توقعات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية على نمو الاقتصاد المصري
بقلم: الدكتور عادل عامر
إن تقرير البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، يعد شهادة قوية على الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تقوم الحكومة بتنفيذها على مدار السنوات الماضية، وتأثيرها الإيجابي على تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، والحفاظ عليه رغم التحديات العالمية التي بدأت بجائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، حيث كانت مصر من الدول القلائل التي استطاعت الحفاظ على نمو إيجابي خلال الجائحة، ثم مواجهة التحديات العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، كما تعكس توقعات البنك الثقة الدولية في الاقتصاد المصري.
إن الإصلاحات الاقتصادية المستمرة التي تنفذها الدولة ستسهم أيضًا في الحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي. وتوقع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، أن تدفع التحديات العالمية الاقتصاد المصري لتحقيق معدلات نمو بنسبة 5% خلال العام المالي المقبل.
وعلى مستوى العام الميلادي أشار التقرير إلى أن نمو الاقتصاد المصري سيتراجع إلى 3.1% خلال عام 2022، قبل أن يرتفع لمستوى 6% في عام 2023. مرحلة صعبة للمنطقة: لقد استُنفدت الموارد المالية لحكومات المنطقة بعد أن ضخت الكثير من السيولة من أجل التعافي من الجائحة وهي تكافح الآن لفعل الشيء نفسه للحد من تضخم أسعار الغذاء، حسبما قالت المديرة التنفيذية لمنطقة جنوب وشرق البحر المتوسط في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية هايك هارمجارت.
ولا يزال البنك الأوروبي يتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 3.1% هذا العام، بعد أن قام في مارس بتخفيض توقعاته للنمو من 5% التي توقعها في نوفمبر الماضي على خلفية ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. ويتوقع البنك أيضا أن يسجل الاقتصاد المحلي نموا بنسبة 6% في عام 2023. كما يتوقع أن يصل النمو في منطقة جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط إلى 2.5% خلال عام 2022.
تزايد المخاوف بشأن النمو العالمي: يأتي التقرير وسط مخاوف متزايدة بشأن اتجاه الاقتصاد العالمي في الوقت الذي تهدد فيه الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة بدفع بعض أكبر الاقتصادات في العالم إلى الركود. ويتوقع صندوق النقد الدولي حدوث "تباطؤ كبير" في النمو العالمي هذا العام بسبب الحرب، كما تتزايد المؤشرات على أن منطقة اليورو والولايات المتحدة والصين قد تصل قريبا إلى حالة الركود. ويأتي ذلك استمرارًا للشهادات الدولية الإيجابية حول الاقتصاد المصري،
التي توقعت استمرار النمو الإيجابي رغم التحديات العالمية، وقيام مؤسسات التصنيف الائتماني فيتش وستاندارد آند بورز بتثبيت تصنيف مصر الائتماني مع نظرة مستقبلية مستقرة. جري البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية محادثات مع مصر والمغرب وتونس للمساعدة في زيادة قدرات تخزين المواد الغذائية والتوسع في شبكة الموردين، وفقا لما قالته هارمجارت لرويترز خلال اجتماعات البنك. وقالت أيضا "نحن في مناقشات مبكرة بشأن ما هو مطلوب بشأن الاستثمار الرأسمالي لتعزيز منشآت التخزين".خطط لتحسين الأمن الغذائي الإقليمي: قالت هارمجارت إن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في شراكة مع البنك الدولي لمساعدة مصر ولبنان والأردن على تحسين الأمن الغذائي الإقليمي، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل. وأضافت أن البنك يجري مناقشات مع مؤسسات مالية في مصر والمغرب لتسهيل تمويل التجارة وسط زيادة الطلب على الغذاء.
"الأوروبي لإعادة الإعمار" يتوقع المزيد من إمكانات الهيدروجين الخضراء في مصر: قالت هارمجارت، في حلقة نقاش حول مصر في مراكش أمس، إن مصر والمغرب من بين دول جنوب وشرق المتوسط اللتان تتمتعان بأفضل الإمكانيات لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مضيفة أن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار حريص على مواصلة تمويل مشروعات الهيدروجين المحلية (شاهد 1:04:36 دقيقة). واستثمر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية منذ بدء عمله في مصر خلال 2012، أكثر من 8.7 مليار يورو دعمت تنفيذ 145 مشروعًا، أكثر من 76% منها للقطاع الخاص، وجاءت مصر على رأس قائمة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية كأكبر دولة عمليات على مستوى منطقة جنوب وشرق البحر المتوسط خلال عامي 2020 و2021، كما كانت مصر أكبر دولة عمليات في عامي 2018 و2019.
