حادثة دير الجماجم "جزء 1"
كتب- محمـــد الدكـــرورى
إن استقرار المجتمع المسلم الذي يهنأ فيه بالطعام ويستسيغ الشراب، ويكون نهاره معاشا ونومه سباتا وليله لباسا لا يمكن أن يتحقق إلا تحت ظل الأمن، وقديما قيل أن الأمن نصف العيش، إن مطلب الأمن يسبق مطلب الغذاء، فبغير الأمن لا يستساغ طعام، ولا يهنأ بعيش، ولا ينعم براحة، فقيل لحكيم أين تجد السرور؟ فقال في الأمن، فإني وجدت الخائف لا عيش له، وإن الصراع فى الحياه هو أمر ملازم لطبيعة الخلاف وخصائص المختلفين، وفي سيكولوجية سلوك الجماعات وأنه بمجرد تكوّن الجماعة وتنافسها يظهر الصراع بشكل تلقائي، ويكون ذلك نتيجة للاختلافات فيما بين الأفراد، وحينما يحدث الخلاف بين الأشخاص قد يتطور الموقف ليولد الصراع.
وقد يتحول سلوك بعضهم إلى العدوان، وهنالك آخرون يكونون في الظاهر هادئين، ولكن داخلهم يمور غضبا، وقد يقوم بعضهم بعقاب البعض، أو الاعتداء بالفعل أو القول، وأحيانا بالصمت، والخلاف بين الناس هو جزء من طبيعة البشر، فلا يوجد شخصان مهما كان توافقهما يعيشان دون حدوث خلافات في الرأي بينهما، ويقول الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة هود "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحده ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" ولكن هذا الخلاف قد تحوله مشاعر الكراهية والبُغض والخوف والإعراض والأخلاق الصّدامية إلى صراع بين الأفراد، وقد يتطور ليكون عائقا في الحياة اليومية.
وإن الصراع هو أمر وارد في جوانب الحياة المختلفة، ينتج عن الاختلافات في الآراء، لكن الصراع في نظر الكثيرين اكتسب سمعة سيئة، مما جعل رأي الكثيرين أنهم ينبغي أن يتجنبوه، وأما عن حادثة أو واقعة دير الجماجم فقد كانت هذه الواقعه فى عام ثلاثه وثمانين من الهجره النبويه الشريفه، وكانت في مكان بين الكوفة والبصرة وهذا المكان يسمى دير الجماجم، وقضى فيها الحجاج بن يوسف الثقفي، على أعنف الثورات الخارجة على بني أمية بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث، حيث كانت العراق دائما مصدر قلاقل واضطرابات على بني أمية للعداء الموروث من أيام الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهما.
لذلك فإن بني أمية عمدوا دائما على رمي أهل العراق بولاة غاية في الشدة والحزم إلى درجة الظلم والطغيان، على رأس هؤلاء، طاغية الزمان الحجاج بن يوسف الثقفي الذي خضد شوكة العراقيين وسامهم العسف وأذلهم بشدة، فساءهم ذلك، وتمنوا الخلاص منه خاصة العلماء والعباد الذين هالهم سفك الدماء، وتأخير الصلوات، وظلم الناس، ولكن الحجاج كان شديد الدهاء والحنكة السياسية فقد كان يشغل الناس بالجهاد في سبيل الله في بلاد ما وراء النهر، ولعل هذا كان من حسناته لكثرة فتوحات المسلمين في عهده، المهم كانت هناك شخصية قوية بين أهل العراق مرشحة لمنازلة الحجاج، وهو عبد الرحمن بن محمد بن قيس بن الأشعث وكان من الأبطال الشجعان.
وكان الحجاج يبغضه بشدة، ولكن يعرف منزلته وكفاءته لذلك فإن الحجاج قد أعد يوما جيوشا عظيمة من أهل العراق وأمَّر عليهم عبد الرحمن بن الأشعث، لغزو بلاد السند وملكهم رتبيل، للانتقام من مصاب المسلمين بأرضه في العام السابق، وقد دخل المسلمون بقيادة ابن الأشعث بلاد الترك فخافهم رتبيل، وأرسل إليهم ليصالحهم، فرفض ابن الأشعث وأصر على القتال وحقق انتصارات رائعة، واستولى على أراضى كثيرة، وكان قد فتح بلدا عين عليها نائبا من طرفه يحفظها، وأوغل جدا في بلاد رتبيل، ثم رأى أن يتوقف عن التوغل في تلك البلاد حتى يصلحوا ما بأيديهم من البلاد المفتوحة، ويتقووا بما فيها من الغلات والمحاصيل.