ارتفاع غير مسبوق لأسعار الوقود في الولايات المتحدة.. فما هي استجابة الإدارة الأمريكية للأزمة؟
"لم ينته العصر الحجري بسبب نقص الأحجار، لكن سينتهي عصر النفط قبل وقت طويل من نفاد النفط في العالم"
أحمد اليماني
في ظل الموجة التضخمية التي تشهدها الولايات المتحدة، والأزمة الأوكرانية الروسية أضحت أزمة ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة تؤرق الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن؛ فقد وصلت أسعار البنزين والغاز الطبيعي إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام2014؛ حيث تجاوز السعر 4 دولارات أمريكية لكل جالون منذ مطلع شهر مارس من العام الجاري، مقارنة ببداية العام الذي بلغ نحو 3.20 دولارات أمريكية للجالون، لذا، لا تدخر الإدارة الأمريكية جهدًا لمواجهة الأزمة فقد وضعت خطة للحل وزيادة عرض الوقود.
كيف تغيرت أسعار الوقود بداية من مطلع العام الجاري؟
هناك أسباب عديدة لزيادة أسعار الوقود في الولايات المتحدة، أبرزها، أن الاقتصاد الأمريكي يعاني من مستوى تضخم غير مسبوق منذ أربعين عامًا، حيث بلغ معدل التضخم في شهر مارس الماضي نحو 8.5%، مما أثر على زيادة أسعار الوقود والغذاء والإسكان في الولايات المتحدة، إلى جانب ذلك فقد تسببت الأزمة الأوكرانية الروسية في التحدي الذي واجهته معظم دول العالم والمتمثل في نقص المعروض من الوقود من النفط والغاز الطبيعي وارتفاع أسعارهما بشكل غير مسبوق.
وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن عن حظر واردات النفط ومشتقاته من روسيا الاتحادية في ظل العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها على روسيا عقب عدوانها على جارتها أوكرانيا، تلك الأزمة التي أعادت تشكيل أسعار النفط حول العالم، وليس في الولايات المتحدة فحسب؛ لما أحدثته من اختلالات في العرض والطلب العالمي على الوقود، في حين تقوم الولايات المتحدة باستبدال الغاز الطبيعي والمنتجات النفطية الروسية، وفقا للعقوبات المفروضة على روسيا، كالتزام عليها بتعويض الدول المتضررة جراء العدوان. فقد بلغت صادرات الشركات الأمريكية من النفط مستويات قياسية حتى النصف الأول من شهر أبريل؛ فنحو 10.6ملايين برميل يتم تصديرها يوميًا، تلك الصادرات التي إذا ما تم ضخها في السوق المحلية لزاد المعروض من النفط بما يكفي لتحجيم أسعار النفط المتزايدة.
ونلاحظ من الشكل التالي زيادة الصادرات البترولية للولايات المتحدة؛ فقد بلغت نحو 9.2 ملايين برميل يوميًا خلال شهر مارس، وهي أعلى كمية يتم تصديرها في عام 2022، وذلك بنسبة زيادة بلغت نحو 18.7% عن شهر فبراير من العام نفسه، مستفيدة من زيادة الأسعار، ولتعويض الفجوات في الطلب العالمي عقب العقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا الاتحادية.
شكل رقم (1): إجمالي الصادرات الأمريكية من البترول خلال الربع الأول من عام 2020
وكانت الولايات المتحدة قد شهدت ركودًا خلال عامي 2020 و 2021؛ بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا من الإغلاق، مما أدى إلى انخفاض الطلب على الوقود مما نتج عنه انخفاض أسعار الوقود؛ حيث تعتبر جائحة كورونا أحد مسببات الاختلالات السعرية الحادثة في سوق النفط حتي 2021، غير أن مطلع العام الجاري قد شهد عودة الطلب العالمي على الوقود للارتفاع كما كان قبل جائحة كورونا، الأمر الذي أدى إلى زيادة الأسعار ما جعلها فرصة مواتية للشركات النفطية لتعظيم أرباحها جراء تلك الزيادة وتعويض الخسائر التي تكبدتها نتيجة الجائحة.
شكل رقم (2): متوسط أسعار البنزين في الولايات المتحدة أسبوعيًا خلال شهري مارس وأبريل
المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية
ويلاحظ من الشكل السابق ارتفاع متوسط أسعار البنزين في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل قياسي في الأسبوع الأول من مارس؛ حيث بلغ 4.196 دولارات أمريكية للجالون بعد مرور 10 أيام من اندلاع الأزمة الأوكرانية الروسية؛ وذلك مقارنة بسعر البنزين في الأسبوع الرابع من فبراير 3.701 دولارات أمريكية للجالون وذلك بزيادة بلغت نسبتها نحو 13.37% ، في حين بلغ أعلى مستوى له في الأسبوع الثاني من مارس بقيمة 4.414 دولارات أمريكية للجالون، ثم انخفض تدريجيًا في غضون الأسابيع التالية بشكل طفيف ليعاود متوسط سعر الجالون الارتفاع في الأسبوع الرابع من أبريل، وهو السعر الذي مازال يفوق سعر بداية العام البالغ 3.20 دولارات أمريكية للجالون.
