الصابرة والمحتسبة المكابدة "جزء 3"
كتب- محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع الصابرة والمحتسبة المكابدة، هى زوجة نبى الله أيوب، وهى امرأة خلدها التاريخ في صبرها، وقد أخلصت لزوجها، ووقفت إلى جواره فى محنته حين نزل به البلاء، واشتد به المرض الذى طال سنين عديدة، ولم تظهر تأففا أو ضجرا، بل كانت متماسكة طائعة، وواحدة من النساء اللاتي تركن أنصع الآثار في دنيا النساء الفضليات، وقد ارتقت ليا منزلة مباركة وعالية في مقام الصدق، واقتعدت مكانا عليا في منازل الأبرار، حيث عاشت مع زوجها في محنته التي امتدت قرابة ثماني عشرة سنة، وكانت مثال المرأة البارة ومثال الزوجة الصابرة الراضيه بحكم الله وقضاءه.
وكان نبى الله أيوب عليه السلام هو أحد أغنياء الأنبياء عليهم السلام، حيث بسط الله له فى رزقه، ومدّ له فى ماله، فكانت له ألوف من الغنم والإبل، ومئات من البقر والحمير، وعدد كبير من الثيران، وأرض عريضة، وحقول خصيبة وكان له عدد كبير من العبيد يقومون على خدمته، ورعاية أملاكه، وهكذا فإن الدنيا متاع زائل، وخير ما فيها من هذا المتاع هى المرأة الصالحة، لأنها تسعد صاحبها في الدنيا، وتعينه على أمر الآخرة، وهي خير وأبقى، وقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه "في الدنيا حسنة، وهى امرأة صالحة، وفي الآخرة حسنة، وهى الجنة" فيجب على المرء أن يبحث عن ذات الدين.
لأنها هي التي تسعد زوجها، وترضي ربها، وتربي أبناءها، وأقصد بذات الدين هى التي التزمت أمر ربها، وأطاعت رسولها، وتعلمت إسلامها، فهي ملتزمة بالإسلام ظاهرا وباطنا سرا وعلانية، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم " تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها، ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" وهذا الحديث يحكي فيه النبي صلى الله عليه وسلم أحوال المقبلين على الزواج، وأن سعيهم لشتى، فمنهم من يبحث عن المال، ومنهم من يبحث عن الجمال، ومنهم من يبحث عن الحسب، ومنهم من يبحث عن الدين، ومنهم من يبحث عن صفتين من هذه الصفات أو ثلاثة، ولم يبخل أيوب عليه السلام بماله.
بل كان ينفقه، ويجود به على الفقراء والمساكين، وقد آمنت السيده ليا بدعوة أيوب ورسالته، وكانت تعيش معه في بلاد الشام في نعيم وجنات وعيون، شاكرة عابدة عارفة حق الله على العباد في الشكر، فقد كانت تكثر الحمد والشكر والثناء على الله عز وجل، إذ رزقها من البنين والبنات ما تقر به عينها ولا تحزن، وأوسع عليها وعلى زوجها من الرزق شيئا مباركا، وفضلهما على كثير من خلقه، وأراد الله تعالى أن يختبر أيوب فى إيمانه، فأنزل به البلاء، فكان أول مانزل عليه ضياع ماله وجفاف أرضه، حيث احترق الزرع وماتت الأنعام، ولم يبقى لأيوب شيء يلوذ به ويحتمى فيه غير إعانة الله له، فصبر واحتسب، وخر ساجدا لله رب العالمين.
ونزل الابتلاء الثاني، فمات أولاده، فحمد الله تعالى أيضا وخرّ ساجدا لله تعالى، ثم نزل الابتلاء الثالث بأيوب، فاعتلت صحته، وذهبت عافيته، وأنهكه المرض، لكنه على الرغم من ذلك ما ازداد إلا إيمانا، وكلما ازداد عليه المرض، ازداد شكره لله عز وجل، وتمر الأعوام على أيوب عليه السلام وهو لا يزال مريضا، فقد هزل جسمه، ووهن عظمه، وأصبح ضامر الجسم، شاحب اللون، لا يقر على فراشه من الألم، وازداد ألمه حينما بعُد عنه الصديق، وفرّ منه الحبيب، ولم يقف بجواره إلا زوجته العطوف، تلك المرأة الرحيمة الصالحة التى لم تفارق زوجها، أو تطلب طلاقها، بل كانت نعم الزوجة الصابرة المعينة لزوجها.