لماذا لا نعيش في وطن بلا فساد
بقلم يحي
خليفة
يمكن التأكيد أن ما أنجزته وتنجزه هيئة الرقابة الأدارية، عدا أنه
يضعها في مقدمة أفضل الأجهزة العامة من حيث الأداء والإنجاز خلال العام الجاري، أن
الثقل الكبير لتلك المنجزات المهمة بكل المقاييس، لا يقف أثرها الإيجابي فقط عند
مجرد تنقية وتعقيم الاقتصاد الوطني من مساوئ الفساد السابقة، التي وقفت خلف كثيرٍ
من تعثر برامج التنمية المحلية، وتورط أشكال الحياة العامة والخاصة على حد سواء في
سلسلة لا نهاية لها من الآفات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، بل تمتد بصورة حاسمة
إلى الانتقال بمقدرات البلاد والعباد إلى مسارات حاضرة ومستقبلية، عنوانها الرئيس
الأمان والإصلاح والنزاهة والتنافسية والعدالة على المستويات الحياتية كافة، بما
يكفل فترة بعد فترة وقوف الاقتصاد الوطني على أرض صلبة، توفر له الحماية والفرصة
اللازمتين للمضي قدما بمقدرات الوطن نحو آفاق أوسع وأرحب من النمو والتقدم والنهضة
الشاملة، التي ستوجد بيئات ملائمة للجميع للمساهمة على قدر متساو وعادل ونزيه من
الفرص، في تحقق تلك الطموحات المشروعة والمستحقة.
أن يصل الوطن إلى تحقيق المعادلة الأمثل بتساوي وعدالة ونزاهة نيل
الفرص، فهذا يعني أنه أنجز مهمته، كما يجب، في الطريق الأطول والأصعب لمحاربته
للفساد بأشكاله ومستوياته كافة، قس هذا على المستويات كافة بالنسبة للفرد الطالب
والموظف والتاجر ورجل الأعمال، وجميع ما قد يكلف به المرء في مختلف نشاطات الحياة
المعاصرة، عندها ستجد أن النتائج سواء لأولئك الأفراد أو المؤسسات أو للاقتصاد
الوطني بأكمله، ستأتي بالأفضل الذي يعكس مخرجات بيئة تنافسية نزيهة عادلة، وأنها
المعايير الحقيقية التي منحت التفوق والمكسب لمن استحقه عن جدارة، الكاسب الأكبر
منها هو الوطن بكل مقدراته ومجتمعه، في الوقت ذاته الذي حماه وصانه من وصولية
مفسدين لم يكن لهم أن يحصلوا على ما حصلوا عليه إلا بالتورط في أي شكل من أشكال
الفساد، وحمى أيضا الأفراد والمؤسسات الأحق والأجدر بمكاسب تميزهم وجهودهم المخلصة،
من الحرمان من الحصول على تلك المكاسب المستحقة لهم في الأصل.
وكما أن الفساد لا يخلفه إلا هلاك للحرث والنسل في مختلف أشكال الحياة
(وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ
وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، فإن إقرار الإصلاح والنزاهة
والعمل بهما يعني العمار والبناء والتقدم والنهضة للبلاد والعباد، وهو بكل تأكيد
الغاية المنشودة التي اجتمع عليها قيادة ومجتمع وطننا العظيم، وهو أيضا الطريق
الذي تسير وتمضي فيه خلال الفترة الراهنة بكل حزم وعزم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد،
ويقف خلفها أعلى سقف من تطلعات وطموحات الجميع من مواطنين ومقيمين في بلادنا على
حد سواء. وحيث إن عدم التصدي لاستشراء مختلف أشكال الفساد في عموم نشاطات
الاقتصاد، يعد في حقيقته الخطر المؤدي إلى نهب وسرقة الأموال العامة، وإضعاف النمو
الاقتصادي، وإفشال جميع جهود التنمية الشاملة والمستدامة، وإسقاط هيبة الأنظمة
والتشريعات، وطرد الثقة من بيئة الأعمال المحلية، والتوسيع الهائل للفوارق بين
مستويات دخل أفراد وطبقات المجتمع، فمن المؤكد أن محاربته ستأتي بعكس تلك الآثار
الأكثر تدميرا على أي مجتمع واقتصاد، وتعني أيضا أن الجهود العملاقة المبذولة على
أرض الواقع لأجل الإصلاح ومعاقبة كل من تسول له نفسه بارتكاب أي فعل فاسد، وتطبيق
الأنظمة عليه، واسترداد ما سرقه أو استولى عليه بغير وجه مشروع إلى ممتلكات الدولة
والمال العام، كل ذلك سيكون من أول نتائجه الملموسة هو إرساء الثقة بجميع أنحاء
بيئة الأعمال المحلية، ويعزز كثيرا من فرص النمو الاقتصادي، ويفتح آفاقا واسعة
لتطوره وزيادة تنوعه الإنتاجي، ما سيترتب عليه تحقق كثير من الإيجابيات على مستوى
تحسن مستويات دخل الأفراد والأسر، وتقلص تباين مستويات الدخل بين طبقات المجتمع،
وسهولة استغلال فرص الاستثمار المحلية، وسرعة تدفق الثروات والمدخرات إلى تلك
المشاريع المجدية، من خلال قنوات تتسم بالشفافية والنزاهة والحوكمة الشاملة
والصارمة، وهو الأمر الذي ستبرز نتائجه الإيجابية المهمة في أقل من عقد زمني مقبل
بصورة متصاعدة، حتى يصل المجتمع والاقتصاد إلى درجة عالية من المناعة ضد أي
ممارسات أو أشكال تنتمي إلى عالم الفساد، وتتحول الأمور إلى ما يشبه الثقافة
الراسخة في حياة الأفراد، ليتشكل جدار صلب لحماية مقدرات البلاد والعباد، يسهم في
بنائه الجميع دون استثناء، فلا يقدم بعدئذ على ارتكاب أي شكل من أشكال الفساد إلا
من أراد لنفسه الهلاك.
ختام: من المهم هنا التأكيد لجميع منسوبي هيئة الرقابة ومكافحة الفساد
فردا فردا، أن الجميع ينظر إلى جهودهم الوطنية المخلصة في مجال مكافحة الفساد
ومحاربته، بما يتضمنه من عمل دؤوب وشاق على المستويات كافة، أؤكد أن المجتمع ينظر
إليه بكثير من الشعور الوطني المليء بالتأييد والتضامن والامتنان، وما الترحيب
الواسع من مختلف شرائح المجتمع مع كل إعلان تصدره الهيئة عن مباشرتها وكشفها قضايا
جنائية جديدة تتعلق بالفساد بأشكاله المختلفة، إلا ترجمة لتلك المشاعر الوطنية
بكثير من التعابير والآراء المؤيدة لتلك الجهود المخلصة من قبل منسوبي الهيئة
كافة، فلهم منا كل الشكر والامتنان على ما يولونه من إخلاص وتفان وجهود للوفاء
بتلك المسؤوليات الوطنية العظيمة، للارتقاء والنهوض بوطننا الغالي، والوصول به -
بعد توفيق الله - إلى ما هو أهل له عن جدارة واستحقاق كوطن عظيم بلا فساد.