كيف أصبح "الدروبشيبينج" "Dropshipping" جزءًا من التجارة الإلكترونية؟
خلال العقود القليلة الماضية، حظي التسوق الإلكتروني باهتمام شديد وأصبح جزءًا من حياتنا اليومية؛ لتوفيره الوقت والجهد كليهما على المستهلكين، فيمكن إحضار كل شيء عبر الإنترنت هذه الأيام بدءًا من الملابس والبقالة وحتى الأثاث، كما أدت جائحة "كورونا" إلى تسريع الطلب على التسوق الإلكتروني خلال فترات الإغلاق. ويمكن لمواقع التجارة الإلكترونية توصيل المنتجات إلى عملائها من خلال عدة طرق أبرزها "الدروبشيبينج".
"الدروبشيبينج" هو طريقة لشحن الطلبات مباشرة من الشركة المصنِّعة إلى منزل العميل، دون احتفاظ بائع التجزئة بأي مخزون، حيث يقوم تجار التجزئة بشراء المنتجات من طرف ثالث (المورِّدين)، عندما يصدر العملاء طلبات الشراء عبر الهاتف أو عبر الإنترنت أو في متجر مادي، ثم بعد ذلك يتم شحن المنتج مباشرة إلى المستهلك.
بتلك الطريقة لا يضطر بائع التجزئة إلى التعامل بشكل مباشر مع المنتجات؛ مما يجنِّبه عملية تخزين المنتجات أو طلبها بكميات كبيرة. وعلى الرغم من ظهور "الدروبشيبينج" بمفهومه الحالي بعد الإنترنت بعدة عقود، فإنه أصبح جزءًا من عمل التجارة الإلكترونية، ويتم ذلك بمساعدة منصات التجارة الإلكترونية مثل "أمازون" و "شوبيفاي” وغيرهما.
وجدير بالذكر أن فكرة عمل" الدروبشيبينج" تعود إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وقبل ظهور الإنترنت، حيث تم اعتماده من قِبل شركات الطلبات عبر البريد، فكان يتم تسليم كُتيِّبات وكتالوجات صغيرة مع البريد، وبعد ذلك يقوم العميل بطلب المنتج الموجود في الكتالوج عبر الهاتف ويتم تسليمه حتى المنزل، كما يتم اعتماده من قِبل متاجر الأثاث والأجهزة التي يصعب الاحتفاظ بالمخزون بها.
ولكن مع ظهور الإنترنت والمنصات الرقمية مثل أمازون، وإيباي، وشوبيفاي، تم السماح للأشخاص والشركات الذين يرغبون في بيع منتجاتهم بوضعها على الإنترنت، والسماح لشركات التجارة الإلكترونية بتوجيه وتنظيم شراء العملاء للمنتج؛ مما أسهم في انتشار "الدروبشيبينج" على مستوى العالم.
وللاستفادة من هذا النظام في حالات معينة من البيع، توجد استراتيجيات محدَّدة ينبغي أخذها في الحسبان عند اختيار نظام "الدروبشيبينج"، وذلك لتحقيق الاستفادة منه، يتمثل أبرزها في:
أبحاث السوق، حيث يمكن استغلال "الدروبشيبينج" بفاعلية عند القيام بأبحاث السوق؛ وذلك للتخفيف من مخاطر تجربة منتجات جديدة لا يمكن التنبؤ بها. فبدلًا من ملء المستودع وزيادة تكاليف المخزون من منتج لا يمكن التنبؤ بمعدلات بيعه، فإن "الدروبشيبينج" يستخدم كفترة تجريبية أولًا لمعرفة النتائج ومعرفة الكمية التي يجب شراؤها بدقة.
الحماية من الإفراط في البيع، فيمكن استخدام "الدروبشيبينج" للتحوط من حالات عدم اليقين، والطلب الموسمي، وتقلبات السوق التي لا يمكن التنبؤ بها، وذلك بدلًا من زيادة المخزون لتلبية الحد الأقصى غير المحتمل؛ مما يوفر في تكلفة المخزون، كما يمكن استخدامه للتحوط ضد الخسائر التي يمكن أن تنجم عن تلف مساحات المستودعات والمخازن إذا حدثت كارثة طبيعة أو حريق أو ما شابه ذلك، فمن الممكن في تلك الحالة استخدام "الدروبشيبينج" لتلبية طلبات المنتجات المعدة مسبقًا من مكان آخر، وينطبق الشيء نفسه على التأخيرات المفاجئة في الشحن.
