الدكتور عادل عامر يكتب: ما دور المواطن لمحاربة الفساد
من ابرز الجهود لمحاربة الفساد هو ضم المباحث الإدارية إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لإعطائها مزيدا من الصلاحيات للتحقيق وتتبع جرائم الفساد المالي والإداري بشكل أكثر تركيزا من ذي قبل، لتصل القضايا التي باشرتها الهيئة بما يزيد عن ١٥٠ قضية خلال سنة واحدة، واسترداد مبالغ ضخمة تم أخذها بغير حق من خزينة الدولة. وهناك الكثير و الكثير من الجهود التي بذلتها الدولة لمحاربة الفساد بشتى أشكاله.
لكن السؤال الحقيقي الآن هو، ماهو دور المواطن لمحاربة الفساد. الدولة تعمل جاهدة لتساعد المجتمع ومؤسساته على التعافي من الفساد، لكن الطبيب لا يستطيع علاج مرضاه بالشكل المطلوب من دون وجود الرغبة لدى المريض بالعلاج. فالفساد ليست قضية وطن فقط، هي قضية المواطن ايضاً، إذ ان الفساد يُرتكب من قِبل ابناءه بدراية منهم او من دون دراية. فما هي مسؤولية المواطن ليساعد الوطن على التعافي؟
من أهم مسؤوليات المواطن هو مساءلة نفسه عن تصرفاته، هل ما يرتكبه يخالف النظام؟ هل يخالف القيم الأخلاقية؟ هل يؤثر على حقوق ومصالح الآخرين؟ هل يغذي في نفسه و في ابناءه و محيطه على الاتكالية، وتغذية فكرة ان الانسان لايمكن ان ينجح إلا بامتلاك الواسطة، و بتكوين علاقة مع من لديه نفوذ ليكون له عوناً في النجاح والثراء. ربما في يوم ما كان الوعي المجتمعي ليس مرتفع، ولكن الآن، نعلم أن مثل هذه الممارسات تؤثر سلبا على جودة حياتنا وحياة الاجيال المقبلة إذ ان المشكلة هنا ليس فقط باختلاس أموال من خزينة الدولة، فهذه جريمة جنائية لها اركانها القانونية وعقوبتها المقررة في النظام، فالمشكلة اكبر من ذلك.
المشكلة إن إنتشار مثل هذه الأفكار وترويجها تؤثر سلباً على خلق مجتمع جاد وعملي. المواطن عليه مسؤولية عظيمة بجانب الدولة، ألا وهي خلق ثقافة النزاهة والعمل الجاد من خلال الاهتمام بالتعليم و توليد الأفكار العملية والمهنية للنجاح من دون التلاعب بالقانون او خرقه لاختصار الطريق و الوصول الى الثراء السريع او المنصب العالي. بهذه الطريقة، المواطن هنا يكون عونا للقيادة لرفع مستوى المملكة ليس فقط في عملية مكافحة الفساد،
وإنما برفع مستوى أبنائه من خلال الابتكار والاختراع والرغبة في التطوير بشتى أشكاله لهذا الوطن الذي احتضننا منذ نعومة أظفارنا، لأن ابناءه يحتضنون ثقافة العلم و العمل والالتزام بالقانون واحترام المال العام والممتلكات العامة.
فالمجتمع الواعي يعلم جيدا أنه يستحيل للاقتصاد أن يزدهر في الوقت الذي يستغل أبناءه قوانينه و أمواله لتحقيق مصالح شخصية بحتة مادية كانت أو معنوية. كذلك، من مسؤوليات المواطن عدم السماح بانتشار ممارسات الفساد وذلك عن طريق تبلغ هيئة الرقابة ومكافحة الفساد عن أي شبهة فساد. فالهيئة توفر الحماية للمبلغين، كما أنها لا تتسرع بإصدار الاحكام، بل تتلقى البلاغات وتتولى عملية التحقيق فيها والتثبت من صحة البلاغ. اخيرا، يجب ان نكون عونا للوطن لأن ارتفاع معدل النزاهة هي من مصلحة الوطن والمواطن لتحقيق التنمية المستدامة والاقتصاد المزدهر. يواجه المواطن العديد من المشكلات والضغوط في مجتمعه والتي قد تدفع البعض لإتخاذ طرق غير مشروعة في سبيل تلبية رغباته ... وقد تطور الأمر إلى أن أصبح الفساد آفة على المجتمع المعاصر وظاهرة وبائية انتشرت في كثير من المعاملات اليومية وقد يرجع البعض هذا إلى الإبتعاد عن الدين وضعف الوازع الديني.
