المعادن في بؤرة الاهتمام العالمي
منحت الثورة التكنولوجية والثورة الخضراء أهمية تاريخية للمعادن الأرضية، فرغم اكتشاف عالم الكيمياء السويدي جورج براندت معدن الكوبالت عام 1739، فإن أهميته تزايدت منذ التسعينيات من القرن الماضي مع ظهور بطاريات الليثيوم واستخدامه في البطاريات، ولا سيما في تطبيقات المحمول، ليتضاعف الطلب العالمي على معدن مثل الكوبالت وحده بمقدار خمسة أضعاف مع استخدامه في استخدامات الطاقة النظيفة، وبخاصة صناعة البطاريات القابلة لإعادة الشحن المستخدمة في تصنيع السيارات الكهربائية، والتي يزداد الطلب عليها، ويتوقع أن تصبح أكثر انتشارا.
وأضحت المنتجات التكنولوجية تعتمد اعتمادا أساسيا على المعادن الأرضية النادرة، حيث يتم فصل العناصر الأرضية إلى أكاسيد ومعادن ومغناطيسيات تستخدم في كل السلع التكنولوجية، ولا يخلو منتج تكنولوجي من هذه المعادن، مرورا بتوربينات الرياح، والأجهزة الكهربائية، والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، إلى الصواريخ والأجهزة الطبية، كما تستخدم في المحركات الكهربائية حتى البنزين ووقود الديزل الذي يحتاج للمعادن المختلطة، كما ضُمنت هذه المعادن في تقنيات الدفاع من نظارات الرؤية الليلية والأسلحة الموجهة بدقة ومعدات الاتصالات ومعدات نظام تحديد المواقع العالمية GPS وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الدفاعية، وتستخدم أيضا في صناعة السبائك شديدة الصلابة المستخدمة في المركبات المدرعة.
وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة زيادة الطلب على المعادن التي تستخدم في دعم الطاقة النظيفة، لتحقيق الهدف السابع من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المتمثل في حصول الجميع على طاقة نظيفة وموثوق بها، لذا استهدف بحلول عام 2050 ارتفاع حصة الطاقة المتجددة لتبلغ 60% بعد أن كانت 10%، في مقابل تقلص الوقود الأحفوري من حوالي 80 % إلى حوالي 20 %.
سوق المعادن
تشير التوقعات إلى نمو سوق المعادن الأرضية -وبخاصة النادرة- بنسبة تبلغ 81% ليصل إلى حوالي 9.6 مليارات دولار أمريكي بنهاية عام 2026 مقابل 5.3 مليارات دولار عام 2021.
وتتسم صناعة التعدين -وبخاصة المعادن الأرضية- بانفصال الإنتاج عن الاستهلاك، فالدولة التي لديها احتياطات بتركيزات عالية، تحتاج إلى إمكانات اقتصادية وتكنولوجية كبرى لاستخراج هذه المعادن، ومعالجتها، وتكريرها الذي يتسم بالصعوبة الشديدة.
معدن الكوبالت
سجل الإنتاج العالمي منه نحو 140 ألف طن خلال عام 2019 ، حيث ساهمت جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها بنسبة 70% من المُنتج عالميا، حيث سجلت 100 ألف طن في 2019، ثم جاءت روسيا في المركز الثاني بحجم إنتاج بلغ 6.1 آلاف طن في عام 2019، بما يمثل 4% من النصيب العالمي، وتسعى روسيا إلى تعزيز قدرتها الإنتاجية من الكوبالت في السنوات المقبلة. ثم جاءت أستراليا في المركز الثالث مسجلة قيمة 5.1 آلاف طن في 2019، وتسعى إلى نمو الإنتاج من المعادن من خلال إنشائها مكتبا لدعم صناعة التعدين، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على مشروع خط أنابيب لهذه المعادن. وجاءت الفلبين في المركز الرابع بحجم إنتاج بلغ 4.6 آلاف طن كوبالت في 2019، كما أنها سجلت رابع دولة في أكبر احتياطي من الكوبالت على مستوى العالم، تليها كوبا التي سجلت المستوى الخامس على مستوى العالم، وتمتلك ثالث أكبر احتياطي في العالم بحجم إنتاج بلغ 3.5 آلاف طن، والذي يتواجد معظمه في منطقة موا شرق البلاد، كذلك سجلت مدغشقر المركز السادس عالميا بحجم إنتاج بلغ 3.3 آلاف طن من الكوبالت في 2019، ويتركز تعدين الكوبالت في مشروع إمباتوفي الذي بلغت تكلفته حوالي 8 مليارت دولار، وذلك لتعدين النيكل والكوبالت، والذي يعد من أهم سلع التي تصدرها الدولة.
