recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

إعلان

الأزمة الدستورية في تونس ومستقبل الديموقراطية

 الأزمة الدستورية في تونس ومستقبل الديموقراطية

 

الأزمة الدستورية في تونس ومستقبل الديموقراطية

 

 بقلم: هبة المنزلاوي_دمياط

كلية الإعلام جامعة القاهرة

 

تمر تونس بأزمة دستورية لم تشهدها من قبل ،فما هي الأزمة الدستورية؟  هي أزمة تحدث في إطار الحكم عندما يعمد طرف أو أكثر في صراع سياسي إلى التعدي على قانون الدستور ،أو الاعتراض على التفسير القانوني الصحيح للقانون الدستوري ،وفي معظم دساتير العالم تحكم الدول ثلاث سلطات : التشريعية عن طريق البرلمان الذي يقوم بإصدار التشريعات،، والقضائية التي تقوم بإصدار الأحكام بالقانون، والتنفيذية التي تقوم بتطبيق السياسات التي يقرها المجلس التشريعي، وتشمل الأخيرة رئيس الدولة ورئيس الوزراء، فالأزمة الدستورية تعرِّض الدولة للشلل الإداري وانهيار الحكومة، أو فقدان الشرعية السياسية، أو حرب أهلية إذا لم يتم وضع حد للنزاع ،مثلما حدث في روسيا عام 1993 عندما نشب خلاف بين الرئيس الروسي بوريس يلتسن ،ورئيس البرلمان روسلان حسبولاتوف ،بشأن المؤسسة المسيطرة والمهيمنة على النظام السياسي الروسي هل هو البرلمان أم الرئاسة  ؟ 




وتم التوصل إلى إجراء استفتاء ولكن البرلمان قام بتأجيله بشكل مؤقت، ثم في 21من سبتمبر عام 1993قام يلتسن بحل البرلمان ووجه الدعوة، إلى انتخابات جديدة دون أن يكون له الحق الدستوري للقيام بذلك ،مما نتج عنه قتال شوارع لمدة عشرة  أيام بين الشرطة والمؤيدين للبرلمان والمؤيدين للرئيس، فقضت المحكمة الدستورية ببطلان قرار يلتسن ،ثم قام ألكسندر روتسكوي ،بأداء اليمين الدستورية كرئيس بالنيابة لروسيا ،وقضيت الأزمة بعد حصار عسكري للبرلمان ذهب ضحيته 187 قتيلاً ،كما أن في هذه الأيام تمر تونس بأزمة دستورية فلقد فاز الرئيس الحالي قيس سعيد في الانتخابات التي أجريت عام 2019 ،وهو رئيس قام بالترشح دون مساندة أي حزب ،ونال تأييداً شعبيا كبيراً ،وقام بتعيين السياسي هشام المشيشي رئيس الوزراء لتكوين الحكومة بعد حكومة سبقتها قامت بتقديم استقالتها، 




وكانت بداية الأزمة في 27 من يناير عام2021 عندما قام مجلس النواب بمنح الثقة لأحد عشر وزيراً جديدا،ً بتعديل تضمن حقائب أساسية مثل الداخلية والعدل والصحة ،والذي قام بتعيينهم رئيس الحكومة هشام المشيشي، فاعترض الرئيس على بعض الوزراء وظل القرار متوقفا ويقوم الرئيس بتبرير هذا الرفض بأن بعض الشخصيات التي تعين تدور حولها شكوك كثيرة، وشبهات فساد وانعدام ممارسة البعض للسياسة، وغياب المرأة فكان موقفه هو رفض قيام الوزراء الجدد بأداء اليمين الدستورية أمامه فمنعهم من مزاولة عملهم ،ثم عاد المشيشي وأجرى تعديلاً وزارياً آخر منتصف فبراير أبعد خمسة وزراء مقربين من سعيد ،فمن ناحية أخرى قام سعيد بالدعوة إلى حوار وطني من شأنه إصلاح المؤسسات العمومية والنهوض بالاقتصاد؛  لأن البلاد تواجه أزمة صحية بسبب جائحة كورونا، وبدأ الجدال بين رأس السلطة في البلاد يظهر في الحياة السياسية في تونس منذ إقرار الدستور الذي نص على نظام سياسي هجين بين البرلماني والرئاسي.

 



 لقد وجد سعيد في التعديلين تحجيما لصلاحياته فاعترض على عدم الرجوع إليه في التعديل ،،يجب أن نعلم أن سعيد قام برفض قرارات وقوانين أخرى اتخذها البرلمان مما يؤدي إلى إعاقة عمل المؤسسات والهيئات في البلاد.

 وهناك قراءتان للدستور حسب المحللين،  رئيس الحكومة يكونها حسب رغباته ويقوم بإعلام الرئيس فقط بالتعديل من ناحية أخرى من صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية القيام بتعيين وزيري الدفاع والخارجية وهو يقول إنه يجب استشارته في التعديل قبل تقديمه للبرلمان ،كل هذا في ظل غياب المحكمة الدستورية بتونس التي من وظائفها فض الخلافات حول المسائل الجدالية في الدستور، والتي فشل إنشاؤها لأعوام بسبب عدم التوافق على الأعضاء المرشحين لها ،ويقول الرئيس : إنه يحل محلها في تأويل الدستور بصفته حاميه ورمز السيادة، وقامت بعد ذلك حركة النهضة صاحبة الأغلبية بقطع الطريق علي سعيد بعد نجاحها في الحصول على الأصوات المطلوبة في البرلمان لكي يتم تغيير قانون اختيار أعضاء المحكمة الدستورية، مما يؤدي إلى تسهيل إنشاؤها ،وبما أن موعد إنشائها انتهى ؛فالرئيس يرى خطوة النهضة تجاه إنشاء المحكمة بلا جدوى وقام برفض التوقيع عليها ،مع العلم أن القوانين بتونس تصبح سارية إذا نشرت بالصحف الرسمية وتم توقيعها من الرئيس.

 

 

 وبعد أكثر من سنة على الخلافات بين الرئيس من ناحية ورئيس البرلمان، ورئيس الحكومة من ناحية ثانية،  وصل الوضع السياسي في تونس إلى مرحلة الانسداد الذي لم يحدث من قبل، ورغم اضطرار سعيد إلى اللجوء لإشهار تأويلات للدستور تساند موقفه ،فإن الأزمة ترتبط في الأصل برفضه النظام السياسي الذي يوزع السلطات بين الرئاسات الثلاثة ،وهدفه في زيادة صلاحياته لتتضمن مجالات من اختصاص الحكومة والبرلمان ونرى في تصريحاته الأخيرة نية تتعدى توسيع الصلاحيات وهذه المواقف تضع الديموقراطية في خطر وتحملها فوق طاقتها في ظل الظروف 

 الاقتصادية ،والصحية الصعبة التي تمر بها البلاد، لذلك يجب على النخبة السياسية التونسية أن تعمل للحفاظ على مصلحة البلاد ووضعها فوق كل شيء ،وتحافظ على الإنجازات التي تم تحقيقها خلال العقد الماضي وأن تصل إلى آلية مؤسسية دستورية لتسيطر على خلافاتها تجنباً للشعبوية وكافة المزايدات.


google-playkhamsatmostaqltradent