أنظمة الشحن الاستراتيجية، حيث تعد تعقيدات الشحن واحدة من أبرز التحديات التي تتعلق بتوسيع نطاق العمل، فكلما تم الابتعاد عن المستودعات أو مراكز الشحن، زادت تكاليف ورسوم الشحن، وعليه، فإن استخدام "الدروبشيبينج" يساعد في تلافي تلك التعقيدات. كما يساعد في الوصول إلى بعض الأماكن التي تقع خارج نطاق المناطق المربحة بالنسبة لمشروع معين؛ لارتفاع أسعار التخزين، أو ارتفاع تكلفة إنشاء مخزن جديد، أو ارتفاع قيمة الضرائب المفروضة على الشحن لأماكن تقع خارج الولاية أو البلد على سبيل المثال.
المنتجات التي تحتاج إلى صيانة دورية أو صيانة مكثفة، وبالتالي ترتفع تكلفتها أكثر من غيرها عند التخزين والشحن، وتتطلب رسومًا إضافية. ومن ثمَّ، يعد استخدام نظام "الدروبشيبينج" أكثر الوسائل ملاءمةً للتعامل معها، وذلك مثل:
المنتجات التي تشغل مساحة كبيرة، ولا تغطِّي مبيعاتها تكاليف مساحة التخزين الزائدة.
المنتجات الثقيلة التي يجعل وزنها الزائد تكاليف شحنها مرتفعة مقارنة بغيرها.
المنتجات الهشة التي تتطلب عناية خاصة عند الشحن.
المنتجات الثمينة مثل المجوهرات الفاخرة والتحف وغيرها من المنتجات التي تتطلب توفير تأمينات إضافية لا يمكن أن تقدمه جميع المستودعات.
بعد الانتشار الواسع لـ"الدروبشيبينج"، فلابد من التوقف عند أبرز المزايا التي جعلت منه عملًا جذابًا لمستخدميه، وأيضًا التعرف على أبرز التحديات التي تواجه مستخدمي هذا النظام في تجارتهم الإلكترونية.
مزايا "الدروبشيبينج"
سهولة الإنشاء: يتميز إنشاء شركة "دروبشيبينج" بعدم الحاجة إلى وجود خبرة عمل سابقة لبدء عملية الـ"دروبشيبينج"، كما تتميز تكاليف البدء بالانخفاض خاصة عند مقارنتها بأنواع أخرى من نماذج أعمال البيع بالتجزئة، فعلى سبيل المثال، لا تحتاج إلى مستودع لتخزين المنتجات أو فريق عمل لإدارته.
عدم الحاجة إلى مكان عمل: لا يحتاج "الدروبشيبينج" إلى مكان عمل، فيمكن إدارة النشاط بالكامل عن طريق الحاسب الآلي، كما يتميز بعدم الحاجة إلى القيام بأي استثمارات عالية المستوى، وتتمثل أبرز النفقات في الإعلانات.
المرونة: يعد "الدروبشيبينج" من أكثر المهن المرنة التي يمكن لأي شخص متابعتها؛ حيث يمكن العمل بها من المنزل وفي الوقت الأكثر ملاءمة، فضلًا عن أنه يمنح صاحبه المساحة الكافية لاتخاذ القرارات المناسبة.
سهولة الإدارة: يمكن إدارة عملية البيع بأقل قدر من المتاعب، فبمجرد العثور على المورِّدين وتنفيذ جميع الأنشطة، ستكون مسؤولًا فقط عن إدارة واجهة متجرك عبر الإنترنت.
تحديات "الدروبشيبينج"
على الرغم من المزايا العديدة التي يتمتع بها "الدروبشيبينج"، فإنه لا يخلو من التحديات، وتتمثل أبرزها في الآتي:
1.الاعتماد على مورِّدي الطرف الثالث
يعتمد "الدروبشيبينج" بشكل رئيس على المورِّدين؛ مما يجعل العمل متوقفًا على طرف ثالث، وفي حالة فشل المورِّدين في تنفيذ أمر ما، فان بائع التجزئة هو من يتحمل تكلفة الأضرار عند شكوى العملاء، كما سيواجه اضطرابًا هائلًا في عملياته التجارية إذا توقف أحد المورِّدين فجأة عن العمل. كما أن السيطرة على مجالات حيوية مثل توافر المنتج ومراقبة الجودة تكون في أيدي أطراف أخرى.
وقد تكون هذه الأنواع من المشكلات أقل خطورة إذا كان لدى بائع التجزئة مخزون مادي في متناول اليد؛ مما يسمح لعمليات البيع بالاستمرار أثناء البحث عن مورِّد جديد.
