الصدقة شفاء وداوء " الجزء الثالث"
إعداد محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع الصدقة شفاء ودواء، وفي كتاب وثائق عائلية من بريدة، من مقتنيات الوالد إبراهيم بن سليمان العمرى رحمه الله، إعداد ودراسة الأستاذ الدكتور عبدالعزيز العُمرى، فيقول وأذكر أنه في أحد أمراض الوالد التى دخل فيها المستشفى صعبت حالته فأدخله الطبيب للعناية المركزة، وقطع عنه الزيارة، فمر عليّ أحد الأقارب، وقال يا عبدالعزيز، داووا أبوكم، فغضبت منه، وقلت نحن في أحسن مستشفى خاص، ونحضر الأطباء من المستشفيات كافة لمتابعة حالته، قال أقصد قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " داوو مرضاكم بالصدقة" فشكرته، وعملت مع بقية الإخوة بنصيحته وبعد أيام قلائل عاد لعافيته بحمد الله فقال لي طبيبه أبو عاصم، شو عاملين؟ فذكرت له الصدقة، فقال متعجبا سبحان الله حينما أنزلت الوالد للعناية المركزة كانت لدى مؤشرات وفاة ووداع لا رجعة فيها ناتجة من قياس كريات الدم البيضاء، وإن أبواب الصدقة مفتوحة على الدوام، وبأشكال وأنواع مختلفة.
وأينما وجهت نظرك فإنك لا بد أنك واجد بابا للصدقة، وما أحلاه من باب عندما تلجه، ويسارك لا تعلم ما أنفقت يمينك فإن الصدقة من محاسن الإسلام، وهي ليست حكرا على من يملك المال، بل هي عامة لعموم أبناء الأمة فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كل معروف صدقة" وهذا تعميم لا تعرفه حضارة أخرى غير الإسلام، وإن تبسمك في وجه أخيك صدقة، فهل أكثر من ذلك؟ ورغم ذلك، وسهولة تحقيق الصدقة، فإنها ذات ثواب عظيم وكبير، وقد وعد الله تعالى عباده الصادقين والمتصدقين بأوفى الجزاء وأجزل العطاء يوم الحساب، وإن النظرة الإسلامية للصدقة هي من الشمولية والروعة لدرجة تجعل منها قاعدة مطلقة في السلوك الإسلامي، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تكف شرك عن الناس فإنها صدقة" وفي حديث شريف آخر" نفقة الرجل لأهله صدقة" ويقول صلى الله عليه وسلم " كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين اثنين صدقة، والكلمة الطيبة صدقة.
وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة" وفي حديث شريف آخر يقول صلوات الله وسلامه عليه " إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة" فسبحان الله، هذا هو الجمال الحقيقي للإسلام الحنيف الذى يجعل لك الثواب في كل أفعالك ما دامت في إطار تقوى الله، ومحاولة نيل رضوانه، إن الصدقة تطلق على جميع أنواع المعروف والإحسان دون الفرائض والواجبات التي يستوى فيها من عنده مال ومن ليس عنده، والصدقة بمعناها الشمولي لا تقتصر على الأغنياء فالحرص الحرص على الصدقة فالإسلام الحنيف بتعاليمه ومبادئه كله خير بخير وذلك لعظيم نفعها، وكبير ثوابها، وهي بحاجة إلى أن يحافظ عليها الإنسان فعلا واستمرارية، بمعنى لا يبطلها بالسيئات وبالأفعال غير المقبولة، فقال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى"
نعم فالمن والأذى يبطلان الصدقات وإن من فضل الله تعالى وتوفيقه، وله مزيد الحمد والشكر، أن صدقة السر قد أصبحت في هذا الزمان من أيسر الأمور وأسهلها إذ يمكنك أن تتصدق وأنت في بيتك، لا يراك أحد، ولا يعلم بما قدمته إلا الله، ولا يكلفك هذا قياما من مكانك ولا خروجا من بيتك، بل من خلال هاتفك المحمول الذي تتصفحه، تدخل إلى حسابك المصرفي، وتتصدق بصدقة سر لا يعلمها إلا الله، من خلال تحويل ما تجود به وتقدمه لنفسك أو لوالديك أحياء وأمواتا فمن أعظم البر أن تكثير حسنات الوالدين بالصدقات فهما سبب وجودك في الحياة وفعل الصدقة كفعل الخير، مستمر ومتواصل ومتنوع وهو يعطي الحياة الإسلامية جمالها فبها تتم صلة الرحم، وبها تقترب الأفئدة والقلوب من بعضها، وبها يشعر الغني بمعاناة الفقير، وبواسطتها تشرق البسمة على شفاه اليتامى والفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم، وتعد الصدقة نوعا من أنواع العبادات الشرعية ولذا فإن لها مجموعة من الآداب، ومنها الإخلاص لله تعالى فى بذلها وإخراجها.
وأن تكون من المال الحلال الطيب فالله سبحانه لا يقبل إلا ما كان طيبا، وأن تكون من المال الجيد، والذي يحبه الإنسان ويرغب به، وألا يعجب الإنسان بصدقته ويزهو بها، وأن يتجنب الإنسان المن والأذى، وجميع ما يبطل الصدقات، وكذلك الحرص على الإسرار بالصدقة، فلا يعلنها الإنسان إلا لحاجة، وأن يعطي الإنسان صدقته للمحتاج بنفس طيبة، ووجه بشوش مبتسم وكذلك المبادرة في إخراج الصدقات أثناء حياة الإنسان، والحرص على إخراجها لأكثر الناس حاجة، خاصة أولى القربى منهم، وقيل " إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنما بين جبلين فأتى الرجل قومه، فقال "يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر"رواه مسلم، وهناك الكثير من آيات كتاب الله تعالى نادي الله فيها عباده المؤمنين، وأمرهم بالإنفاق في سبيله، ليدخروا ثواب ذلك عنده، وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة من قبل أن يأتي يوم وهو يوم القيامة لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة.