الأزمة اليمنية: الأبعاد والتداعيات والقوى الدولية الفاعلة
أ. د. أحمد يوسف أحمد
أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة
أصبحت الأوضاع الراهنة في اليمن مصدرًا لعدم الاستقرار في منطقة شبه الجزيرة العربية وما تطل عليه من ممرات مائية حيوية تضفي على الأزمة اليمنية بعدًا دوليًا، ناهيك عما يعاني منه الشعب اليمني من أزمات إنسانية فادحة، والمشكلة عدم ظهور حل في الأجل القريب، وأن الأمور معرضة لمزيد من التدهور. وتحاول هذه المقالة تقديم رؤية شاملة لأبعاد الأزمة وخريطة القوى الدولية الفاعلة فيها وتداعياتها، ومحاولة لاستشراف مستقبلها.
أولًا: مدخل لفهم تطور الأزمة
لم تبدأ حركة المعارضة ضد نظام الرئيس "علي عبد الله صالح" مع الموجات الأولي لما سُمي بالربيع العربي، وإنما سبقتها بكثير، وقد تميز نظام "صالح" الذي دام ثلث قرن في بدايته بإنجازات ملموسة تمثلت في، تحقيق توافق سياسي وطني، وتنمية اقتصادية ملموسة، ناهيك عن تحقيق الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه، غير أن بروز الطابع العائلي للنظام، واستشراء الفساد فيه، أفرز حركة معارضة حقيقية، سواء في شمال اليمن بسبب تفاقم الفساد والممارسات غير الديمقراطية، أو في جنوبه للأسباب ذاتها، بالإضافة إلى شعور الجنوبيين بالغبن في أعقاب إحباط محاولة الانفصال المسلحة في عام ١٩٩٤، الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يُسمى بالحراك الجنوبي الذي بدأ حركة مطلبية قوامها إزالة المظالم التي وقعت على الجنوبيين بعد قمع محاولة الانفصال، ووصل إلى أن أصبح حركة سياسية تطالب بالانفصال والعودة للوضع قبل إعلان الوحدة اليمنية في عام١٩٩٠، غير أن حركة المعارضة اليمنية بصفة عامة ظلت محدودة الفاعلية إلى أن أعطتها أولى موجات الانتفاضات الشعبية العربية في تونس منذ نهاية٢٠١٠ زخمًا وصل ذروته بامتداد الموجة إلى مصر، واستقالة الرئيس حسني مبارك في فبراير٢٠١١، وهكذا احتدم الصراع بين نظام صالح ومعارضيه الذين لم تخل صفوفهم من ممثلين لجميع فئات المجتمع اليمني وأقاليمه الجغرافية، وقد تميز رد فعل النظام على الانتفاضات الشعبية بالعنف الشديد دون أن ينجح في وقفها، بل لقد بدأ الانقسام يدب في صفوف النظام، وخاصة بعد إعلان اللواء "محسن الأحمر" الأخ غير الشقيق لصالح انحيازه للثورة، وبدت الأمور بعيدة عن الحسم لصالح أي من الطرفين.
