الدنيا بين الخير والشر " الجزء الثالث "
كتب- محمــــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع الدنيا بين الخير والشر، وإن من القضايا التي تهمنا جميعا خاصة في زماننا هذا الذي اختلطت فيه الأمور وصار هنالك فوضى في التوجيه والكلام والفتاوى، وبلابل في كل شيء، حتى إن الإنسان يشعر بأنه لا شيء قابل للتصديق، ولا شيء قابل للتكذيب، وصار الدين عرضة لكل من أراد أن يتكلم بعلم أو بغير علم، وأحيانا ترى الدين متهما مضطرا أن يجد من يدافع عنه، وهذا من الأمور العجيبة، وإن الحلال والحرام قضية تحتاج منا إلي وضع بعض القواعد أو وضع النقاط فوق الحروف، أيضا قضية الشبهات وما يدخلها من فتنة الشبهات ومسائل جديدة جدت علينا، فإن الله عز وجل هو الذى يحل ويحرم، فمن الذى يحل ومن الذى يحرم.
فنحن كلنا عبيد لله عز وجل، فالذى يحل ويحرم لنا هو الله سبحانه وتعالي، والله عز وجل حينما أحل وحرم، ما حرم ليضيق علينا، إنما حرم لأنه يريد بنا الخير، فيقول سبحانه وتعالى فى سورة النساء" والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا" فإن الكثير ينظر إلي مسألة الحلال والحرام علي أن الالتزام بها تضييق للحياة، وأن فيها قيود علي حرية الإنسان لكن حينما تنظر إلي المسألة بواقعية لعلمت أن من يقول هذا الكلام ويسير علي نفس المسار هو عبد لهواه فهو عبد ما يشتهي لا عبد لله عز وجل، والعبد الذى يشتهى ما يوافق هواه وشهواته هذا لا شك أنه يضل.
كما قال الله تعالى فى سورة الجاثية " أفرأيت من أتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون" وإن النفس البشرية بطبيعتها تكره التكليف، وتتطلع إلي الممنوع ، وتظن أنها فاهمة لكل شيء وهي جاهلة، فالله سبحانه وتعالي شرع ما شرع من الحلال والحرام، أوالفرائض والواجبات إنما شرعها لأنه يريد الخير بنا، فقال تعالي في نهاية آيات الصيام كما فى سورة البقرة " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" وقال تعالى في شأن الأضحية كما فى سورة الحج " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين"
فإن الله سبحانه وتعالى لا يأكل ولا يشرب فلا يناله من الذبيحة التي أنعم علينا بها ورزقنا بها، وسخرها لنا لن ينال الله منها لحم ولا دم، إنما نحن كلفنا من الله عز وجل، بذبيحتها، نأكلها ونطعم غيرنا منها شكرا لله تعالي، فقال تعالى فى سورة الحج " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين" وكذلك فإن هنالك أمور قد يكتشف الانسان الحكمة منها، وهناك أمور لا يستطيع أن يكتشف الحكمة لا لانعدامها بل لخفائها أو لجهله بها، ويعني أن الحكمه موجودة، وإن فرائض الله كلها لها حكمة، وأقدار الله لها حكمة، فما أمر الله تعالى بشئ عبثا وما قدر الله عز وجل شيئا عبثا ولا شرع الله سبحانه شيئا عبثا.
فمن يفهم أن الحلال والحرام لتضييق حريته أو مسألة فيها تضييق لطيبات الحياة هو واهم، لأنه يري أن اتباع هذه الأمور هو قطع لشهواته هو يري أنه تضييق علي هواه، لكن عبد الله الذى رضي بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وبالاسلام دينا، يرى أنه إذا كان عبدا لله كان حرا، أي عبودية لغير الله مذلة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، واذا شيك فلا انتقش" وعبد الدينار والدرهم هو من يسعى من أجل المال، فإن الله أعلى قيمتك، وأن الله أعزك لكن هناك من يريد أن يذل نفسه بنفاق أو كذب أو معصية أو سعى في ركاب من البدعة والضلالة فهو عبد للمال يتحرك ويدور معه اينما دار.