في الوقت نفسه، لا تبدو الأمور جيدة بالنسبة للسياحة وسلاسل التوريد أيضاً، إذ إن "انخفاض السياحة الوافدة وكذلك الاختناقات العامة في سلاسل التوريد والتقلبات قد تؤثر أيضاً في محركات النمو المهمة". وأوضح البنك الأوروبي أن السياح الأوكرانيين والروس شكلوا نحو 20 في المئة من إجمالي السياح الوافدين إلى مصر في السنوات الأخيرة
أن تراجع عائدات السياحة قد يضع المزيد من الضغط على سعر الصرف إذا طال أمد الأزمة. وقد سمح البنك المركزي المصري بالفعل بانخفاض الجنيه أمام الدولار لامتصاص جزء من التأثير، لتتراجع قيمته بنحو 15 في المئة خلال الأسابيع الأخيرة.
لكن الاضطرابات في أسواق الغاز العالمية قد تساعد مصر على تحقيق طموحاتها في ما يتعلق بتصدير الغاز، في الوقت الذي تبحث فيه أوروبا عن مصادر بديلة للطاقة. ورهن البنك الأوروبي هذا التحول "بمشاركة أوروبا بنشاط أكبر في حل التوترات الحالية، وتسهيل الوصول إلى خطوط الأنابيب".
أن يستفيد النمو من إصلاحات يدعمها صندوق النقد الدولي على المديين المتوسط والطويل، ولكن من المرجح أن يظل معتدلاً لأن العائد الضروري للانضباط المالي يحد من الإنفاق الحكومي، خاصة وأن الحكومة تزيد الإنفاق الاجتماعي في عام 2022 للتخفيف من تأثير الحرب في أوكرانيا.
وتشمل المخاطر الرئيسية التي تهدد التوقعات؛ تآكل القدرة التنافسية الحقيقية الناجم عن سعر الصرف المبالغ فيه، وعدم الاستقرار الإقليمي، واحتمال حدوث تعافً أبطأ في الاقتصادات الشريكة. وأظهرت بيانات الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء أمس أن تضخم أسعار المستهلكين بالمدن المصرية قفز إلى 13.1% على أساس سنوي في أبريل. كانت قيمة الجنيه المصري قد نزلت 14% في 21 مارس آذار بعد نحو عام ونصف العام دون تغير يذكر. ومع التأثيرات السلبيّة للأزمة الروسيّة الأوكرانيّة التي أثرت على توقّعات النمو القطاعيّة وتدفّقات الاستثمار، تمت مُراجعة مُعدّل النمو الـمُستهدف وخَفضِه إلى 6%، مع توقّع قدر من التراجُع في العام المالي المقبل إلى 5.7% في ظل الأحداث الدوليّة الراهنة. سيعاود معدل النمو منحناه التصاعُدي لِيُسجّل 6.2% و6.5% في العاميين التاليين بحسب ما قالته وزيرة التخطيط أمام مجلس النواب مطلع الأسبوع الحالي حول خطة الحكومة للعام المالي 2022 / 2023.
من الـمُقدّر أن يَصِلَ الناتج الـمحلي الإجمالي في عام الخطة إلى نحو 9.26 تريليون جنيه بالأسعار الجاريةِ، بنسبة نمو 16.3% عن ناتِج العام السابق والبالغ نحو 7.96 تريليون جنيه. وكان تقرير البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الصادر في نوفمبر الماضي، توقع أن يقود الاقتصاد المصري التعافي في منطقة جنوب وشرق المتوسط، مدفوعًا بالنشاط الاقتصادي القوي في مصر.
توقع البنك تعافي نمو الاقتصاد المصري في العام المالي المقرر انتهائه في يونيو المقبل، رغم التداعيات العالمية على أسعار القمح والمنتجات الغذائية والنفط بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث ستحافظ صادرات مصر من الغاز على معدلات نمو جيدة.
كما استخدم البنك جزءًا من احتياطي النقد الأجنبي أيضًا لتغطية خروج استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية، وكذلك لضمان استيراد سلع استراتيجية، إضافة إلى سداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة. ولا يزال الاحتياطي قادرًا على تغطية أكثر من 5 أشهر من الواردات السلعية متخطيًا المؤشرات الدولية لكفاية الاحتياطيات.