وقد مهَّدت تلك الحالة من عدم الحسم الطريق لتدخل خارجي كان متوقعًا، ذلك أن الأوضاع السياسية في اليمن اتسمت دائمًا بأهمية فائقة بالنسبة لجيرانها، وبالذات المملكة العربية السعودية التي تُمثِّل اليمن عمقها الجنوبي، وطالما أبدت السعودية حساسية شديدة لمجريات الأمور في اليمن؛ نظرًا لتأثيرها المباشر على الأمن السعودي، كما تظهر الخبرة التاريخية لثورتي ١٩٤٨ و١٩٦٢ في اليمن، وهكذا بدأت السعودية نشاطًا دبلوماسيًّا مكثفًا بدعم أمريكي للتوصل إلى تسوية سلمية بين نظام "صالح" ومعارضيه، وأثمر هذا النشاط عن ما عُرِف بالمبادرة الخليجية التي كان جوهرها تشكيل حكومة وحدة وطنية مناصفة بين النظام ومعارضيه، وتنازل صالح عن الرئاسة لنائبه "عبد ربه منصور هادي" الذي يدعو لإجراء انتخابات رئاسية في غضون ستين يومًا، ويُشكِّل الرئيس المنتخب لجنة لإعداد دستور جديد يُعرض على استفتاء شعبي وتُجرى على أساسه بعد إقراره انتخابات برلمانية، يُكلف رئيس الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد فيها بتشكيل الحكومة، وقد قاوم صالح توقيع المبادرة طويلًا إلى أن تعرض لمحاولة اغتيال أُصيب فيها بحروق بالغة، نُقل على إثرها للعلاج في السعودية، ووقع "صالح" على المبادرة في نوفمبر ٢٠١١ بعد عودته، وإن نجح في الحصول على حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية بعد خروجه من السلطة، وهو نجاح يدل على دهائه السياسي؛ إذ سمح له بالاستمرار كرقم مهم في معادلة السياسة اليمنية، خاصة وأن التسوية لم تشمل عزله سياسيًّا، وبالتالي استمر في لعب دور سياسي بالغ الأهمية على رأس حزبه (المؤتمر الشعبي العام) ومستندًا إلى استمرار ولاء قطاعات مهمة من الجيش له وقاعدته القبلية، وأموالاً طائلة تراكمت لديه في ظل غياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة، ويُلاحظ أن البعد الدولي كان حاضرًا بوضوح في هذه التسوية بالنص صراحة على ضمان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لها مع مجلس التعاون الخليجي.
وقد أُجريت الانتخابات الرئاسية في موعدها في فبراير ٢٠١٢، واتُفق على ألَّا يتقدم لها سوى الرئيس "هادي" الذي شكَّل حكومة الوحدة الوطنية وفقًا لما نصت عليه المبادرة الخليجية بالمناصفة بين حزب صالح (المؤتمر الشعبي العام) وأحزاب المعارضة (اللقاء المشترك)، وكانت المهمة الأولى للرئيس هي إجراء حوار وطني شامل تشارك فيه جميع الفاعليات جغرافيًّا (الشمال والجنوب)، وسياسيًّا (كل القوى السياسية)، ونوعيًّا (الشباب والنساء)، ويبحث المؤتمر في وضع دستور جديد ويشكل لجنة لذلك، ويبحث كذلك في القضايا الوطنية المختلفة، وأهمها قضيتا الجنوب والحوثيين الذين كانت السنوات السبع الأخيرة من حكم صالح قد شهدت عددًا من جولات الصدام العسكري بينه وبينهم دون حسم، وبالفعل عُقد المؤتمر، وشكل لجنة لوضع الدستور، وأوجد حلولًا جذرية للقضايا الوطنية الخلافية، فتضمنت مخرجاته فيما يتعلق بقضية الجنوب التحول إلى النظام الفيدرالي، وتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم لهذا الغرض، مع إعطاء كل الضمانات لعدم طغيان الشمال المتفوق عدديًّا على الجنوب. أما قضية الحوثيين، فنصت مخرجات المؤتمر على ضمانات كاملة لحريتهم الفكرية والمذهبية، وتنمية مناطقهم، وإطلاق سراح المعتقلين، وتعويض المتضررين، وعودة المبعدين، ودمج أبناء صعدة في مؤسسات الدولة، وكل ذلك مقابل تسليم الحوثيين أسلحتهم للدولة، وتعزيز إشرافها على التعليم في مناطقهم لتفادي التنشئة على قيم متحيزة للأفكار الحوثية المؤيدة في جوهرها لنظام الإمامة اليمني البائد.