2.وجود مستوى عالٍ من المنافسة
يتصف نظام "الدروبشيبينج" بمستوى عالٍ من المنافسة، وذلك نتيجة للسهولة التي يتمتع بها؛ مما يعني أنه ما لم توجد اتفاقية حصرية مع أحد المورِّدين لشحن بعض المنتجات، فستكون هناك صعوبة في التميز عن الآخرين، ولا يوجد ما يمنع أن يقدِّم المنافسون الخدمات نفسها.
3.هوامش ربح قليلة
نظرًا لأن "الدروبشيبينج" يتضمن الاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ الطلب للعميل، فإنه يقلل من الإيرادات؛ مما يستلزم معه زيادة حجم المبيعات من أجل تحقيق نفس الربح الذي يحققه بائع التجزئة التقليدي.
4. صعوبة توفير دعم للعملاء
عندما يحدث خطأ ما في أحد الطلبات، فإن توفير دعم العملاء لحل المشكلة يكون أكثر صعوبة بالنسبة لتجار التجزئة الذين لا يتحكمون في مخزونهم. وإذا كان لدى العميل سؤال حول المنتج، أو ادَّعى أنه معيب، أو لم يتسلمه مطلقًا، فقد يحتاج بائع التجزئة إلى العمل مع طرف آخر لحل المشكلة؛ مما يجعل من الصعوبة ترتيب الطلبات والتعامل مع دعم العملاء.
آفاق نمو سوق ""الدروبشيبينج":
من المتوقع أن تنمو سوق "الدروبشيبينج" خلال الفترة (2020-2027) بمعدل مركب يبلغ نحو (28.80%)، ويأتي ذلك مدفوعًا بزيادة انتشار الهواتف الذكية، فضلًا عن زيادة دخل المستهلكين، والذي يعد أمرًا حاسمًا في تسريع نمو السوق. كما يأتي النمو مدفوعًا بنمو صناعة التجارة الإلكترونية، وتوسيع قاعدة المستهلكين من المتسوقين عبر الإنترنت، وزيادة تفضيل التسوق عبر الإنترنت.
وجدير بالذكر أن التطورات والتحديثات التكنولوجية المتزايدة ستخلق المزيد من الفرص الجديدة لسوق "الدروبشيبينج" خلال تلك الفترة.
التوزيع الإقليمي لسوق "الدروبشيبينج" بحلول عام 2030
يتم تقسيم سوق "الدروبشيبينج" العالمية إلى خمسة أجزاء، وهي: منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وأمريكا الشمالية، وآسيا المحيط الهادئ، وأوروبا.
من المتوقع أن تحصل أمريكا الشمالية على الحصة الكبرى في سوق "الدروبشيبينج"؛ نظرًا لازدياد الاعتماد عليه، واحتياجه إلى استثمار وتكلفة أقل.
كما تشير التقديرات إلى نمو سوق "الدروبشيبينج" في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشكل ملحوظ خلال الفترة من (2020-2027)، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى النمو الاقتصادي المزدهر في تلك المنطقة، وزيادة عدد المستهلكين والشركات المصنِّعة لمختلف المنتجات.
ومن المتوقع أن تبلغ السوق العالمية لــ"الدروبشيبينج" نحو (571.1) مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، مقابل (128.6) مليار دولار أمريكي في عام 2020، وبمعدل نمو سنوي مركب يبلغ (23.7٪) خلال الفترة 2020-2027.
بينما من المتوقع أن تنمو السوق الصينية بمعدل نمو مركب يبلغ (29.3٪) خلال الفترة (2020-2027)، ليبلغ نحو (136.7) مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027.
كما أنه من المتوقع أن تنمو السوق اليابانية والكندية بنسبة (19٪) و (21.6٪) على التوالي خلال الفترة (2020-2027). بينما داخل أوروبا، فمن المتوقع أن تنمو السوق الألمانية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ نحو (20.3٪) خلال الفترة نفسها.
ختامًا، ظهر نظام "الدروبشيبينج" كأحد أبرز الأنظمة المستخدمة في التجارة الإلكترونية؛ لسهولة تكاليف إنشائه وانخفاضها، وعدم الحاجة إلى أماكن أو أوقات عمل محددة، فضلًا عن خفضه لتكاليف إدارة المخزون. ولكن على الرغم من تلك المزايا فإن مستخدمي "الدروبشيبينج" يواجهون تحديات عديدة لابد لهم من التعامل معها، وإيجاد حلول جديدة ومبتكرة لها؛ وذلك لمواكبة التطورات السريعة التي تشهدها التكنولوجية والتجارة الإلكترونية، والتي ستأتي أيضًا بالمزيد من الفرص الجديدة لسوق "الدروبشيبينج" وآفاق نموها في المستقبل.