مدينة سنبل (أفلاطون المسرح المعاصر)
د. سعدية العادلي
في يوم الجمعة الرابع من مارس سنة 2022
سألني ابني... ماذا أحضر لك (كهدية في عيد الأم).. داعبته قائلة: أنت هديتي لكنه أصر،
وعرض على عرضاً مغرياً، أسعدني، وهو ذهابي لمشاهدة مسرحية (نجوم الظهر)
للفنان محمد صبحي، سألته هل حجزت؟ وجاءني الرد بالنفي، مقترحاً أن نذهب قبل ميعاد
العرض فإذا حصلنا على تذاكر قضي الأمر، وإلا نحجز للجمعة التالية.
اقتربنا من المكان طريق مصر إسكندرية الصحراوي وبالقرب من الكارتة رأينا لافتة
كبيرة معلقة صورة للفنان محمد صبحي مكتوب عليها (مدينة سنبل) ما إن وقع نظري
عليها، رقص قلبي مسارعاً السيارة، مررنا بممر طويل ينتصف المكان الهادئ النظيف،
وفي نهاية الممر وعلى الجانب الأيسر بوابة المسرح بيضاء اللون من الحديد المشغول
بأشكال غاية في الذوق الرفيع.
وقفنا السيارة لم تجد مشاهدين، ولا جمهور المنتظرين، ولا سيارات، جالت بفكري
تساؤلات لم أبدها ولم أفصح عنها، لشعوري بارتياح غريب، ورغبة ملحة أن أبقي في
هذا المكان فصوت الحمائم يدعوني والعصافير تشجيني، عبير الأرض، صفو السماء،
اللون الأبيض، عيون لامعة لجرو صغير ظل ينظر إلينا في صمت لا يتحرك أطلت النظر
إليه ظل رافعا رأسه نحوي أحسست أنه ينتظر عزيزاً، عطوفاً نزلت من السيارة اتجهت
للداخل قليلاً إلى أقصي اليمين خرج ديك كبير الحجم أحمر اللون بديع الهيئة بجواره
وللخلف قليلا فرختان كأنهما خرجتا تستطلعان القادم في صمت حزين، تشممت عبق
الأرض ممتزجاً بنسائم الغروب العذبة، فجأة خرج إلينا رجل طيب تنطق ملامحه الريفية
بملابسه المتواضعة بطيب منبته، وعراقة أصالته. سألناه عن موعد العرض المسرحي،
أجاب في أسي وبصوت خفيض وكأنه يأسف لما يقول: العرض متوقف، الأستاذ تعبان.
سألنا وكيف نطمئن عليه؟ أعطانا رقم الأستاذ جمال صبحي مدير أعمال الأستاذ. عدنا
بسيارتنا تسير ببطئ أثقل أقدامنا خبر مرض الأستاذ أجبناه، سنبل وونيس وأحببنا
المكان، وأثرنا البقاء وأخذنا ندعو له بالشفاء في مكانه، في مدينته الفاضلة، مدينة
سنبل، تخيل أفلاطون المدينة الفاضلة ووضعها في كتاب، أما أنت يا الأستاذ كما يلقبوك
هنا، فقد جعلتها واقعا مجسدا بإنسانية الإنسان، ناشراً ثقافة الوعي، مثمنا حضارتنا
الأصيلة، زارعاً جذورها، تقدمها للواقع وتحفظها للتاريخ، فما من شيء سيطرت عليه
المادية إلا وكانت الخسارة نهايته، وقديماً كان الملوك يرسلون بناتهم إلى الشرق
يتعلمون بعلومنا، ويتأدبون بآدابنا، كي ينشروا حضارتنا ويتحضرون بها، وبما تقدمه
لجمهورك تطرح مشاكله أحببت بلدك فقدمت فناً راقيا، تواصلت مع جمال صبحي،
وعلمت أن الفنان محمد صبحي مريض بالتهاب في العصب الخامس وتلزمه فترة راحة
حتى يتعافي- وسيواصل عرض المسرحية بعد العيد إن شاء الله دعوات صادقة من قلوب
عامرة بالمحبة والإخلاص لهذا الوطن، ترفع الأكف متضرعة إلى الله أن يكتب الشفاء
العاجل لأفلاطون المسرح المعاصر.