recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

تداعيات العقوبات المفروضة على روسيا

 


تداعيات العقوبات المفروضة على روسيا

في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا، وما خلفه من عقوبات غربية واسعة عليها، أصبحت روسيا هي الأكثر ضررًا من تلك العقوبات حول العالم، فقد اتخذت بعض الحكومات في جميع أنحاء العالم إجراءات منسقة، باستخدام العقوبات لاستهداف النظام المصرفي في روسيا والشركات التي تسيطر عليها الدولة، حيث تشهد الأسواق المالية الروسية الآن اضطرابًا بسبب العقوبات المفروضة، ولكن يبدو أن العقوبات الأمريكية والبريطانية والأوروبية؛ التي تشمل قيودًا على المؤسسات المالية الروسية وتعليق خط أنابيب الغاز الطبيعي ستكون من شأنها خلق عواقب اقتصادية وسياسية عالمية، وليست على الاقتصاد الروسي فقط.

 

عقوبات اقتصادية غير مسبوقة ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا


في الواقع ردت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على الغزو الروسي لأوكرانيا ببعض الإجراءات غير المسبوقة من جانبهم، فبدلًا من الانخراط عسكريًا ضدها، ردت بالضرب على الاقتصاد الروسي، وتصاعدت العقوبات في بداية الأزمة الروسية الأوكرانية.


بالطبع، لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية عزل الاقتصاد الروسي بمفردها، ولهذا السبب كانت إدارة "بايدن" حريصة على تطوير سياسات العقوبات الخاصة بها فيما وصفه البيت الأبيض بأنه "تنسيق تاريخي وثيق" مع العديد من الاقتصادات الكبرى الأخرى، وأشار الرئيس "بايدن" إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية نسقت مع (27) عضوًا في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا، فضلًا عن دول مثل، المملكة المتحدة، وكندا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، وسويسرا والعديد من الدول الأخرى.


وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك بعض الدول رفضت المشاركة في هذه العقوبات من بين دول "مجموعة العشرين" التي تمثل أكبر اقتصادات العالم؛ وهي تسع حكومات حتى الآن  (الأرجنتين والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا والمكسيك والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وتركيا )،  بالإضافة لدول عميلة لروسيا ، مثل، كوبا ونيكاراغوا وسوريا وفنزويلا؛ فضلًا عن المنافسين الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، مثل، إيران وكوريا الشمالية؛ أو الدول ذات العلاقات الاقتصادية القوية مع روسيا، بما في ذلك إسرائيل ومعظم دول الاتحاد السوفيتي السابق خارج أوروبا، لذلك لا تزال هناك منافذ قليلة لروسيا لتخفيف ضغط العقوبات.

جاءت الخطوة الأولى في 23 فبراير 2022، بعد اعتراف روسيا  بالانفصاليين "دونيتسك" و"لوهانسك" في شرق أوكرانيا؛ أي قبل يوم واحد من بدء العمل العسكري الروسي في أوكرانيا، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي في ذلك اليوم عن حزمة من "الإجراءات التقييدية المستهدفة" على روسيا؛ وتشمل هذه القيود تجميد الأصول التي يمتلكها الأفراد الروس في الاتحاد الأوروبي وفرض قيود على السفر داخل الاتحاد الأوروبي، كما وضعت الحزمة قيودًا على استخدام روسيا لأسواق رأس المال الأوروبية، حيث تم استهداف ثلاثة بنوك روسية؛ بنك روسيا(Rossiya Bank) ، و(Promsvyaz bank) و(Vnesheconom bank)؛ بسبب علاقاتها المالية مع شبه جزيرة القرم، وبذلك فقدت روسيا إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال في الاتحاد الأوروبي والمعاملات التجارية مع الشركات الأوروبية، كما قيد الاتحاد الأوروبي التجارة مع الجمهوريتين الانفصاليتين في "دونيتسك" و"لوهانسك"، بالإضافة لذلك فرض الاتحاد الأوروبي أيضًا عقوبات مالية على البنوك الروسية؛ لمنع روسيا من استخدام "صندوق الحرب".