وفي حين قدر احتياطي الكوبالت في العالم بنحو 7 ملايين طن، تمتلك جمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر من نصف هذه الاحتياطيات، ليبلغ ما يتم استخراجه حاليا بواسطة العديد من الشركات الكبرى نسبة بسيطة تتراوح بين 15% و30% من إجمالي الكوبالت المُتاح. ثم تأتي أستراليا التي تمتلك ثاني أكبر احتياطيات للكوبالت في العالم بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي تبلغ 1.2 مليون طن.
وتعتبر الصين أكبر الدول سيطرة على إمدادات الكوبالت في العالم ، حيث إن 15 منجما من إجمالي 19 منجما في الكونغو تسيطر عليها شركات صينية.
وتعد الصين هي أكبر القوى المهيمنة على سوق المعادن والمتحكمة في سلاسل التوريد، حيث تسيطر على 70% من حقول المعادن الأرضية النادرة منها ومسؤولة عن عمليات تحويل المعدن بنسبة 90 %.
ويثار تساؤل حول قدرة المعروض من المعادن الحالية على تلبية التزايد في الطلب، حيث قدرت بعض الدراسات أن معدلات الإنتاج الحالية من الجرافيت والكوبالت والنيكل تبدو غير كافية.
لذا؛ كان توجه الصين نحو تأمين مصادر الإمداد لهذه المعادن، فكان هناك تقارب بين ميانمار التي لديها نصف الخامات الأرضية النادرة في العالم، وتقوم بتصدير ثروتها المعدنية الثقيلة إلى الصين لاستخراجها ومعالجتها.
وكذلك اهتمام الصين بإفريقيا كأكبر مصدر للمعادن الأرضية المتنوعة، وتمتلك رواسب عالية الجودة بكميات كبيرة، فقد قامت بتوقيع اتفاقيات مع عدد 45 دولة إفريقية، ومن بينها جمهورية الكونغو الديمقراطية لمبادرة الحزام والطريق في 2021، ليبلغ عدد الاتفاقيات التي تمت بين الجانب الصيني والإفريقي ما يزيد عن ألف اتفاق خلال الفترة ما بين 2000 و2021 ، ليسجل المنتدى الوزاري الثامن للتعاون الصيني الإفريقي الذي انعقد في داكار في نوفمبر 2021 عدد 80 مشروعا حُددت في خطة داكار الصين وإفريقيا 2022 – 2024، وضُمنت في رؤية التعاون الصيني الإفريقي 2035، وتم دمجها في أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي، ووافقت الصين فيه على مواءمة مبادرة الحزام والطريق مع برنامج الاتحاد الإفريقي لتطوير البنية التحتية في إفريقيا، وتقديم الصين لتمويل لمشاريع البنية التحتية سنويا بقيمة 11 مليار دولار، ويعزز التقارب الصيني الإفريقي من رصد عدد 82 زيارة قام بها قادة صينيون إلى عدد 40 دولة إفريقية خلال الفترة من 2009 إلى 2018 ، في مقابل عدد 222 زيارة قام بها القادة الأفارقة إلى الصين.
ونلحظ أن العلاقة بين الصين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وطيدة، برزت فيما سمي "خطة مارشال الكونغو" في عام 2006 الذي تمثلت في تشكيل تعاون تجاري ضخم يتضمن تقديم الصين ائتمانا بقيمة 9 مليارات دولار لتحسين البنية التحتية والخدمات الاجتماعية من طرق ومستشفيات ومدارس وسدود كهرومائية، وانضمامها إلى مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون بقيمة 11 مليار دولار، في مقابل إنشاء الجانب الصيني مشروعات التعدين والحصول على حصة استخراجية بقيمة 10.6 ملايين طن من النحاس و627 ألف طن من الكوبالت.
وهو ما دفع الولايات المتحدة لتكثيف جهودها لإنهاء الهيمنة الصينية على سوق هذه المعادن، من خلال اتخاذ خطوات واسعة للنهوض بسلسلة توريد المعادن الأرضية، وتطوير بدائل لتعدين هذه العناصر.
