recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

نيوزيلندا تخطط لفرض ضرائب على الانبعاثات الزراعية

 


 نيوزيلندا تخطط لفرض ضرائب على الانبعاثات الزراعية

 




ينتشر الاعتقاد بأن انبعاثات الغازات الدفيئة تأتي من النشاط الصناعي فحسب، وذلك على الرغم من انبعاث كميات كبيرة من الغازات الدفيئة من نشاط الزراعة، والتي بلغت نحو 30% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، كما يتوقع أن تزداد تلك النسبة في ظل زيادة الطلب العالمي على الغذاء ومنتجات الألبان واللحوم، وبالتالي تكثيف الممارسات الزراعية واستخدام الأسمدة الكيميائية والعضوية والمبيدات؛  لذلك تنبهت الدول مؤخرًا إلى أهمية الحد من تلك الانبعاثات من خلال ممارسة النشاط الزراعي بالاعتماد على تقنيات أكثر استدامة. ومن أبرز تلك الدول، دولة نيوزيلندا، والتي تعتبر من أكبر منتجي الألبان في العالم، لذلك يساهم النشاط الزراعي لديها فيما يقرب من نصف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومن ذلك الاتجاه، أولت الحكومة اهتمامها للحد من تلك الانبعاثات بحلول عام 2025 من خلال آليات تسعير الانبعاثات الزراعية.


الانبعاثات الزراعية وتفاقم الاحتباس الحراري العالمي:


تعتبر الزراعة مساهمًا رئيسيًا في الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة (GHGs) التي تؤدي إلى تغير المناخ. ففي عام 2019، ساهمت أنشطة الزراعة والغابات فيما يقرب من 22٪ (13 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون) من إجمالي صافي انبعاثات الغازات الدفيئة بشرية المنشأ.


ويقصد بالانبعاثات الزراعية مجموعة الغازات التي تنبعث نتيجة ممارسة الأنشطة الزراعية كاستخدام الأراضي في الزراعة وتربية وإنتاج الثروة الحيوانية واستخدام الأسمدة، حيث يمكن تقسيم مصادر الانبعاثات إلى مصادر غير ميكانيكية تتعلق بعوامل بيولوجية وبالظروف المناخية، مثل تحلل التربة أو حرق مخلفات المحاصيل وإضافة الأسمدة الاصطناعية ومخلفات المواشي إلى التربة، وذلك إلى جانب المصادر الميكانيكية، والتي تنبعث عن استخدام المعدات والآلات في مجال الزارعة مثل الغلايات والآلات المستخدمة في الحصاد ومعدات الري. ويمكن تلخيص أبرز الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة الزراعية كالتالي:

غاز الميثان (CH4): والذي يصدر عن مدافن النفايات وحرائق الغابات واستخدام أسمدة النفايات العضوية.

غاز أكسيد النيتروز (N2O): والذي ينبعث نتيجة لتسرب النيتروجين من خلال روث المواشي والأسمدة الصناعية إلى التربة، فضلًا عن استخدام الآلات المتنقلة مثل آلات الحرث والبذر والحصاد.

ثاني أكسيد الكربون (CO2): تأتي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل أساسي من الغابات الخشبية، كما يمكن أن يساهم استخدام أسمدة الجير واليوريا النيتروجينية أيضًا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من المزارع.

الانبعاثات الزراعية وتغير المناخ في نيوزيلندا:


تعتبر نيوزيلندا من أبرز الدول التي تعتمد على نشاط الزراعة، كما أنها تعتبر أكبر مصدر لمنتجات الألبان في العالم، حيث بلغ عدد المواشي لديها نحو 10 ملايين رأس، فضلًا عن 26 مليون رأس من الأغنام، لذلك يأتي ما يقرب من نصف إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في نيوزيلندا من قطاع الزراعة. حيث زادت الانبعاثات الزراعية بنسبة 17.1% ما بين عامي 1990 و2019 لتصل إلى نحو 39.6 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2019 مقارنةً بنحو 33.8 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 1990. كما بلغت نسبة زيادة انبعاثات قطاع الزراعة نحو 0.4% في عام 2019 مقارنةً بالعام السابق. ويعزى ذلك أساسا إلى نمو قطاع الماشية المنتجة للألبان بنسبة 82%، إلى جانب زيادة استخدام الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية بنسبة 662.7% منذ عام 1990.