كما أعلن الاتحاد الأوروبي في 26 فبراير 2022، أنه سيتم حذف "البنوك الروسية المختارة" من نظام سويفت (SWIFT) "شبكة المدفوعات السريعة" بين البنوك. وفي 28 فبراير، حظر الاتحاد الأوروبي أي معاملة مع البنك المركزي الروسي أو أي ممثل له وجمد احتياطات البنك المركزي الروسي المحتفظ بها داخل الاتحاد الأوروبي.


ثم أعلنت أستراليا أنها ستطبق مجموعة من العقوبات ردًا على الإجراءات الروسية في أوكرانيا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وتضمنت هذه الإجراءات عقوبات مالية موجهة ضد ثمانية أعضاء في مجلس الأمن الروسي، عقوبات مالية على مجموعة من البنوك الروسية، بما في ذلك بنك VEB؛ وتوسيع العقوبات القائمة على جزيرة "القرم" و"سيفاستوبول" إلى منطقتي "دونيتسك" و"لوهانسك"، كما أشارت إلى نيتها للتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الحليفة في إزالة البنوك الروسية من نظام سويفت، وفرض قيود على البنك المركزي الروسي.


أما كندا فقامت بحظر الكنديين من إجراء المعاملات المالية داخل أي من المنطقتين المنفصلتين في أوكرانيا "دونيتسك" و"لوهانسك" كمناطق مستقلة، كما أنها منعت الكنديين أيضًا من الانخراط في مشتريات الديون الخارجية الروسية أو التعاملات المالية مع بنكين روسيين مدعومين من الدولة، فضلا عن إصدارها بيانًا مشتركًا مع الولايات المتحدة الأمريكية وشركاء آخرين أعلنوا عن نيتهم إزالة بنوك روسية مختارة من نظام SWIFT، واتخاذ خطوات لمنع البنك المركزي الروسي من الوصول إلى احتياطاته من العملات الأجنبية.


كما قامت اليابان بحظر العلاقات التجارية مع المنطقتين الانفصاليتين، ووضعت قيودًا على تداول الديون السيادية الروسية في الأسواق المالية، وفرضت بعض القيود الإضافية على البنوك الروسية وهي، عدم بيع الأوراق المالية، وتجميد أصول بعض الأفراد الذين لهم صلة بروسيا، وكذلك أصول ثلاثة بنوك روسية، كما فرضت ضوابط تصدير على أشباه الموصلات وغيرها من التقنيات.


أما كوريا الجنوبية، فصرحت أنها ستشارك في استبعاد البنوك الروسية من نظام SWIFT، وفي 1 مارس2022، أشارت وزارة المالية لكوريا الجنوبية إلى أنها ستحظر المعاملات المالية مع سبعة بنوك روسية كبرى والشركات التابعة لها في إطار زمني يتطابق مع العقوبات الأمريكية، كما أوصت بوقف الاستثمار في السندات الحكومية الروسية.


وفي 3 مارس 2022، أعلن صندوق التقاعد الفيدرالي السويسري PUBLICA أنه لن يشتري الأوراق المالية الروسية بعد الآن، ويعتزم تجريد أي من ممتلكاته الحالية، فضلًا عن حظر المعاملات المالية مع البنك المركزي الروسي والعديد من المؤسسات المالية الروسية الأخرى.


كما أعلنت المملكة المتحدة عن عقوبات اقتصادية مستهدفة على روسيا، وأنها ستستهدف بنك "IS" وبنك "جنرال"، وبنك "برومسفياز" وبنك "البحر الأسود"، كما صرحت المملكة المتحدة أنها ستفرض عقوبات من أجل عرقلة الاقتصاد الروسي، كما أعلنت عن عدة إجراءات أحادية الجانب، وهى تجميد أصول البنوك الروسية الكبرى؛ وإدخال تشريعات تمنع الشركات الروسية من جمع الأموال في الأسواق في المملكة المتحدة ؛ فضلًا عن  الحد من ودائع المواطنين الروس في الحسابات المصرفية في المملكة المتحدة، وتجميد أصول الصندوق الروسي للاستثمار المباشر، إلى جانب إجراءات ضد صندوق الثروة الوطني الروسي والبنك المركزي الروسي، فيبدو أن "غالبية النظام المالي الروسي مشمول الآن بالعقوبات البريطانية".

