إرضاء الله عز وجل " الجزء السابع"
كتب-محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع إرضا الله عز وجل، إن الدعاء والتضرع إلى الله موضوع من مواضيع الإيمان، وموضوع من مواضيع أعمال القلوب، التي لا يستشعرها، ولا يعيش لحظاتها، إلا من أوقد الله قلبه بحرارة الإيمان، وعمّره برياض ذكر الله، والإقبال عليه، وخشيته بالسر والعلانية، إنه موضوع فيه احتساب للأجر، وفيه صبر لله تعالى، وفي ذات الله، وصبر على أقدار الله سبحانه، فمن الذي يجيب المضطر إذا رفع يديه لله يطلب منه المدد؟ ومن الذي يجيب المسلم في لحظات الكرب والشدة، وهي يهتف داعيا ربه منيبا إليه، طالبا منه العون وتفريج تلك الهموم؟ فسبحانه وتعالى القائل " فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا" فهذا العسر معرفة وهذا اليسر نكرة في الآية، ولذلك قال ابن عيينة رحمه الله "أى أن مع ذلك العسر يسرا آخر" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، وتأمل في أحوال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم هذا يوسف عليه السلام لما صار في ظلامة الجب.
ثم في ضيق السجن، كربا على كرب، وهما على هم، فماذا حصل بعد ذلك؟ تداركته رحمة الله، وهي قريب من المحسنين، فأخرجته من ظلامة الجب، ومن ضيق السجن إلى سعة الملك، وبسط في العيش، وجمع بأهله في حال الرخاء بعد الشدة، وهذا يعقوب عليه السلام عمي من كثرة البكاء والحزن على فقد ولديه، وابيضت عيناه فهو كظيم، تداركته رحمة الله بعد سنوات من الشدة، ومفارقة الأولاد الأحباء إلى نفسه، فجمعهم الله سبحانه بهما على غير ميعاد منهم، وهذا يونس في بطن الحوت لما نزل به البلاء دعا ربه في مكان ما دعا به أحد من الناس ربه، في جوف البطن المظلم، فاستجاب الله دعاءه، وهذه سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيها شدائد، وأهوال، وكرب، وهموم، ومنها شدائد المواطن التي نصره الله بها في معاركه ضد المشركين، وهذه عائشة رضي الله عنها لما نزل بها من الضيق الشديد عندما اتهمها المنافقون، وردد ذلك معهم الذين لم يعوا الأمور من المسلمين، ولم يتثبتوا فيها، فاتهموا تلك المسلمة العفيفة الشريفة.
زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها قد وقعت في الفاحشة وهي منها بريئة، فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليها فلا يكلمها، ولا يتلطف معها كما كان يتلطف، واشتعلت الفتنة من حولها، والألسن تلوك في عرضها وهي البريئة، حتى بكت الدموع أياما متواصلة، حتى انقطع دمعها، وكان لا يأتيها النوم، ثم جاءها فرج الله بتبرئتها من فوق السبع الطباق، وفرج الله همها، وأذهب كربها، وهؤلاء الثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خلفوا، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، بعد أن عزلهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن المجتمع المسلم، ونهى الناس عن تكليمهم، فصاروا غرباء في أهلهم وذويهم، حتى وصل الحال إلى أن أمر زوجاتهم بفراقهم، فصاروا كالمبتوتين من المدينة، الذين لا يتصل بهم أحد، ولا يكلمهم أحد، حتى نزل فرج الله عز وجل بالتوبة عليهم، فوسع الله عليهم بعد أن كانوا في ضيق، ونفس عنهم بعد أن كانوا في كربة، وهؤلاء الثلاثة من بني إسرائيل الذين دخلوا في الغار فانطبقت عليهم الصخرة.
فرج الله عليهم بعد أن أيقنوا بالموت والهلاك، وهذا إبراهيم وسارة نجاهما الله من الجبار الكافر الذي أراد أن يأخذهما، بل إن رحمة الله واسعة تشمل الكافر لو كان في كربة عندما تنزل به إذا شاء ربك أن يفرج عنه، روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، عن عائشة رضي الله عنها أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب، فأعتقوها، فكانت معهم، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، فكانت لها خباء في المسجد، أو حفش وهو البيت الصغير في ناحية من نواحي المسجد، قالت عائشة "فكانت تأتيني وتتحدث عندي، فلا تجلس مجلسا عندي إلا قالت ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجانى، فقلت لها ما شأنك، لا تقعدين معي مقعدا إلا قلت هذا؟" قالت خرجت جويرية يعني صبية لبعض أهلي، وعليها وشاح من أدم، هذه القصة في الجاهلية، قبل أن تسلم هذه المرأة، كانت خادمة معهم، فخرجت صبية من أهلي، من الأهل الذين كانت تعيش معهم هذه الخادمة، وخرجت معها خادمتها، وكانت لهذه الصبية.
كان عليها وشاح من أدم أى من جلد وفي طريق من أنه أحمر من سيور، فوضعته هذه الصبية أو وقع منها، فمرت به حديات، والحدأة فحسبته لحما، فخطفته، قالت فالتمسوه فلم يجدوه، جاء أهل البنت الصغيرة فبحثوا عن الوشاح فلم يجدوه، قالت فاتهموني به أى اتهموا هذه الخادمة، فطفقوا يفتشون، فعذبوني، حتى بلغ من أمرهم أنهم طلبوا في قبلي، فتشوا قبلها، قالت والله إني لقائمة معهم وأنا في كربي إذ مرت الحديات حتى وازت برؤوسنا فألقته، قال، فوقع بينهم فأخذوه، قالت، فقلت هذا الذي اتهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة، وهو ذا هو، ثم كان من أمرها بعد ذلك ما كان من إسلامها، فتأمل حال تلك المرأة المسكينة، ولو كانت كافرة، كيف لما نزل بها الكرب فعذبت، تداركتها رحمة الله بحادثة عجيبة ليست بمعهودة أن يأتي ذلك الطائر فيلقي بالقطعة التي خطفها، والله لطيف بعباده، لطفه واسع، ورحمته واسعة، فإنه ينقذ العباد من الضيق، ولو كان في أعتى صوره، ولا يتخلى سبحانه عن المخلوقين.