ومع ذلك فقد أخذ الحوثيون يصعدون من تحركاتهم المضادة للحكومة وصولًا إلى الانقلاب عليها، والسيطرة على العاصمة صنعاء في٢١سبتمبر ٢٠١٤، في اللحظة نفسها التي اكتمل فيها مشروع الدستور اليمني، وقد تم الانقلاب بالتواطؤ مع الرئيس السابق "علي عبد الله صالح" عدوهم اللدود الذي رأى في هذا التواطؤ آلية للعودة إلى السلطة، وإن خانه التوفيق هذه المرة، وهو المعروف بدهائه السياسي وقدرته على البقاء، فقد انتهى تحالفه معهم باغتيالهم له في ديسمبر ٢٠١٧، غير أن الرئيس "هادي" الذي كان قد تعرض للاحتجاز تمكن من الإفلات من قبضتهم في٢١فبراير ٢٠١٥، والوصول إلى عدن التي اتخذها عاصمة مؤقتة أعلن منها إلغاء كل ما قام به الحوثيون من خطوات مؤيَّدًا في هذا من أحزاب سياسية ومظاهرات شعبية، فاندفع الحوثيون في محاولة للسيطرة على كامل الأراضي اليمنية، وعندما شعر "هادي" بالخطر الداهم المتمثل في احتمال استكمال سيطرة الحوثيين على اليمن كلها بما فيها الجنوب وتصفية المقاومة للانقلاب، وجه رسائل لقادة مجلس التعاون الخليجي يناشدهم فيها التدخل لإنقاذ الشرعية اليمنية، وقد استجابت دول المجلس كافة عدا عُمان، وانضمت مصر والسودان والمغرب والأردن لدول الخليج الخمس فيما عُرِف بالتحالف العربي بقيادة السعودية، ومن هنا بدأ ما يُعْرَف بعاصفة الحزم في مارس ٢٠١٥ قبيل القمة العربية في شرم الشيخ بأيام وحصلت منها على شرعية عربية، ثم حصلت على شرعية دولية بقرار مجلس الأمن رقم (٢٢١٦) الذي صدر في أبريل ٢٠١٥، وقد نجحت "عاصفة الحزم" في وقف التمدد الحوثي في الجنوب، غير أنها أخفقت في إنهاء سيطرتهم على الشمال، ووصل الصراع إلى حالة من التجمد، بمعنى غياب قدرة أي من الطرفين على حسم الصراع عسكريًّا لصالحه، في الوقت نفسه الذي أخفقت فيه كل المحاولات، سواء الأممية أو التي بادرت بها دول بعينها كالولايات المتحدة وعُمان في التوصل لتسوية سياسية، ومن هنا برز الوضع الحالي للصراع الذي ترتبت عليه تداعيات كارثية إنسانية واقتصادية غير مسبوقة في اليمن.
ثانيًا: خريطة القوى الفاعلة
يدور الصراع على الصعيد المحلي بين الحكومة اليمنية الشرعية التي تمخضت عنها الانتفاضة الشعبية اليمنية ضد نظام الرئيس "على عبد الله صالح" بعد التدخل الخليجي من خلال ما عُرِف بالمبادرة الخليجية التي حظيت بدعم أمريكي وأوروبي على نحو ما رأينا وبين الحوثيين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "أنصار الله"، والحوثيون فريق من أتباع المذهب الزيدي في اليمن، وهو أكثر مذاهب الشيعة قربًا من السنة، غير أن الحوثيين من أتباع الفرع الجارودي من المذهب الزيدي (نسبة لمؤسسه أبي الجارود زياد بن المنذر)، وهو أكثر فروع هذا المذهب تشددًا واقترابًا من مذهب الإثنى عشرية وولاية الفقيه السائد في إيران.
وقد زار "بدر الدين الحوثي" مؤسس الحركة الحوثية إيران وأقام فيها أربع سنوات، كما أن ابنه "حسين" الذي تولى قيادة الحركة بعد وفاته إلى أن قُتِل في الحرب مع نظام صالح في ٢٠٠٤ زار قم ومكث فيها عدة أشهر، وزار "حزب الله" في لبنان، وأبدى إعجابًا شديدًا به واعتزازًا بوحدة المنبت الأيديولوجي لحزب الله والحركة الحوثية، فضلًا عن تدريس أدبيات الثورة الإيرانية ضمن الدورات التدريبية لاتحاد الشباب المؤمن، وهو الذراع الشبابية للحركة الحوثية، ويُضاف إلى الأدلة على العلاقة العضوية بين الحركة وإيران الدعم الإعلامي الإيراني ومن "حزب الله" للحركة، وتطابق الشعارات بينهما (الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل - اللعنة على اليهود - النصر للإسلام)، وكذلك تطابق الوسائل (المظاهرات والاعتصامات وحصار مؤسسات الدولة واستخدام القوة المسلحة عند اللزوم).
