recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

إعلان

إمبراطوريات التواصل الاجتماعي وسباق الهيمنة على الواقع الافتراضي

 


إمبراطوريات التواصل الاجتماعي وسباق الهيمنة على الواقع الافتراضي

جولة جديدة من المواجهات في الولايات المتحدة الأمريكية

 



يتنامى دور وتأثير منصات وسائل التواصل الاجتماعي على مناحي الحياة كافة؛ حيث صارت تشكل واقعًا جديدًا يمتزج فيه الواقع الحقيقي بالافتراضي، وقد تزايدت قوة تأثير ونفوذ تلك المنصات للحد الذي تحولت فيه إلى مصدر تهديد يتحدى سيادة الدول وهيمنتها على شؤونها الداخلية، بل أصبحت هي ذاتها فاعلًا دوليًا لا يُستهان به، وذلك بفضل ما تتمتع به من قدرة على التأثير وتوجيه الرأي العام خاصة مع تزايد أعداد مستخدميها، فضلًا عما قد تتسبب فيه تلك المنصات من تعزيز ممارسات التضليل والتلاعب بالرأي العام عبر الشائعات والمعلومات المغلوطة، بالإضافة إلى إمكانية تأجيج الفتن والانقسامات والاضطرابات عبر نشر خطاب الكراهية والتحريض.  


وقد تجدد الجدل دوليًا بشأن نفوذ وتأثير منصات التواصل الاجتماعي مؤخرًا، وخاصة داخل الولايات المتحدة وذلك بعدما تم تداوله من وثائق وتسريبات تؤكد تلك المزاعم والاتهامات بدرجة أو بأخرى. ومن ثم، نخصص هذا المقال لإلقاء الضوء على أبرز المستجدات والمحطات التي يمر بها السجال بين منصات التواصل الاجتماعي والإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة. 

 

تداعيات تعطل منصات التواصل الاجتماعي: 

 

أسهمت أزمة تعطل منصات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لشركة فيسبوك مطلع الشهر الجاري في تأجيج الجدل بشأن الإشكاليات الناجمة عن دور ونفوذ تلك المنصات، خاصة أن تلك الأزمة قد صاحبها العديد من التطورات من أبرزها: 



تسريبات فرانسيس هوجن: حيث تداولت صحيفة "وول ستريت جورنال" مجموعة من الوثائق المسربة التي تتعلق بالمشكلات الناجمة عن تأثير منصات شركة فيسبوك (التي تضم فيسبوك وواتساب وإنستجرام) من خلال معايشة الخبايا والكواليس، وكُشف لاحقًا عن هوية مسربها وكانت إحدى كبار الموظفات المنشقات عن الشركة، وقد أفادت "هوجن" أن الشركة تملك أدوات وموارد لإصلاح مفاسد تلك التأثيرات عبر تعديل الخوارزميات، إلا أن المنصة تمنح الأولوية لأرباحها على حساب جميع الاعتبارات الأخرى بما في ذلك سلامة المستخدمين وصحتهم النفسية وأمنهم وخصوصيتهم، فضلًا عن التصدي للتسييس وخطاب الكراهية (شأنه شأن شركات التبغ)، بالإضافة إلى الأبحاث والدراسات التي أكدت الأثر السلبي للمحتوى المتداول عبر منصة إنستجرام على الصحة العقلية للمراهقات وتزايد الميول الانتحارية لديهن. وقبل ساعات من تعطل منصات شركة فيسبوك، أجرت "هوجن" مقابلة مع برنامج تلفزيوني (60 دقيقة) لتفصح عن هويتها وعن المزيد من التفاصيل.  

 


تنامي المنصات البديلة: استغلالًا لتضرر سمعة شركة فيسبوك بفعل طول الأمد الزمني للعطل وغياب الشفافية وسيطرة الغموض بشأن أسباب العطل، فقد خرجت المنصات المنافسة منتصرة، إذ ️شهدت منصتا تليجرام وسيجنال تزايدًا في معدلات التنزيل ومعدلات انضمام المستخدمين الجدد، كما تصدرت منصة التليجرام قائمة تنزيل iPhone في الولايات المتحدة خلال يوم تعطل المنصات الأخرى، كما نجحت منصة تويتر في المحافظة على مكانتها وحرصت تلك المنصات على الترويج لمراعاة اعتبارات الخصوصية وسلامة المستخدمين واستدامة الخدمات.  