 

تداعيات العقوبات على الاقتصاد الروسي


في ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية والتي أدت إلى فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا، لم يكن واضحًا بشكل مطلق التأثير الكامل للعقوبات على الاقتصاد الروسي، ووفقًا لتصريحات المسؤولين الروس التي وردت في المدونة الأمريكية (Lawfare) التابعة لمعهد Lawfare، بأن الاقتصاد الروسي يتعرض بالفعل لـ "ضربات خطيرة"، فعلى الرغم من أن العديد من إجراءات العقوبات لا تزال في طور التنفيذ، فقد تراجعت قيمة العملة الروسية "الروبل" مقابل الدولار الأمريكي لتصل إلى أدنى مستوياتها التاريخية، كما أن البنوك الروسية غير قادرة على تلبية طلبات العملاء لعمليات السحب؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة معدلات الفائدة بشكل كبير من 9.5٪ إلى 20٪. وتتوقع فيتش أن يفقد الروبل الروسي أكثر من 40٪ مقابل الدولار الأمريكي خلال هذه الأزمة؛ مما سيؤدي إلى ارتفاع حاد ومستدام في التضخم؛ الأمر الذي يؤدي إلى تآكل دخول الأفراد.


وفي الوقت نفسه، فإن معظم الأدوات التي قد تستخدمها الحكومة الروسية للتخفيف من هذه العواقب الاقتصادية قد أزيلت من خلال العقوبات الواسعة المفروضة على بنكها المركزي والمؤسسات المالية الرئيسة الأخرى؛ مما أجبر المسؤولين على اللجوء إلى فرض ضوابط على العملة على المواطنين الروس وتقييد قدرة المستثمرين الأجانب على الخروج من السوق.

 

كما تشير تقديرات المحلل الاقتصادي للأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس "ليام بيتش" إلى أن ما لا يقل على 50٪ من احتياطات روسيا أصبحت الآن خارج حدود موسكو. وأن السيناريو الأسوأ بالنسبة لروسيا من حيث العقوبات الدولية سيشمل قيودًا على تدفق النفط والغاز، والذي يمثل نحو نصف جميع صادرات السلع وثلث الإيرادات الحكومية، بالإضافة إلى أن تقييد هذه الديون من شأنه أن يخنق أيضًا مصدرًا رئيسًا للدخل بالدولار لشركات الطاقة التي عليها ديون بالعملات الأجنبية وربما يتسبب في أزمة مالية أكبر بكثير في روسيا.


وفى هذا الصدد، قدر الاقتصاديون بأن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 7% بحلول نهاية عام 2022؛ مما يؤدي إلى أكبر ركود في اقتصاد روسيا، وفي الوقت نفسه، تعد ضوابط التصدير وقيود الديون بمثابة إعاقة للقطاعات الاستراتيجية للاقتصاد الروسي بشكل خطير، وقد تؤدي هذه العقوبات إلى إبطاء التنمية في هذه القطاعات بطريقة يمكن أن تستمر بعد انتهاء الأزمة.


كما رفع بنك "جولد مان ساكس" Goldman Sachs توقعاته للتضخم الروسي إلى 17٪ لنهاية العام الحالي على أساس سنوي من توقع سابق عند 5٪، مع انحراف المخاطر إلى الاتجاه الصعودي نظرًا لأن الروبل قد يتعرض لمزيد من البيع ، أو قد يضطر البنك المركزي الروسي إلى رفع أسعار الفائدة أكثر للحفاظ على الاستقرار.


وصرح معهد التمويل الدولي (IIF)، أكبر مجموعة مصرفية دولية، بأن العقوبات الأمريكية على روسيا سيكون لها تأثير كبير على اقتصاد روسيا ومواطنيها، وقد تتسبب في ركود، حيث تستهدف هذه العقوبات النظام المالي لروسيا، ونتيجة لذلك، من المحتمل أن يحدث نمو سلبي في الاقتصاد الروسي وسيعوق قدرتها على القيام بأعمال تجارية بالعملات الرئيسة في العالم.


