الاقتصاد السلوكي
"الاقتصاد السلوكي" (Behavioral Economics) هو دراسة ارتباط علم النفس بعمليات اتخاذ القرارات الاقتصادية للأفراد والمؤسسات، بالاعتماد على سؤالين رئيسين في هذا المجال، وهما: هل تعكس افتراضات الاقتصاديين بشأن تعظيم المنفعة أو الربح السلوك الحقيقي للأفراد؟، وهل يقوم الأفراد بتعظيم المنفعة الذاتية المتوقعة؟
غالبًا ما يرتبط "الاقتصاد السلوكي" بـ"الاقتصاد المعياري" (Normative Economic)، الذي يهتم بالأحكام القيمية و"ما يجب أن يكون" بدلًا من الحقائق، ويعكس الأحكام المعيارية، أو الأيديولوجية على عمليات التنمية الاقتصادية، والمشروعات الاستثمارية.
ومن بين العلماء البارزين في دراسة "الاقتصاد السلوكي" "جاري بيكر " (Gary Becker)، و"هربرت سيمون" (Herbert Simon)، و"دانيال كانيمان" (Daniel Kahneman)، و"جورج أكيرلوف"(George Akerlof)، و"ريتشارد ثالر" (Richard Thaler).
الاقتصاد السلوكي.. كيف يصنع الأفراد اختياراتهم؟
يوضح علم الاقتصاد أنه في ظل وجود عالم مثالي، سيتخذ الأفراد قرارات مثاليه تحقق لهم أكبر قدرا كافيا من المنفعة والرضا، وفي هذا السياق، تنص "نظرية الاختيار العقلاني"(Rational Choice Theory) على أنه عندما يُتاح للأفراد خيارات متنوعة في ظل ظروف الندرة الاقتصادية، فإنهم سيختارون الخيار الذي يزيد من رضاهم الفردي.
تفترض تلك النظرية أنّ الأفراد قادرون على اتخاذ قرارات عقلانية مبنية على تفضيلاتهم والقيود المفروضة عليهم، وذلك من خلال المفاضلة الفعَّالة بين تكاليف ومزايا كل خيار متاح لهم، وبالتالي، سيكون القرار النهائي الذي يتم اتخاذه هو الخيار الأفضل للفرد، كما تفترض النظرية أن هذا الشخص العقلاني يمتلك قدرًا كافيًا من ضبط النفس، وأنه لا يتأثر بالعواطف والعوامل الخارجية، وبالتالي يعرف مصلحته جيدًا.
على العكس من ذلك يرى الاقتصاد السلوكي أن البشر غير عقلانيين وغير قادرين على اتخاذ قرارات جيدة، ويعتمد في ذلك على علم النفس والاقتصاد معًا لاستكشاف سبب اتخاذ الأفراد أحيانًا لقرارات غير عقلانية، ولماذا وكيف لا يتبع سلوكهم توقعات النماذج الاقتصادية، فمثلًا، بعض القرارات المتعلقة بالمبلغ الذي يجب دفعه مقابل فنجان من القهوة، والتسجيل في الجامعة، واتباع نمط حياة صحي، وما إلى ذلك، كلها قرارات يضطر أغلب الأفراد لاتخاذها في مرحلة ما في حياتهم، وبالتالي، يسعى علم الاقتصاد السلوكي إلى شرح سبب اختيار الأفراد للخيار "أ"، بدلًا من الخيار "ب".
ونظرًا لأن البشر كائنات عاطفية ويسهل تشتيت انتباههم، فإنهم يتخذون قرارات ليست في مصلحتهم الذاتية، على سبيل المثال، وفقًا لـ"نظرية الاختيار العقلاني"، إذا أراد أحد الأفراد إنقاص وزنه، وكان لديه معلومات كافية حول عدد السعرات الموجودة في كل وجبة أو منتج صالح للأكل، فسيختار المنتجات الغذائية ذات أقل عدد من السعرات فقط.
على العكس من ذلك يرى علم الاقتصاد السلوكي أنه حتى لو أراد الفرد نفسه فقدان الوزن، وعزم على تناول طعام صحي، فإن سلوكه النهائي سيتأثر بالانحياز الأخلاقي والعواطف والمؤثرات الاجتماعية، مما يدل على افتقاره إلى ضبط النفس.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الاستدلال هو أحد تطبيقات علم "الاقتصاد السلوكي"، وهو استخدام قواعد الإبهام أو الاختصارات الذهنية لاتخاذ قرارات سريعة، كما يمكن تطبيق الاقتصاد السلوكي في مجال التمويل السلوكي، والذي يسعى إلى تفسير سبب اتخاذ المستثمرين قرارات متهورة عند التداول في أسواق رأس المال.
ختامًا، فقد بدأت الشركات في دمج مبادئ "الاقتصاد السلوكي" في سياسات اتخاذ القرارات الخاصة بها، بعد إدراكها أن المستهلكين غير عقلانيين، وهو ما من شأنه أن يفيد مساهميها الداخليين والخارجيين.