سجلت المغرب الأولى في إنتاج وتصدير الفوسفات، كما أنها ثالث منتج للكوبالت ورابع منتج للفولريت على مستوى الدول العربية، حيث شهد القطاع تحولا هائلا مع قيامها بإجراء تعديلات تشريعية لتتواكب مع المستجدات العالمية، مع إحداث تطوير في البنية التحتية الجيولوجية، وتأهيل العنصر البشري.
المعادن في مصر
وبإلقاء الضوء على المعادن الأرضية في مصر، نجد أن مصر تمتلك وفرة من المعادن، حيث يبلغ إنتاج الحقول ما يقرب من 400 طن بما يمثل 1.6% من الإنتاج العالمي، وبلغ حجم الاحتياطيات المؤكدة مليون طن. إلا أن القيمة المضافة لقطاع التعدين تعد نسبة متدنية بلغت 0.55%، وذلك إذا تمت مقارنتها بتركيا أو المغرب التي بلغت القيمة المضافة بها 7.3% و3.3% على التوالي في عام 2020.
كما نجد أن مساهمة القطاع الاستخراجي في الناتج المحلي الإجمالي في مصر بدون البترول والغاز الطبيعي لا تتعدى 1.3% في عام 2018/ 2019 بقيمة بلغت 48 مليار جنيه، وإذا رصدنا مساهمة القطاع في هيكل الصادرات المصرية نجد أنه يساهم بنسبة 15% من حجم الصادرات المصرية بقيمة بلغت 4.6 ملايين دولار لعام 2019.
ورغم الجهود التي قامت بها الدولة لتطوير قطاع التعدين في مصر من تطوير مؤسسي تمثل في برنامج لتحديث قطاع التعدين، والإعلان عن الخريطة الاستثمارية للتعدين في مصر، وما تضمنته من مشروعات مقترحة للاستغلال بلغت في مجملها 7 مشروعات متركزة بمناطق سيناء والصحراء الشرقية، مع تدريب الكوادر البشرية، والقيام بالتنسيق الدولي من خلال عقد اتفاقيات تعاون مع العديد من البلدان؛ لبحث سبل التعاون في مجال استكشاف المعادن، كما قامت الدولة على الصعيد التشريعي بإصدار قانون الثروة المعدنية رقم 108 لسنة 2020 ولائحته التنفيذية، وما نتج عنه من تطوير النموذج المالي، وزيادة فرص الاستثمار في مجال البحث عن الثروات التعدينية، وتعديل القيمة الإيجارية للمحاجر، وحماية للمنتج المحلي.
هذا فضلًا عن أن الثروة التعدينية في مصر لديها العديد من الفرص متمثلة في وجود احتياطيات مؤكده؛ مما يدعم ثقة المستثمر، كما أنها تتواجد على سطح الأرض، وهو ما يمثل أجود الأوضاع الجيولوجية للثروات، كما أن مصر تستورد ما قيمته 10 ملايين دولار أمريكي من منتجات الثروة المعدنية، بما يمثل 12.6% من إجمالي الواردات المصرية.
إلا أن قطاع التعدين في مصر يواجه العديد من التحديات، أهمها ضعف البنية الأساسية، والتي تتطلب استثمارات ضخمة، وكذلك الحوافز الحكومية، حيث سجلت مصر -وفقا لتقرير فيتش- قيمة مرتفعة من المخاطر الصناعية في قطاع التعدين بلغت 50.7 نقطة، والتي تعد أقل من قيمة متوسط المخاطر في منطقة الشرق الأوسط.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بالطلب على المعادن، لا بد من تزايد الاهتمام بهذا القطاع، ليصبح أهم روافد الدخل القومي، وهو ما يتطلب المسايرة للاتجاه العالمي في التعدين الذكي، والذي يعتمد على تعظيم الاستثمارات الحالية، من خلال الاستفادة من التطبيقات التكنولوجيا الحديثة؛ للوصول إلى تحليلات مستندة إلى بيانات دقيقة، مع تعزيز سبل البحث والتنقيب الجيولوجي والمعدني، والقيام بإصلاح مؤسسي، وتنمية العنصر البشري، وتحفيز القطاع الخاص، وتوجيه جهود البحث نحو المناطق المأمولة التي لا تحتاج إلى اعتمادات مالية كبيرة؛ مما يوفر البيئة المواتية لتشجيع الشركات الكبرى ذات التكنولوجيا العليا والابتكار للاستثمار في عمليات الاستخراج بمصر.