recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

إعلان

التوترات الروسية الأوكرانية قد تعصف بالأمن الغذائي العالمي

 

التوترات الروسية الأوكرانية قد تعصف بالأمن الغذائي العالمي

لا تُعد الأزمة الروسية الأوكرانية التي يشهدها العالم حاليًّا أزمة سياسية بين دولتين، وإنما قد تتحول إلى أزمة غذاء خانقة قد تعصف بالعالم؛ فقد ظهرت آثار الحرب الروسية الأوكرانية –بالفعل- خارج منطقة الصراع؛ لتنذر باحتمالية التعرض لأزمة غذاء عالمية مدفوعة بعاملين رئيسين، وهما: الارتفاع الملحوظ في أسعار الغذاء العالمي، وارتفاع أسعار الأسمدة. فقد كانت أسعار السلع الغذائية ترتفع بشكل مطرد قبل الحرب الروسية الأوكرانية؛ وذلك نتيجة زيادة الطلب العالمي بعد أزمة كوفيد-19؛ حيث ارتفع الرقم القياسي لأسعار الغذاء الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO إلى 140.7 نقطة في فبراير 2022، وبذلك يكون المؤشر قد ارتفع بنسبة 3.9% مقارنة بيناير 2022 و20.7% في فبراير 2021. ويمثِّل ذلك مستوى عاليًا جديدًا غير مسبوق لارتفاع الأسعار، الأمر الذي يرجع إلى الزيادات الكبيرة التي شهدتها المؤشرات الفرعية لأسعار الزيوت النباتية ومنتجات الألبان، بالإضافة إلى الارتفاع في أسعار الحبوب واللحوم.

كما أن أسعار المدخلات الرئيسة كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل: الوقود والأسمدة ومبيدات الآفات، قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا أيضًا في الفترة الأخيرة، والتي شهدت ارتفاعات متتالية في أعقاب بداية الانتعاش من أزمة كوفيد-19، وما تبعه من زيادة في الطلب العالمي على الطاقة، وهو ما دفع بدوره المدخلات الزراعية كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى الارتفاع، ثم جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتزيد من هذا الارتفاع؛ فعلى سبيل المثال ارتفع الرقم القياسي لأسعار الأسمدة من 891.5 نقطة في 25 فبراير 2022 ليبلغ 1137.56 نقطة في 11 مارس 2022.

هذا وتُعد روسيا من أهم الدول المصدرة للأسمدة على مستوى العالم؛ حيث استحوذت وحدها على 12.6% من إجمالي صادرات العالم من الأسمدة في عام 2020.


التوترات الروسية الأوكرانية قد تعصف بالأمن الغذائي العالمي
التوترات الروسية الأوكرانية قد تعصف بالأمن الغذائي العالمي

وتُعد منغوليا وكازاخستان ودول قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي من الدول المعتمدة على الأسمدة النيتروجينية التي تنتجها كل من روسيا وبيلاروسيا، في حين تُعد دول ساحل غرب إفريقيا والاتحاد الأوروبي أكثر الدول اعتمادية على الأسمدة البوتاسية التي تنتجها كل من روسيا وبلاروسيا، وهذا ما يثير مخاوف حول ضعف الإنتاج العالمي من السلع الغذائية من هذه الدول؛ مما قد يتسبب في انخفاض المخزون العالمي، وحدوث مزيد من الارتفاع في الأسعار العالمية للغذاء. لذلك، من المرجح أن تتسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية في خلق مزيد من الاضطراب وصدمات العرض في الأسواق العالمية، فضلًا عن تأثيرها على إمدادات الحبوب العالمية، وتعطيل أسواق الغاز الطبيعي والأسمدة الأمر الذي سينجم عنه عواقب سلبية وخيمة على المنتجين مع دخولهم موسم زراعة جديد.

وجدير بالذكر أنه على مدار الثلاثين عامًا الماضية، برزت منطقة البحر الأسود كمورد عالمي مهم للحبوب والبذور الزيتية، بما في ذلك الزيوت النباتية. وفي أوائل التسعينيات، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، كانت المنطقة مستورِدًا صافيًا للحبوب. أما اليوم، تمثل صادرات روسيا وأوكرانيا نحو 12٪ من إجمالي السعرات الحرارية المتداولة في العالم، كما يُعد البلدين من بين أكبر خمسة مصدرين عالميين للعديد من الحبوب والبذور الزيتية الأساسية، بما في ذلك القمح والشعير وعباد الشمس والذرة. وتُعد أوكرانيا أيضًا مصدرًا مهمًّا لزيت بذور عباد الشمس؛ حيث توفر ما يقرب من 50٪ من حصة السوق العالمية.

التوترات الروسية الأوكرانية قد تعصف بالأمن الغذائي العالمي

تتطلب هذه الأزمة استجابة عالمية فورية لتوفير الإغاثة على المدى القصير، بالإضافة إلى تغييرات في السياسات لتنويع أسواق الغذاء العالمية على المدى الطويل لبناء المرونة وتجنب الأزمات المستقبلية، الأمر الذي يفرض على الحكومات والمنظمات الدولية اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة وذلك على النحو التالي:

 أولًا: ضمان تيسير التدفقات التجارية العالمية للأغذية والأسمدة؛ حيث يجدر بذل الجهود الممكنة من أجل حماية أنشطة الإنتاج والتسويق الضرورية لتلبية الطلب المحلي والعالمي. هذا بالإضافة إلى ضمان عدم تعطيل سلاسل التوريد، لتمتد هذه الجهود أيضًا إلى حماية البنية التحتية لتجهيز الأغذية، مثل مطاحن الحبوب ومرافق تكسير البذور الزيتية، وكذلك أنظمة التخزين والنقل والتوزيع وسائر النظم اللوجستية.

ثانيًا: تنويع مصادر الإمدادات الغذائية؛ حيث يتعين على البلدان التي تعتمد على واردات الأغذية من روسيا وأوكرانيا البحث عن موردين جدد لاستيعاب الصدمة. كما ينبغي الاعتماد على المخزون الغذائي المتوافر حاليًّا لديها وتنويع إنتاجها المحلي بما يكفل حصول الأشخاص على أنماط غذائية صحية.

ثالثًا: دعم الفئات المهمشة والفئات الأكثر عرضة للفقر: حيث يجب على الحكومات توسيع نطاق شبكات الأمان الاجتماعية؛ للحد من انحدار الفئات الأكثر عرضة إلى طائلة الفقر والجوع بفعل الصراع القائم.

رابعًا: تعزيز الشفافية في الأسواق وتشجيع الحوار من خلال توفير قدر أكبر من الشفافية والمعلومات عن أوضاع الأسواق العالمية التي ستُسهم بمساندة الحكومات والمستثمرين في اتخاذ قرارات مستنيرة في ظلِّ التقلبات التي تشهدها أسواق السلع الأساسية الزراعية. وذلك على غرار نظام المعلومات المتعلقة بالأسواق الزراعية التابع لمجموعة العشرين، ومن ثم تعزيز درجة الشفافية عن طريق إتاحة عمليات تقييم موضوعية وجيدة التوقيت للأسواق.

google-playkhamsatmostaqltradent