 

تقويض مكانة فيسبوك: إذ تسببت التسريبات وتداعياتها على سمعة شركة فيسبوك جنبًا إلى جنب مع تعطل منصاتها في التشكيك في مكانة الشركة العملاقة وانخفاض أسهمها بالأسواق المالية، خاصة في ظل ضعف آليات مكافحة خطاب الكراهية وصعوبة الإبلاغ عنه وعن المعلومات المغلوطة والمضللة، فضلًا عن التطلع لتوفير منصة آمنة للأطفال والمراهقين تتجاوز الفجوات الراهنة،   كما يواجه تطبيق فيسبوك مشكلة أخرى تتعلق بتراجع أعداد مستخدميه من فئة الشباب، بما يثير المخاوف بشأن مستقبل الشركة، بالإضافة إلى إشكالية الحسابات المكررة للمستخدم ذاته بما يثير إشكاليات تتعلق بدقة الإحصاءات والبيانات بشأن العدد الفعلي للمستخدمين مع العلم بأن الشركة لا تتجه لحذف تلك التكرارات. 

 



 

خريف الغضب في الإدارة الأمريكية:

 

وبموجب ما تعرضت له منصات التواصل الاجتماعي من هزات في الآونة الأخيرة، فقد تزايدت ردود الأفعال الهجومية ضدها من الإدارة الأمريكية بقيادة "جو بايدن"، والتي كانت تعتزم التصدي لنفوذ وممارسات الشركات التكنولوجية ومنصات التواصل الاجتماعي منذ اللحظة الأولى، وهو التوجه ذاته الذي تبنته الإدارة السابقة بقيادة "دونالد ترامب"، وقد أسهمت أزمة تعطل منصات فيسبوك وتسريب الوثائق من قبل "هوجن" في إعادة تلك القضية للواجهة مرة أخرى. 



 المحاكمات وجلسات الاستماع بالكونجرس: بُعيد الضجيج الإعلامي والسياسي الذي تسببت فيه "هوجن"، فقد خصص الكونجرس جلسة استماع لها عبر اللجنة التجارية في مجلس الشيوخ في اليوم التالي لتعطل منصات فيسبوك، وأكدت "هوجن" الاتهامات التي تلاحق الشركة ومؤسسها، وشددت على ضرورة التصدي لتلك الممارسات التي تُزيد من خطورة التكنولوجيا على البشر، وذلك من خلال تبني أطر فنية وقانونية ملائمة. فقد حان الوقت لإعادة كتابة القواعد الناظمة للإنترنت لضمان حماية الأطفال وحماية الخصوصية وحرية التعبير ومكافحة الاحتكار.  

 

 أحداث اقتحام الكونجرس ومسؤولية فيسبوك: وأشارت التحقيقات التي يجريها الكونجرس إلى ضلوع شركة فيسبوك وتحملها جزءًا من المسؤولية عما آلت إليه أحداث العنف والشغب المصاحبة لاقتحام الكونجرس في 6 يناير الماضي؛ حيث تشير الاتهامات إلى مساهمة فيسبوك في تأجيج الموقف عبر تسهيل تداول الأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة والمضللة عن سرقة الانتخابات، وعدم اتخاذها ما يلزم من تدابير لإيقاف حملة "أوقفوا السرقة"، فيما تلقي الشركة باللوم على "ترامب".

 

 تعقيب البيت الأبيض على أزمة تعطل فيسبوك: دخل البيت الأبيض بدوره في تلك الأزمة، خاصة في أعقاب تعطل منصات فيسبوك، إذ أفادت المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين بساكي" أن الرئيس الأمريكي يعتقد أن التنظيم الذاتي من قبل عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي لا يعمل. وتابعت أن التسريبات تثبت صحة القلق بشأن كيفية عمل عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي والسلطة التي جمعوها، وأكدت أن إدارة "بايدن" تواصل دعم الإصلاحات الأساسية لمعالجة هذه القضايا. 


منصات التواصل ما بين الاتهام بالتسييس وتقويض قيم وأسس الديمقراطية: 

 

بالإضافة إلى الاتهامات التي تلاحق منصات التواصل الاجتماعي بالتسييس وتأجيج الفتن والاضطرابات والتأثير سلبًا على مستخدميها من خلال الترويج للمعلومات المضللة والمغلوطة، فقد واجهت فيسبوك اتهامات بالإضرار بقيم الديمقراطية بفعل سياساتها.  