كما خفضت كل من وكالة "فيتش" و"موديز" التصنيف السيادي لروسيا إلى فئة "غير مرغوب فيه" أي بمعدل قياسي يعادل ست درجات محذرة من أن عقوبات الغرب زادت من مخاطر التخلف عن السداد، إلى جانب قيام وكالة "ستاندرد أند بورز" بخفض تصنيفها الائتماني لروسيا بمقدار تسع درجات غير مسبوقة إلى فئة "غير مرغوب فيه". كما قامت بسحب التصنيفات الخاصة بعدد من البنوك الروسية والبيلاروسية الأكثر تعرضًا للعقوبات، فيبدو أن الوضع محتدم لاقتصاد روسيا.

 

هل تمتلك الصين القدرة على مساعدة روسيا للخروج من تلك الأزمة المصرفية؟



يبدو أن الصين فقط هي التي تمتلك القدرة على مساعدة روسيا في تجنب تداعيات العقوبات المفروضة عليها من خلال زيادة علاقاتها التجارية والسماح للبنوك الروسية بمواصلة استخدام نظام آخر بديل عن نظام "سوفيت" (SWIFT)، وهو نظام "الدفع عبر الحدود بين البنوك" (CIPS)، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الصين مستعدة وقادرة على القيام بذلك أم لا، حيث إن هناك نحو 15٪ من احتياطات روسيا الأجنبية محتفظة بها في الصين، وقد تكون الحكومة الصينية على استعداد للمساعدة، ولكن ما زالت التوقعات غير واضحة، وهل ستكون الصين خائفة بالفعل من حدوث عقوبات ثانوية؟


أشار كبير الاقتصاديين في مجموعة (BMO) المالية، إلى أن عمق الركود الروسي التي تعاني منه الآن يعتمد على صادرات الصين، فيبدو أن دور الصين أصبح أكثر أهمية لموسكو بسبب طلبها على المواد الخام والطاقة، ويبدو أن الصين قد تمتلك المفتاح لقدرة روسيا على الاستمرار في الحرب.


وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد عقوبات على الصادرات الروسية حتى الآن، وتستهدف استثناءات "SWIFT" بنوكًا معينة للسماح بمواصلة معالجة مدفوعات التصدير، ولكن يتمثل العائق الرئيس لروسيا الآن في عدم قدرتها على استخدام احتياطاتها من العملات الأجنبية لضمان الروبل، وللتغلب على هذا العائق، اقترح بعض الخبراء الاقتصاديين الروسيين بقيام روسيا بتغيير العملة المرجعية "للروبل" إلى "اليوان الصيني" بدلًا من "الدولار الأمريكي".


لذا، فإن إنشاء سوق متعددة العملات سيحتاج إلى تعاون كامل من بكين، فعلى الرغم من تصريحات هيئة الرقابة المصرفية في الصين بأن البلاد تعارض ولن تنضم إلى العقوبات المالية ضد روسيا، كما ترفض وزارة الخارجية الصينية حتى الآن وصف الهجوم على أوكرانيا بأنه غزو، وبدلًا من ذلك عززت الدبلوماسية والمفاوضات، فإن بنك "جولدمان ساكس" يرى أنه من غير مرجح أن تقوم الصين بمساعدة روسيا نظرًا لخطر العقوبات الثانوية على الصين لمساعدة روسيا في تجنب العقوبات الغربية.


التأثيرات المحتملة للعقوبات ضد روسيا على الاقتصاد العالمي


وفقًا لتصريحات صندوق النقد الدولي، فإن العقوبات الصارمة ضد روسيا سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية، مع تداعيات كبيرة على دول أخرى،  فالعقوبات المعلنة ضد البنك المركزي الروسي، ستقيد بشدة وصوله إلى الاحتياطات الدولية لدعم عملته ونظامه المالي،  فقد أدت العقوبات الدولية المفروضة على النظام المصرفي لروسيا واستبعاد عدد من البنوك من نظام (SWIFT) إلى تعطيل قدرة روسيا بشكل كبير على القيام بذلك، من حيث  تلقي مدفوعات الصادرات ودفع قيمة الواردات والدخول في معاملات مالية عبر الحدود، كما أنه في كثير من البلدان، سوف تخلق الأزمة صدمة معاكسة لكل من التضخم والنشاط، وسط ضغوط الأسعار المرتفعة بالفعل.