 

نيوزيلندا تخطط لفرض ضرائب على الانبعاثات الزراعية



وقد عملت الزيادة في انبعاثات الغازات الدفيئة على تفاقم مشكلة التغير المناخي في نيوزيلندا، حيث ارتفعت درجات الحرارة بنحو درجة مئوية واحدة مقارنةً بدرجات الحرارة قبل مائة عام، فضلًا عن ارتفاع مستويات البحر من 14 إلى 22 سم منذ أوائل القرن العشرين، إلى جانب فقدان نحو 25% من أنهار الجليد في نيوزيلندا خلال الأربعين عامًا الماضية، كما تعاني بعض المناطق في نيوزيلندا جفاف التربة وتغير أنماط هطول الأمطار.


نيوزيلندا تدرس فرض ضرائب على الانبعاثات الزراعية:


يساهم قطاع الزراعة فيما يقرب من نصف إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في نيوزيلندا، الأمر الذي دفع الحكومة في نيوزيلندا إلى دراسة إمكانية فرض ضريبة الانبعاثات الزراعية على الزارعين بحلول عام 2025، بحيث يتم استخدام إيرادات الضريبة في قطاع الزراعة للبحث والتطوير في تقنيات تكنولوجية جديدة للتخفيف من الانبعاثات وتقديم حوافز للمزارعين.


وقد تم تقديم توصيات بشأن تسعير الانبعاثات الزراعية في نيوزيلندا من خلال برنامج شراكة القطاع الأساسي للعمل المناخي (He Waka Eke Noa)، ومنها مخطط تداول الانبعاثات النيوزيلندية (NZ ETS)، والذي يقترح فرض ضريبة غاز مجزأة على كل مزرعة، بما يشمل منح حوافز داخلية لتقليل الانبعاثات. ويفرض المخطط على كل مزرعة الإبلاغ عن نسبة الانبعاثات الخاصة بها، إلى جانب وضع خطة لإدارة وقياس غازات الاحتباس الحراري الصادرة عن المزرعة، ودفع الضرائب المتعلقة بكمية الميثان والغازات طويلة العمر المنبعثة. وفي المقابل، يتم منح الشركات الزراعية حوافز لاستخدام التقنيات المعتمدة التي تعمل على تخفيض الانبعاثات، مثل مثبطات الميثان، فضلًا عن الحصول على تعويض مالي مقابل كمية الكربون التي يتم خفضها جراء زراعة أنواع النباتات التي يتم الاتفاق عليها.


يتميز النظام المقترح بأنه يحفز المزارعين على الانتقال إلى إنتاج الأغذية منخفضة الانبعاثات؛ مما يعزز من تغيير السلوك؛ تمهيدًا لتبني نهج إدارة المزرعة بشكل مستدام. وأظهرت بعض النماذج الإحصائية أن هذا المخطط من شأنه أن يحفز انخفاضا في انبعاثات الميثان بنسب تتراوح بين 4% و5.5%، إلى جانب خفض غاز الميثان بنسبة 10% بحلول عام 2023، مما يمكن كل مزارع من رؤية التأثير المباشر لقرارته في المزرعة بوضوح، كما سيمنح المزارعين حوافز لاستخدام التقنيات والممارسات الجديدة.


ونظرًا لمساهمة أكسيد النيتروز في نحو 12٪ من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في نيوزيلندا، حددت الحكومة هدفًا لتقليل صافي انبعاثات أكسيد النيتروز، ليصل إلى الصفر بحلول عام 2050. كما عملت نيوزيلندا على تعديل قانون الاستجابة لتغير المناخ في عام 2019 ليتضمن هدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفري لجميع الغازات الدفيئة باستثناء غاز الميثان الحيوي، وذلك بحلول عام 2050.