ما هو الفساد؟ وماهي أسبابه ومظاهره؟
الفساد هو إساءة استخدام السلطة الرسمية الممنوحة للشخص سواء في مجال المال العام أو النفوذ أو التغافل عن تطبيق النظام أو المحاباه وكل ما يضر بالمصلحة العامة وتعظيم المصلحة الشخصية .
أسباب الفساد:
1.اجتماعية : وهي ناتجة عن السلوك والعادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية وكذلك ما يحدث في المجتمع من كوارث وأزمات تخلق آثار مدمرة في المجتمع من فقر وحاجه واحياناً سلوك ينافي مبادئ المجتمع الصالح .
2.اقتصادية : إن الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها المجتمع نتيجة الحروب والصراعات والكساد وارتفاع تكاليف المعيشة جميعها تؤدي إلى ممارسة أنواع من الفساد الإداري والمالي .
3.دينية : ضعف الوازع الديني والانصياع لشهوات النفس حيث إذا ضعف الوازع الديني فإن الانسان يسلك سلوك مفاده أن الغاية تبرر الوسيلة لأن الرادع القوي لأي عمل إنساني هو مخافة الله سبحانه وتعالى .
مظاهر الفساد :
للفساد مظاهر كثيرة ومتباينة ومتعددة على سبيل المثال ما يلي:-
- الرشوة .
- اقصاء الكفاءات المؤهلة .
- المحسوبية.
- التكسب من وراء الوظيفة العامة.
- المحاباه.
- استغلال الممتلكات العامة.
- الواسطة على حساب الغير.
- إساءة استخدام السلطة الرسمية.
- استغلال النفوذ.
- الاستيلاء على المال العام.
- الابتزاز.
- وضع الشخص المناسب في غير المكان المناسب.
- التهاون في تطبيق الأنظمة والتشريعات أو تطبيقها على البعض دون الآخر.
يوم عالمي لمكافحة الفساد :
ولمواجهة الفساد عالمياً قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2003، بإعتماد إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، كما أعتمدت أيضا يوم 9 من ديسمبر بوصفه اليوم الدولي لمكافحة الفساد، من أجل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد وبدور الاتفاقية في مكافحته ومنعه. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في ديسمبر 2005.
طرق القضاء على الفساد :
وللقضاء على الفساد يجب على أفراد المجتمع محاربة الفساد بشتى صوره وأشكاله والتعاون في ذلك وأن نساهم جميعاً في الحد من ظاهرة الفساد التي تهدد المجتمع والتي توسعت بشكل غير مسبوق وأضرت بالمجتمع.
ومن الطرق في معالجته :
1. ملاحقة عمليات الفساد جزائياً :- وهي وسيلة من أهم وسائل مكافحة الفساد التي تساهم مساهمة فاعلة في الحد منه فيما إذا أحسن العمل بها واخذ بالاسباب التي تصلح لتجنب نتائجها السلبية الخطيرة على الوظيفة العامة وحقوق الانسان.
2. تطبيق الاستراتيجيات المضادة للفساد وسن الانظمة والتشريعات والقوانين والشفافيه فيها بما لا يدع مجال للشك والوضوح في تطبيقها والجزاءات الصارمة في حق المخالفين .
3. توعية الموظفين لهذه الظاهرة الخطيرة وتداعياتها وتأثيرها على المجتمع واخلاقياتهم ودورهم في الإخبار عن حالات الفساد في دوائرهم .
4. عقد ندوات دينية في الدوائر الحكومية يحاضر فيها رجال دين حول دور الدين في القضاء على الفساد الإداري وكذلك دور العبادة والجامعات والمدارس والقنوات المسموعة والمرئية والمكتوبة في محاربة هذا الداء وخطورته على المجتمع وايضاح القصص والعبر عبر التاريخ حول الاقوام السابقة وما حدث لهم بسبب الفساد .
5. وضع نظام مكافأة مالية لمن يقوم بالتبليغ عن حالات الفساد بشتى صورة في دوائرهم والدوائر الأخرى والابتعاد عن الشكاوى الكيدية .