ففي الوقت الذي ستتخذ فيه روسيا خطوات للرد على العقوبات، فقد تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى إتلاف خطوط أنابيب الغاز، فمن المحتمل حدوث نقص حاد في الطاقة؛ مما يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي عالمي، ولكنه أكثر حدة في أوروبا، وسط ارتفاع أسعار النفط والغاز العالمية.


فقد قفزت أسعار النفط الخام حاليًا فوق 100 دولار للبرميل، كما يتوقع "جي بي مورجان" أن أسعار النفط قد ترتفع لتصل إلى 150 دولارًا للبرميل؛ إذا خفضت روسيا شحناتها من الطاقة إلى أوروبا إلى النصف استجابةً للعقوبات.


أما على الجانب الآخر فإن ارتفاع أسعار النفط من شأنه أن يشجع على زيادة الإنتاج، فيمكن للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إنتاج 3.5 ملايين برميل إضافية يوميًا، كما يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أيضًا إنتاج المزيد، بعد أن أصبحت أكبر منتج للنفط والغاز في العالم في عام 2021، حيث تقدر وكالة الطاقة الدولية (IEA) أن إمدادات النفط العالمية سترتفع بمقدار 6.2 ملايين برميل يوميًا في المتوسط ​​في عام 2022، مقارنة بزيادة قدرها 1.5 مليون برميل يوميًا في عام 2021،  لهذا السبب يجب أن تعود سوق النفط العالمية إلى الفائض في وقت لاحق من هذا العام للتخلص من ضغوط الأسعار المتصاعدة.


وإلى جانب التأثير على الطاقة، يمكن أن يؤدي الغزو الروسي أيضًا إلى تعطيل الإمدادات من السلع المهمة الأخرى بما في ذلك التيتانيوم، والبلاديوم، والنيون (من أوكرانيا، المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات)، والقمح؛ مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع وإبقاء معدلات التضخم أعلى لفترة أطول، وسيؤدي ذلك إلى تباطؤ النمو العالمي وسط حالة عدم اليقين المتزايدة، كما سيشكل هذا معضلة للعديد من البنوك المركزية.


لذا، فمن الممكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة بعد الغزو إلى مزيد من المراجعة النزولية لتقديرات النمو العالمية مع زيادة توقعات التضخم، كما أصبحت مهمة البنوك المركزية أكثر تعقيدًا وصعوبة، حيث تراجعت أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم بعد أنباء الغزو الروسي؛ مما أدى إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي.


وختامًا، لا شك أن الحرب الروسية على أوكرانيا سوف تتسبب في إحداث إرباك اقتصادي عالمي، وإعادة تشكيل الاصطفافات العالمية، ورفع أسعار النفط والغاز مؤقتًا، الأمر الذي ستنتفع منه دول الشرق الأوسط، ولكن الأضرار الأخرى الناتجة عنها خطيرة على الأمن العالمي، خصوصا إذا تطورت الحرب ودخلتها أطراف أخرى.


وسوف تلحق العقوبات الغربية واسعة النطاق أضرارًا هائلة وبعيدة المدى بالاقتصاد الروسي، ولكن من غير المرجح وقف روسيا عن تحقيق طموحها بإقامة إمبراطورية عظمى، وقد لا يكون هذا السعي موفقًا، لأن روسيا ستواجه مقاومة من أوكرانيا، ورفضًا واستنكارًا عالميًّا، من شأنه أن تضطر روسيا لتغيير سياساتها، إن عاجلا أو آجلا، خصوصًا مع اشتداد المعارضة الشعبية الروسية لها.

كما يبدو أن الأزمة الروسية الأوكرانية الحالية تخاطر ببلورة الصراع بين الغرب والمحور الروسي - الصيني في حرب باردة جديدة، مع حرب ساخنة في أوكرانيا، يمكن أن تهدد بالانتشار إلى الدول المجاورة، ولكن في نهاية الأمر ما يحدث الآن لحظة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للعالم.


google-playkhamsatmostaqltradent