فقط جميعهم من الرجال، وكانت بذلك هي أول فتاة مصرية عربية أفريقية تحصل على هذه الرخصة. عملت لطفية سكرتيرة بمدرسةالطيران وكانت تحضر دروس الطيران مرتين أسبوعيًا دون علم والدها إلى أن حصلت على درجة«طيار أ» مدرب بتاريخ 27 سبتمبر 1933.
وبذلك تكون هذه الفتاة الصغيرة الحالمة أول فتاةعربية أفريقية تحصل على هذه الرخصة وعمرها 26 سنة؛ لتحقق بذلك حلمها بالطيران بمفردها، ونشرت الصحف هذا الخبر مع صور تم التقاطها لها مما أثار غضب والدها. وحتى تقوم بإرضاء والدها اصطحبته معها في الطائرة وحلقت به فوق القاهرة والأهرامات عدة مرات، ولما رأى جرأتها وشجاعتها ما لبث أن أصبح من أكبر المشجعين لها .
في عامها السادس والعشرين، كانت أول امرأة مصرية تقود طائرة بين القاهرة والإسكندرية، وثاني امرأة في العالم تقود طائرة منفردة، إذ تمكنت من الطيران بمفردها بعد ثلاث عشرة ساعة من الطيران المزدوج مع مستر كارول، كبير معلمى الطيران بالمدرسة، فتعلمت في 67 يوماً. وقد تلقت الصحافة الدعوة لحضور الاختبار العملي لأول طيارة «كابتن» مصرية في أكتوبر 1933.
ومن أجمل لحظات عمرها -على حد قولها- عندما أخذت والدها في الطائرة، وقادت به فوق القاهرة ثم ذهبت إلى الجيزة والتفت بالطائرة حول الأهرامات وأبي الهول، ولما رأى جرأتها وشجاعتها قام بتشجيعها واحتضانها.
قام نادي الطيران بدعوة مؤتمر الطيران الدولي للانعقاد في مصر ليناقش أحوال الطيران وقوانينه ولوائحه ثم يقوم بامتحان مهارات الطيار ومدي كفاءته واشترك في هذا السباق 62 طيارًامن مختلف الجنسيات بطائراتهم الخاصة وكان منهم مصريان: أحمد سالم ومحمد صادق. شاركت لطفية في الجزء الثاني من سباق الطيران الدولى وهو سباق سرعة بين القاهرةوالأسكندرية، حيث بدأ السباق في 19ديسمبر 1933.
خلال هذا السباق، تربعت لطفية على طائرة من طراز جيت موث الخفيفة بمحرك واحد ومتوسط سرعة 1000 ميل في الساعة، وكانت أول من وصل إلى نقطة النهاية رغم وجود طائرات أكثر منها سرعة. فازت لطفية النادى بالمركز الأول في سباق الأسكندرية ولكن تعسف لجنة التحكيم التي كان معظمها إنجليز سحبوا منها النتيجة بحجة أن الطائرة لم تمر إلا على خيمة واحدة في المكان المحدد للعودة من الأسكندرية والموجود خيمتان. كان الملك فؤاد منتظرًا النتيجة وحزن كثيراًعندما عرف بعدم تأهلها وقال لها: “هذه أول مرة يحدث في مصر هذا وأعطوها جـائزة شرف قدرها 200 جنيهًا مصريًا”.
كذلك أرسلت لها هدى شعراوى برقية تهنئة تقول فيها: “شرّفت وطنكِ، ورفعت رأسنا، وتوجت نهضتنا بتاج الفخر، بارك الله فيكِ”
تولت هدى شعراوى مشروع اكتتاب من أجل شراء طائرة خاصة للطفية، لتكون سفيرة لبنات مصر في البلاد التى تمر بأجوائها أو تنزل بها، و تبين للجميع مقدرة المرأة المصرية على خوض جميع المجالات. وكانت قد فتحت الباب لبنات جنسها لخوض التجربة ثم أحجمت فتيات مصر عن الطيران بصفة نهائية فلم تدخل مجال الطيران فتاة مصرية منذ عام 1945. وهكذا توالت إنجازات كابتن لطفية، أول كابتن طيار مصرية إلى أن تقاعدت عن الطيران وعينت بمنصب سكرتير عام نادى الطيران المصري، بعدما ساهمت في تأسيسه، و إدارته بكفاءة عالية إلى أن هاجرت إلى سويسرا.
يذكر إلى أن لطفية لم تتزوج قط، وأنها عاشت جزءًا كبيرًا من حياتها في سويسرا حيث منحت الجنسية السويسرية تكريمًا لها، وتوفيت عن عمر يناهز الخامسة والتسعين في القاهرة عام 2002