6. وضع عقوبات وجزاءات رادعه وواضحة تناسب كل فساد وتحد من ظهوره مره ثانية وتكون معلنه ومتاحه للجميع .
7. تحسين الظروف المعيشية للموظفين من خلال ايجاد كادر وظيفي مناسب لكل فئة تناسب وضعه الاجتماعي والاسري وتتناسب مع الظروف المعيشية للبلد .
8. الإعلان عن حالات الفساد بشتى أنواعه التي تم اكتشافها والاجراءات التي تم اتخاذها حيالها وتعميمها على الدوائر الحكوميه ليكونوا عبرة لغيرهم .
9. إتاحة الفرصة لخلق نوع من الابداع والتطوير لدى الموظفين ومكافأتهم على ذلك وتعليق اسمائهم في لوحة الشرف ليكون حافزاً لغيرهم من الموظفين .
10. إشراك مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد:- من خلال ايجاد سبل للتعاون بين مؤسسات القطاع العام وبين مؤسسات المجتمع المدني لتشجيعها وتفعيل دورها ومساندتها لنشر ثقافة النزاهة والشفافية والخضوع للمساءلة ، ونشر الوعي بمخاطر الفساد لدى الجمهور ، وتقييم عمل المؤسسات وفضح الممارسات غير النظيفة فيها
11. تشكيل لجنة في كل دائرة حكومية للإصلاح الإداري لدراسة الواقع الإداري وتغير سلوك واتجاهات العاملين لمحاربة الفساد وعلاج الإنحراف وقت إكتشافه .
12. توفير القيادات الشابة النشيطة المؤمنة بالتطوير والتغير والتي لديها مؤهلات علمية وخبرات عملية متراكمة ودعمها وتأهيلها لقيادة العمل الوظيفي لضمان نجاحها في قيادة التغير.
13. وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بالاعتماد على الكفاءة والابداع العلمي وعدم الاعتماد على العلاقات الشخصية والمحسوبية والواسطة والعلاقات الاسرية .
14. وضع نظام لتقويم الأداء للموظفين واعتماده كأساس للترقية وتقلد المناصب ويكون واضحاً ومعلناً للجميع .
15. عدم اعتماد سنوات الخدمة فقط في إشغال المناصب الإدارية والمالية والفنية مع أهميتها ولكن يجب يتزامن معها التحصيل العلمي والمعرفي والإيمان بالتطوير والتغيير والنزاهة والسلوك الحسن والاستقامة .
16. وضع أدلة انجاز المعاملات والاشتراطات المطلوبة لها ووضعها في مكان بارز في استعلامات الدوائر الحكومية في مقدمة خدمة المراجعين وعلى حاملات خاصة بذلك ومراجعتها بصفه دورية لتعويض النقص وكذلك إضافة كل جديد لها .
17. ايجاد آليات للاخبار عن جرائم الفساد ، وتشجيعه ومكافئة المخبرين حيث يتوجب ان تكون دوافع الاخبار هي المصلحة العامة ، وذلك يتطلب نشر الوعي وثقافة النزاهة وروح المواطنة بين الموطنين والموظفين.
18. تفعيل برنامج الحكومة الالكترونية ووضعه حيز التنفيذ ليتمكن المواطن من متابعة معاملاته من أي مكان على شبكة المعلومات (الانترنت) وتحديث البوابة الالكترونية للجهه دورياً .
19. تبسيط القوانين والتشريعات والأنظمة وجعلها اكثر شفافية وتوضيح مفرداتها لكي لا تستغل من قبل ضعاف النفوس لتحقيق مآربهم من خلال استخدام الثغرات في القوانين وخاصة القابلة للتفسير بأكثر من رأي.
20. عقد اللقاءات الدورية بين رئيس الجهاز والمرؤوسين لديه للاطلاع على اعمالهم ومناقشتها وحل المشاكل والمعوقات التي تواجههم .
21. أداء قسم الحفاظ على الأمانة للموظفين الذين لديهم ذمة مالية أو الذين يشغلون وظائف قيادية للمحافظة على المال العام وعدم استغلاله لتحقيق مأرب شخصية وكذلك عدم استغلال النفوذ واساءة استخدام السلطة.