وهكذا يمكن القول بوضوح إن الحركة الحوثية كحزب الله جزء من المشروع الإيراني في المنطقة، وهو ما يلقي الضوء على الخريطة الإقليمية للقوى الفاعلة، فعلى جانب الشرعية اليمنية يقف التحالف العربي بقيادة السعودية، وهو يتكون على النحو السابق بيانه بمشاركة رئيسة في البداية من السعودية والإمارات، ورمزية من باقي الأطراف، إلى أن استُبعِدَت قطر بعد تفاقم الأزمة بينها وبين كل من السعودية والإمارات والبحرين في عام ٢٠١٧، ثم بدأ الحديث من يوليو ٢٠١٩ عن تخفيف الوجود العسكري الإماراتي في اليمن إلى أن أُعلن في فبراير٢٠٢٠ رسميًا إنهاؤه تمامًا. وعليه، بقيت السعودية كداعم إقليمي مباشر وحيد لجيش الشرعية اليمنية، فيما تدعم إيران الحركة الحوثية، وإن كان على نحو غير مباشر من خلال إمدادات السلاح وخدمات التدريب والمشورة العسكرية، ويُلاحَظ غياب التورط المباشر لقوى عالمية أو كبرى في الصراع، عكس الحال في الصراعين السوري والليبي، والاكتفاء بالمبادرات الدبلوماسية كما حدث بالنسبة للسياسة الأمريكية في آخر عهد "باراك أوباما"، كما يُلاحظ أيضًا غياب الاستقطاب الحاد على قمة النظام الدولي، فقد انتُقد التحالف العربي أكثر من مرة في دوائر رسمية أمريكية، كما أن روسيا ذات العلاقة الطيبة بإيران لم تعرقل صدور قرار مجلس الأمن رقم (٢٢١٦) الذي أدان الحوثيين، واكتفت بالامتناع عن التصويت.
وعلى الرغم من أن الطرف الحوثي في الصراع قد عانى من أزمة الصدام مع حليفه المحلي الرئيس علي عبد الله صالح في عام ٢٠١٧ فإن هذه الأزمة سرعان ما حُسِمت لصالح الحوثيين باغتيالهم له في ديسمبر ٢٠١٧، ويُضَاف إلى ذلك أن الحوثيين بعد أن تمكنوا من التمسح بشعارات ثورية لا صلة لفكرهم المذهبي السلالي بها استفادوا بوضوح من تقبل قسم غير معروفة نسبته من أتباع المذهب الزيدي لهم، وكذلك من أخطاء العمليات الجوية للتحالف العربي التي طالت أهدافًا مدنية وألَّبت الرأي العام اليمني على الحكومة الشرعية وحلفائها، ويُلاحظ عدم رصد أي احتجاجات شعبية في مناطق سيطرتهم، وبالمقابل فإن معسكر الشرعية قد عانى أولًا من انقسامات بين صفوفه، وبصفة خاصة مع فصائل الحراك الجنوبي التي تُصر على الانفصال ويسيطر أحدها (المجلس الانتقالي) من الناحية الفعلية على العاصمة المؤقتة عدن، والأخطر هو اتهام الحكومة اليمنية الشرعية للإمارات بدعم الحركة، وهو ما يعني وجود نوع من التصدع داخل التحالف العربي، ويُضاف إلى هذا نجاح الحوثيين بدعم إيراني في تطوير قدراتهم على النحو الذي مكنهم من توجيه ضربات مؤثرة في بعض الأحيان سواء للسعودية أو للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، مما عزَّز حالة التجمد التي يمر بها الصراع، والمشكلة الحقيقية أن هذه الحالة قد أوجدت واقعًا جديدًا بالنسبة للجهود الدولية التي تحاول تسوية الصراع، وأصبحت هذه الجهود سواء من جانب الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة تتعامل مع الحوثيين كطرف في الصراع يُؤخَذ رأيه وتتم مقاربته في كل جهود التسوية، وغاب الحديث عن قرار مجلس الأمن رقم ٢٢١٦ وما يفرضه من إعادة للشرعية.
