الأستاذة مسعودة القاسمي
داخل كل إنسان جذور من الظلام لا يمكن ان تمحى تماما طالما نحن متجذرين في الجسد
المادي لكن عندما نحلق بأرواحنا ولو لدقائق محدودة يوميا وهي أعلى طاقة يمكن أن
توصلنا الى الروح. فاذا كانت الملائكة تمثل النور والشيطان يمثل الظلام فان الانسان يجمع
بينهما وسعيه يتمحور بين القطبين، بين السلبي والايجابي، بين الجسد والروح وبين النور
والظلام. وهي المتلازمات عند كل انسان، بمعنى ان لا نبحث عن الجميل من الشخص
ونرفض السيء منه وهذا يدفعنا للحب المشروط لأننا لن نتعلم كيف نتقبل ظلامه؟ وكيف
نصل الى أفضل صورة من أنفسنا؟ فقبول الاخر لابد ان يكون تاما بلا شروط او احكام مسبقة لتستيقظ بذرة النور داخله او بذرة الظلام التي تحتاج التطهير والاستشفاء منها او
التصالح معها. ولعل أكثر فئة لا تجد الحب الروحي الحقيقي هن النساء الناجحات اللاتي لا
يعرف الرجال كيفية اسعادهن، فهن دائما في صراع لإثبات أنفسهن مما يجعل الذكورة
مرتفعة لديهن لان المجتمعات الشرقية عادة ما تقدر المرأة القوية فقط وتعمل لها ألف
حساب، أما النساء الرقيقات اللاتي يعشن وحدهن أو بدون سند يتعرضن للهجوم والنقد لذلك
ترى معظمهن قوتهن دفاعية هجومية لأقل الأسباب وأتفهها. فيدفعها المجتمع الى ان تكون
طاقتها ذكورية بالرغم من كل النجاحات التي تحققها، فهي لا تجد الرجل الذي يحبها
بالطريقة التي تريد وذلك لعدة أسباب أهمها انها غير قادرة على عيش اللحظة فانسلخت
طاقة الانوثة عنها غصب عنها وبدون ارادتها، لذلك تجذب اليها شريك طاقته انثوية لان
الكون يعكس ما انت بحاجة اليه والعكس صحيح. والملاحظ ان المرأة وجدت نفسها في بيئة
تدفعها للعمل وتوهمها انها بذلك تستطيع ان تحقق انوثتها بعيدا عن سلطة الرجل لكنها
استعبدت بشكل جديد كانت في غنى عنه، كما ان الرجل حورب في احساسه بسلطته
وذكورته من المجتمع والمرأة التي ترفض العون والقوامة المادية والروحية من الرجل مما
جعل حتى الام تربي البنت بتعلية طاقة الذكورة لديها لأنها تستبطن داخلها ان الفتاة مصدر
العار وهو ما كرسته الأعراف والتقاليد الموروثة منذ مرحلة وأد البنات، مما جعل المرأة
تكره أنوثتها وترفضها. الله خلق الذكر مثل الانثى في كل شيء، وفضل بعضهما عن الاخر
في الطاقة الكامنة داخل كل منهما وهي طاقتي الانوثة والذكورة بتفاوت لدى جميع
المخلوقات بما فيهم الانسان امرا مهما، فليس عيبا ان تظهر المرأة ضعفها الانثوي لتلك
الحماية من الرجل رغم انها قادرة على حماية نفسها وأن تفسح المجال للرجل بان يستمتع
بهذا الشعور الفطري، فالطاقة التبادلية بينهما ليست احتياج بقدر ماهي تجسيد لفطرة الله
التي فطر عليها الانسان. الحب الحقيقي اللامشروط له موانع متعددة أهمها كثرة الانتقادات
بالمجتمعات خاصة العربية منها مما يسبب ترددات منخفضة ويجعلنا غير قادرين على
استيعاب أن لكل إنسان تجربته الأرضية الذاتية الخاصة به في هذه الحياة. وهذا يولد ضغط
عليه الأسرة وبشكل لا واعي يضغط الأهل على الأبناء نقدا ومقارنات أكثر من تحسيسهم
بالحب والأمان فيكبر الطفل على ان الحب مرتبط بمقابل عمل ينجزه كأن نقول له لنحبك
لازم تنجح بالامتحان فاقترنت المحبة بشرط فتقع برمجته برمجة سلبية خاطئة تعطل
الشعور الحقيقي بالحب عنج الطفل، فالمكافئة غالبا ما تكون مادية وليست عاطفية او على
القيمة، الحب هو استثمار يومي. يقوم الحب على التوازن بين طاقتي الانوثة والذكورة
والأخلاق، وكل ما ذكرناه سابقا يقتل منسوب السريان والانسياب لمشاعر الحب التي بها
تشرق العلاقات، فمن تربى على النقد يبحث عن الحب عند الاخر لأنه غير متصل بذاته
النقية حيث يضع مسؤولية سعادته دائما على الاخرين. فالحب اللامشروط هو روحي
بالاساس ينساب كشلال المياه الذي يغسل الترددات المنخفضة من الداخل للفرد ليعلمه
كيف يحب كل شيء من حوله وأولهم ذاته ليرى أفضل صورة منها
فيشرق هذا الحب في القلب ويندفع لنشره في الكون.
ومن صفاته أيضا انه متجانسا وسهلا يجعل الانسان يتعامل مع
الاختلاف كتجربة اكتشاف لا كمعركة يجب الانتصار فيها. كما ان الحبيب الحقيقي لا
يمكنه أن يؤذي حبيبه بأي شكل من الاشكال ورفيق الروح كالمرآة تماما تشعر معه
وكأنك تقابل نفسك من جديد من خلال ما يعكسه فيك من نور او حتى ظلام الأخطاء
والعيوب. تلك المشاعر النبيلة أجرها وثوابها فيها ليس لها علاقة بالمظاهر المادية لا
يدخلها الشك ولا المصلحة، وهذا الحب قليل الوجود في عالمنا والكثير منا يبحث عنه عند
الآخرين ناسيا انه موجود داخلنا حين نستشعره ونعيشه بيننا وبين أنفسنا مع كل شيء
حولنا مادي لنخلقه في الاخرين معنا ففي العالم الروحي المشاعري يجب علينا ان نخلق
الشعوربالحب داخلنا ليتجلى ماديا خارجنا في علاقاتها. فاذا لم نستطع التغلب على الكره
والغيرة والعنصرية وغيرها من المشاعر السلبية المدمرة، فانه يصعب علينا ان نصل
الى التردد العالي مع أي شخص اخر لان الأشخاص الذين نقابلهم هم مرآة لنا. إذا الحب
اللامشروطلا يختفي ولا يموت لان بذرته التي في القلب تبقى حية حتى وان لم تزهر وهي
نابعة من حب الذات التي تشعر بالسعادة دون اللجوء لمحفز خارجي، وحيث يتحقق
الارتواء من المنبع الروح المطلق.