معوقات التسوية السلمية للأزمة الروسية الأوكرانية
مع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في فبراير 2022، توقَّعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) قيام القوات الروسية باختراق الدفاعات الأوكرانية بسرعة فائقة، واستيلائها على العاصمة "كييف" في غضون أسابيع، كما توقَّع البعض عجز القوات الأوكرانية عن الصمود في مواجهة الهجمات الروسية أكثر من 72 ساعة، لكن ما حدث على أرض الواقع كان مغايرًا تمامًا للتوقعات الغربية؛ إذ إنه رغم كل الصعاب، نجحت أوكرانيا في الصمود أمام الهجمات الروسية.
لكن أوكرانيا لم تتمكَّن من صد الهجمات الروسية فحسب، بل نجحت في شن هجمات مضادة على القوات الروسية، ما أجبر روسيا على التنازل عن الأراضي التي استولت عليها قبل أشهر فقط في "خيرسون"، حيث اعترف كبار المسؤولين العسكريين الروس في أوائل نوفمبر الجاري بأن موقعهم في "خيرسون" لا يمكن الدفاع عنه، وأعلنوا انسحاب قواتهم عبر نهر "دنيبرو" لإنشاء خطوط دفاعية جديدة قبل بداية الشتاء.
وفي المقابل، جاءت تصريحات المسؤولين الأوكرانيين أكثر قوة خلال الفترة الأخيرة؛ حيث أعلن الجيش الأوكراني عزمه استعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، وشدَّد وزير الدفاع الأوكراني "أوليكسي ريزنيكوف" على أن بلاده لن تتهاون في استعادة الأراضي المفقودة، وإنه ليس بالإمكان التحدث إلا عن استعادة كاملة لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها داخل الحدود المعترف بها دوليًا اعتبارًا من عام 1991، مما يعني استعادة شبه جزيرة القرم ودونباس، وهو ما أكده الرئيس الأوكراني في أكتوبر 2022.
وفي ضوء إصرار الحكومة الأوكرانية على عدم الجلوس على طاولة المفاوضات لحين انسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية بالكامل، فإنه من المستبعد أن يتم التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة الراهنة، خاصة وأن روسيا تسعى إلى تحقيق انتصارات ميدانية حاسمة من خلال إحكام السيطرة على المناطق التي ضمتها في شرق وجنوب أوكرانيا، وكذلك شبه جزيرة القرم من أجل تعزيز موقفها التفاوضي، وفرض شروطها حال الجلوس على طاولة المفاوضات.