ثالثًا: محاولة لاستشراف المستقبل
يمكن على ضوء التحليل السابق طرح ثلاثة مشاهد مستقبلية ومناقشة احتمالاتها فيما يلي:
المشهد الأول: الحسم العسكري، بمعنى قدرة أحد الطرفين على حسم الصراع لصالحه عسكريًّا، وبالنسبة لمعسكر الشرعية فإن هذا المشهد في ضوء ما رأيناه من أوضاع طرفي الصراع (خبرة العمليات العسكرية السابقة لأكثر من ست سنوات - الانقسامات السياسية - الانقسامات داخل التحالف المؤيد للشرعية - صمود الحوثيين وتطوير قدرتهم العسكرية) مستحيل على الأقل في الأمد المنظور، أما الحوثيون فسوف يكون أقصى ما يطمحون إليه هو استكمال سيطرتهم على شمال اليمن بالاستيلاء على مأرب، آخر معاقل الحكومة الشرعية في الشمال، بعد الاستيلاء على البيضا، وهو هدف ممكن للأسف وإن كان شديد الصعوبة، أما امتداد سيطرتهم للجنوب فمن رابع المستحيلات؛ للاختلاف المذهبي، وغياب قاعدة قوة قبلية، وحالة الفوضى التي يوجد فيها الجنوب الآن، سواء لغياب قيادة موحدة للحراك الجنوبي، أو لوجود مؤشرات على إحياء الانتماءات الفرعية التي كانت سائدة قبل الاستقلال (حوالي ٢٠ إمارة وسلطنة ومشيخة).
المشهد الثاني: التسوية السياسية، وهو مشهد محتمل نتيجة توازن القوى القائم وله سوابق في الخبرة اليمنية، حيث تمت التسوية بين معسكر ثورة ٢٦سبتمبر ١٩٦٢ وخصومها بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية بإدخال عناصر من مؤيدي الملكية في بنية الحكم بشرط عدم انتمائهم لآل حميد الدين (آخر أئمة اليمن)، مع العلم بأن تلك التسوية كانت تميل بوضوح لمعسكر الثورة انعكاسًا لميزان القوى بينه وبين أنصار الإمامة، بينما التسوية المنتظرة لا يمكن إلا أن تكون متوازنة؛ نظرًا للوضع القوي للحوثيين حتى الآن في الصراع، بل إن معسكر الشرعية قد يجد صعوبة في فرض مطالبه بالكامل، وسوف يُسَهل من تجسد هذا المشهد على أرض الواقع نجاح جهود التهدئة الحالية (أكتوبر ٢٠٢١) بين السعودية وإيران.
المشهد الثالث: التجزئة، بمعنى رسوخ الوضع الراهن المتمثل في سيطرة الحوثيين على شمال اليمن ككل، أو على الأقل بقاء سيطرتهم على ما هي عليه، أي على معظم الشمال، فيما يبقى الجنوب خارج سيطرتهم، بغض النظر عن القوة التي ستسيطر عليه، وهل تكون الحكومة الشرعية أم الحراك الجنوبي الانفصالي، علمًا بأن هذا المشهد يتضمن التهديد بانفراط عقد الجنوب وارتداده إلى حالة التشظي التي كانت سائدة قبل الاستقلال، كذلك فإنه قد يتلازم مع المشهد الثاني، بمعنى حدوث تسوية ما بين الشرعية والحوثيين تقتصر على شمال اليمن، فيما ينجح الجنوب في الانفصال.
وختامًا، يواجه اليمن دون شك وضعًا بالغ الخطورة، يتطلب جهودًا فائقة من جانب أبنائه المخلصين من أجل توحيد كلمتهم؛ كي يمكن الارتقاء إلى المستوى المطلوب لحماية وطنهم وصون وحدته؛ فقد يستحيل عليهم إعادتها إن فرطوا فيها.