ومن ناحية أخرى، أقرت منصة تويتر مؤخرًا ما يوجه إليها من اتهامات تتعلق بالخوارزميات التي تعتمد عليها المنصة؛ حيث اتُهمت بتفضيل المحتوى المنحاز لتيار اليمين، حيث تسهم تلك الخوارزميات في الترويج لمحتوى السياسيين المنتمين لتيار اليمين، وتم التحقق من صحة هذا الاتهام في 7 دول غربية، بما تنتفي معه صفة الحياد وبما يؤكد التأثير السياسي لتلك المنصات. 

 

إمبراطوريات التواصل الاجتماعي وسباق الهيمنة على الواقع الافتراضي


 

المحاولات الترامبية لفرض مجال عام موازٍ:

 

وبُعيد الحظر الذي واجهه الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" على منصات التواصل الاجتماعي منذ أحداث 6 يناير، فقد شن "ترامب" هجمات شرسة روج فيها لقيم الشعبوية الرافضة لسيطرة تلك المنصات وتناقضاتها وانحيازها، وهو ما دفعه للإعلان مؤخرًا عن تدشين منصة جديدة للتواصل الاجتماعي تحمل اسم Truth Social، أكد أن المنصة الجديدة ستعمل على مواجهة استبداد المنصات التقليدية التي تُتهم بإسكات المعارضة الأمريكية، مع الترويج للمنصة باعتبارها ملاذًا حرًا غير مسيس أو مؤدلج، ومن المتوقع أن تنطلق المنصة خلال الأشهر الأولى من العام المقبل، كما واصل "ترامب" توجيه الاتهامات للمنصات التقليدية، حيث اتهمها بأنها مسيسة ومزدوجة المعايير، ودلل على ذلك بأن تلك المنصات قد حجبت حساباته، بينما لم تحجب حسابات حركة طالبان. وينظر البعض إلى تلك الخطوة بأنها ستساعد الرئيس الأمريكي السابق لإيجاد منبر إعلامي يُعينه في مخاطبة الرأي العام وأنصاره استعدادًا لخوض السباق الانتخابي المقبل. 

 

الميتافيرس والسعي نحو استعادة وإحكام الهيمنة على المجال العام الافتراضي: 

 

وفي محاولة لإيقاف النزيف الذي تتعرض له الشركة مؤخرًا، اعتزمت فيسبوك تعزيز خدماتها بالاعتماد على تقنيات الواقع الافترضي (الميتافيرس) بما يمثل ثورة في مجال التواصل الاجتماعي والاتصالات وسيغير وجهتها المستقبلية، وقد استثمرت الشركة كثيرًا من أجل تطوير تلك التقنية، وذلك من أجل تعظيم حصصها المستقبلية من تلك السوق الواعدة ومن أجل ضمان إحكام قبضتها الاحتكارية في هذا التنافس المحتدم، كما عززت من وجودها في السوق الأوروبية لتأمين وجودها المستقبلي ولضمان استمرارية هيمنتها على البيانات ضد أية تهديدات قد تنجم عن المناوشات السياسية عبر الأطلسي. وتعول الشركة على تلك الطفرة من أجل تعزيز سبل التواصل البشري، بما يساعدها على تجاوز ما واجهته من اتهامات بشأن الإضرار بأنماط التواصل وأثره على الصحة النفسية للمستخدمين. 

  

 

بالرغم من الانتقادات والهجمات الشرسة التي تتعرض لها منصات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة وما يصاحبها من سجالات سياسية، فإن هيمنة ونفوذ تلك المنصات وتأثيراتها على الرأي العام لا يتوقع انحسارها، خاصة وأن تلك المنصات قد أسهمت في خلق واقع جديد لا يمكن التراجع عنه، وبالتالي، تدور الخلافات والنقاشات بين الحكومات وتلك المنصات حول إقرار قواعد جديدة ناظمة لهذا الواقع الافتراضي- الواقعي من أجل معالجة ما به من إشكاليات لضمان خلق واقع أكثر موثوقية وأمنًا.






google-playkhamsatmostaqltradent