فما هي استراتيجية الإدارة الأمريكية للتغلب على الأزمة وزيادة عرض الوقود؟
تتبنى الإدارة الأمريكية خطة للتغلب على الأزمة قائمة على زيادة المعروض من الوقود بكافة الطرق الممكنة، وتوفير الوقود للأمريكيين بأقل تكلفة ممكنة، وذلك من خلال زيادة الإنتاج المحلى من البترول والغاز الطبيعي. حيث تستهدف إدارة بايدن زيادة الإنتاج المحلي من النفط من خلال التنسيق مع شركات البترول. ومن المتوقع أن يتم إنتاج نحو مليون برميل يوميًا، وذلك على الرغم من تعارض زيادة الإنتاج مع مصالح شركات البترول في الولايات المتحدة، حيث سيؤدي إلى تقليل أرباح تلك الشركات. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يصل الإنتاج اليومي للوقود نحو 12مليون برميل خلال العام الجاري، كما تتوقع أن يصل متوسط سعر جالون البنزين إلى 3.84 دولارات أمريكية خلال صيف العام الجاري، إلى جانب ضخ جزء من المخزون الاستراتيجي للنفط الذي تملكه الولايات المتحدة إلى السوق المحلية، وتجدر الإشارة إلى أن المخزون الاستراتيجي الأمريكي بلغ 588.317 مليون برميل حتى يناير من عام 2022 وبطاقة استيعابية إجمالية 714
مليون برميل؛ حيث تسعى الإدارة الأمريكية إلى ضخ كمية هي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة مقدرة بنحو مليون برميل يوميًا من مخزونها الاستراتيجي خلال الأشهر الستة القادمة بإجمالي 180 مليون برميل خلال تلك الفترة. وقد كان لتلك الخطة أثر إيجابي على أسعار البنزين، حيث انخفضت أسعاره بنسب طفيفة، بينما تكمن الأزمة في الارتفاع المضطرد لأسعار الغاز الطبيعي خلال شهري مارس وأبريل، فقد بلغ أعلى مستوياته منتصف أبريل بقيمة 6.64 دولارات أمريكية لكل مليون وحدة حرارية ، بالإضافة إلى ذلك تسعى إدارة بايدن للتواصل مع دول أوبك+ لزيادة إنتاج النفط، والجدير بالذكر أن دول الأوبك+ تشهد خلافًا على زيادة الحدود القصوى لإنتاج النفط، خاصة بين الإمارات والسعودية مما يشكل تحديًا أمام الإدارة الأمريكية الراغبة في تخفيض أسعار النفط وزيادة معروضه.
شكل رقم (3): أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة أسبوعيًا خلال شهر مارس وحتى منتصف أبريل
المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
ونلاحظ من الشكل السابق النمو المتسارع لأسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة؛ خاصة بعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية وازدياد الطلب العالمي على الغاز الطبيعي.
التوسع في استخدام بدائل النفط والغاز الطبيعي:
على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد من بين أكبر منتجي النفط في العالم، فإن الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن تخطط للتوجه أكثر نحو استخدام بدائل النفط لتخفيف الطلب عليه، وزيادة المعروض من الطاقة النظيفة والمتجددة، في محاولة من الإدارة الأمريكية لتحجيم أسعار الوقود الآخذة في الازدياد مؤخرًا، وأيضًا للحد من التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض في السنوات الأخيرة مع تزايد الانبعاثات بشكل مضطرد، فوفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بلغ حجم الانبعاثات الكربونية الناتجة عن البترول ومشتقاته والغاز الطبيعي والفحم نحو 4870 مليون طن متري عام 2021،مقارنة بنحو 4576 مليون طن متري عام 2020 ، وتشمل البدائل المطروحة على سبيل المثال: استخدام أنواع الوقود المستخلصة من النبات، وأبرزها استخدام الإيثانول المستخلص من الذرة، فزيادة المعروض من الإيثانول قد يقلص أسعار التكلفة على المستهلكين بنحو 10 سنتات لكل جالون، وتشير التوقعات إلى أن مبيعات الإيثانول قد تصل إلى 250 مليون جالون في صيف العام الجاري، بيد أن تزايد مبيعات الإيثانول ما زال يثير مخاوف الأمريكيين لما يتسبب فيه من أضرار بيئية، كذلك فإن الرئيس الأمريكي لديه خطة استراتيجية متوسطة الأجل للتحول إلى الطاقة المتجددة النظيفة قائمة على زيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية، والتي من المتوقع أن توفر للمواطن الأمريكي أكثر من 950 دولارًا أمريكيًا كل عام ينفقها على المواد البترولية، إلى جانب التوسع في استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء النظيفة.
وختامًا على الرغم من الإجراءات المنفذة من قبل الإدارة الأمريكية لحل الأزمة، فإن أسعار البنزين ما زالت أكثر من 4 دولارات أمريكية لكل جالون، وما زالت أسعار الغاز الطبيعي في ارتفاع متواصل حتى الآن، فهل ستتخذ الإدارة الأمريكية إجراءات إضافية لوضع حل جذري للأزمة؟
ارتفاع غير مسبوق لأسعار الوقود في الولايات المتحدة.. فما هي استجابة الإدارة الأمريكية للأزمة؟