جهود تقليل الانبعاثات الزراعية في نيوزيلندا:


لم تكن ضريبة الانبعاثات الزراعية هي الفكرة الأولى لتخفيض الانبعاثات في نيوزيلندا، حيث سعت منذ زمن بعيد إلى تخفيض الانبعاثات من خلال اتخاذ عدة إجراءات، والتي تنقسم إلى إجراءات يمكن اتخذها في الوقت الحالي، وإجراءات قيد التطوير لتكون متاحة في المستقبل.

أولًا: الإجراءات الحالية:

معدل التخزين والأداء: تشير الدراسات إلى إمكانية تقليل إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 10٪ في بعض المزارع، من خلال الضبط الدقيق والفعال لأنظمة الإنتاج، بحيث يتم الحصول على نفس كمية الناتج من عدد أقل من الحيوانات.

تقليل استخدام الأسمدة النيتروجينية ومثبطات اليوريا: يساهم تقليل استخدام الأسمدة القائمة على النيتروجين في تقليل كمية النيتروجين التي تدخل التربة، والتي تتحول فيما بعد إلى أكسيد النيتروز.

أعلاف منخفضة الانبعاثات: أظهر العلماء أن بعض الأعلاف التكميلية تقلل من غاز الميثان، بينما يحتوي البعض الآخر على تركيز أقل من النيتروجين، مما يعني انبعاث كمية أقل من النيتروجين في المراعي، وبالتالي تقليل انبعاثات أكسيد النيتروز.

تكثيف زراعة الأشجار: هناك العديد من الفوائد من زراعة الأشجار أو استعادة الغطاء النباتي الخشبي في المزرعة، بما في ذلك المساعدة في مكافحة تغير المناخ عن طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون.

ثانيًا: الإجراءات المستقبلية:

استخدام مثبطات ولقاحات الميثان في الأعلاف الحيوانية، وهو مركب كيميائي يمكن وضعه في أعلاف الحيوانات لتقليل نشاط الكائنات الحية الدقيقة، والتي تسمى الميثانوجينات، التي تنتج غازات الميثان الضارة.

استخدام أسمدة تحتوي على مثبط النترجة: وهي مركبات كيميائية تبطئ تحول النيتروجين الموجود في أسمدة اليوريا وفضلات الحيوانات إلى نترات وأكسيد النيتروز؛ مما يؤدي إلى الحد من الانبعاثات الضارة.

تضمين الأعشاب البحرية في النظام الغذائي لحيوانات المزرعة: حيث تحتوي الأعشاب البحرية الحمراء التي تنمو في مياه نيوزيلندا على مركبات كيميائية تندرج ضمن فئة مثبطات الميثان. وقد أوضحت التجارب العلمية الأولية أن تضمين 1٪ من الأعشاب البحرية في النظام الغذائي، يمكنه تقليل انبعاثات الميثان بنسبة 40 ٪ تقريبًا.

تطوير عشب (ryegrass) منخفض الانبعاثات: حيث أثبتت الدراسات العلمية أن الأنظمة الغذائية الحيوانية التي تحتوي على نسب دهون مرتفعة تعمل على تقليل انبعاثات الميثان؛ لذلك يعمل العلماء في نيوزيلندا على تطوير أصناف معدلة وراثيًّا من عشب (ryegrass) عن طريق التلاعب بمحتوى الدهون.

 

وختامًا، يمكن القول بأن ريادة نيوزيلندا في مجال الحد من الانبعاثات الزراعية إلى جانب البرامج والحوافز التي تقدمها للمزارعين، تمنح نيوزيلندا ميزة تنافسية في السوق الزراعي العالمي، فهي تعتبر تجربة بيئية رائدة يمكن لباقي دول العالم الاستفادة منها.








google-playkhamsatmostaqltradent