د. آمال بوحرب تونس
إن رحلة البحث في الذات الانسانية عن كينونة الفهم التي تحمل أبعادا مختلفة عن علاقة
الانسان بذاته وبالآخر قادت معظم مؤرخي الفلسفة وخاصة منها الفلسفة المعاصرة إلى
أن نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يعتبر بداية أزمة شاملة كانت سببا في
ظهور الكثير من الحركات الفكرية
الفلسفية الجديدة، تختلف في نسقها العام عن التيارات
الفلسفية التي سبقتها من حيث المضمون والمنهج. لقد مست تلك الأزمة جميع نواحي
الحياة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الفكرية، وأدت لظهور الكثير من
النظريات على المستوى الفني والأدبي، تسيطر عليها أخلاق المنفعة والمصلحة فقط.
فإنسان القرن الحالي هو إنسان أناني التفكير مبتور ضميره الأخلاقي الذي يمثل الوازع
الداخلي له، والضامن لسلوكه، وفي خضم هذه المأساة الإنسانية انشأت "الشخصانية"
كرد فعل لما ما ساد العالم من تطور اقتصادي وصناعي هائل، وسيطرة آلالة على إلانتاج
الاقتصادي واكتساح النزعة الفردانية المنفعية للعلاقات إلانسانية فأصبحت تحكمها
المصالح ، فانعكس ذلك سلبا على شخصية الفرد، بإفراغها لطاقته الروحية والأخلاقية،
التي تعتبر الموجه الحقيقي لسلوكياته وعلاقاته مع الآخرين ويعتبر شارل رون وفييه في
تاريخ الفلسفة المعاصرة المؤسس الفعلي للمذهب الشخصاني، وتقوم شخصانيته على
أساس استقلالية الشخص حيث اعتبره ذات مستقلة وكيان قائم بحد ذاته. وعليه فإن
مفهوم الإنسان في فلسفة جان الكروان، والتي تقوم أساسا على إعطاء الأولوية للفرد
نفسه أي أنها تقوم على تشكيله وشخصنة الأنا في المقام الأول، ليتجاوز هذا الأنا نفسه
في شكل من أشكال التعاطي مع الآخر توجه الفرد إلى المتفحص في العلاقات العامة
الموجودة بين الأفراد داخل المجتمع الواحد أو بشكل عام للعلاقات الموجودة بين شعوب
المعمورة التي أصبحت اليوم تخضع إلى معيار أخلاقي، يحكمه أي قانون مدني، والذي
يقنن سلوكية الفرد داخل أطر أخلاقية وقانونية توجهها، وعليه تسيطر عليها المنفعة
والمصلحة فقط. وأخيرا فإن كانت كل النظريات الفلسفية المرتبطة بوجود الانسان كفكر
وتمثيله بأشكال فنية مختلفة فإنها تفتح له آفاقا تحرره من سلبيته و لكن هذا التجاوزلا
يتم إلا في ظل وجود الحرية الفكرية حيث إن مفهوم الشخص عند مونيه يقوم على
أساس دمجه لما هو روحي بما هو مادي في الإنسان، مع إعطائه الأسبقية إذ إن الإنسان
عبارة عن ذاتٍ خلّاقة ومبدعة بفضل امتلاكه ملكة التفكير المتمثلةِ بالعقل، وعلى الرغم
من هذا فإن مفهوم الإنسان أو الفرد يبقى ناقصاً من ناحيةٍ فلسفيّة، وذلك نظراً للبعد
الميتافيزيقي للذات الإنسانيّة التي تتصف بأنها ذاتٌ عاقلة تمتلك الحريّة والوعي والإرادة،
وتحيى وفقا لقانون الطبيعة والحق، ملتزمةً بجميع القيم الأخلاقيّة، وتسعى هذه الذات
بشكلٍ مستمر إلى تحقيق الأفضل في سبيل الوصول إلى الغايات المنشودة والتي يثمر
عنها الشعور بالسعادة من خلال الإبداع الفني والشعري والأدبي والتوصل إلى الحقيقة أن
الانسان هو مركز اشعاع العقل ولان هذا العقل هو نور من نور وأصبح به الانسان مركزا
كونيا وتحقيق الموازنة بينه وبين الطبيعة يتطلب الوعي بنفسه وبقيمه وبالمجتمع
المتغير والجدلي.