عرض. طارق أبو حطب
كل هذا البهاء يمكن أن يكون في مكان واحد ، ينفجر منه فجأة سعادة بالغة تجدد مع صباح كل يوم ، لكن الأمر فد يختلف –أحيانا- حين يصطحب المرء اوراقه المبعثرة ، وحكاياته المسلسلة ، ومشاهده الكثيرة التي تجعل أيامه المتجددة بتجدد المكان ذات متعة خاصة يجدها المرء في هذا السرور الداخلي الحي.
ومع اقترابي من بوابة مدرستي الجميلة النظيفة المطورة ، ألمح شابا ينزل من سيارته ، يكاد يكون ملثما ، يلبس جاكيت سويت شيرت بغطاء رأس، ويضع على كتفيه غترة سعودية ذات خطوط حمراء، ويرتدي فوق السويت شيرت جاكيت رمادي وبنطلون جينس أزرق.
صعد درجات السلم الأمامي في لهفة يسأل عن مكتب المدير ، اهتدى لحجرة بجوار المكتب فيها جمع من الموظفين ، يسأل ويحاور ، ويناقش ....سمع صوت المدير فاقترب من حجرته ، انا فلان ...الموظف الجديد ، جئت من مكان بعيد ؛ ليكون نصيبي هاهنا ، أنا رجل بسيط ، لكني عنيد ، لا أحب الوساطة والمحسوبية ، كلامي قليل ، قد أميل للصمت لكني أفضل قراءة الأمور أولا.
تبسم المدير في وجهه الحائر ونظراته المخيفة ، وشكله المريب، وطلب منه أن يقوم بجولة تفقدية للمدرسة ، لعله يتصالح مع نفسه ، ويحط من همه وغمه، انتقل بين أرجاء المكان ، يتحسس من روح زملائه ، كانوا يبتسمون ينتحدثون بسعادة عن ذكرياتهم المشتركة فى مراحل التعليم المختلفة، يتحدثون بحب وشوق عن القرية التى جاءوا منها، ويعبرون عن سعادتهم بما ترسب فى أعماقهم، منذ تلك الأيام، من أحاسيس الحب والصفاء، التى غمرت أنفسهم وانعكست على مشاعرهم نحو الآخرين.
ألقى عليهم السلام ، وسألهم عن المشرف العام ، وهدم لذة حديثهم بصوته الهاديء ، ونبرته الساخرة ، فرد عليه أحدهم أنا المشرف بصوت عالي يكاد يسمعه من بالخارج – وهذه طبيعة صوته - اندفع محموماً بأسئلة سريعة متلاحقة عكست مدى الفزع والرعب الذى سيطر على أعماقنا عندما شاهدناه لأول مرة ينزل من سيارته .
، طلب منه المشرف أن يوقع حصة انتظار ، لكنه سرعان ما علل رفضه بأنه قادم للعمل الأصلي لا الفرعي ، وأن موجهه لم ينتدبه من بعيد ليجلس في الفصل مكان غيره ، فاراد تصوير الدفتر ، انطويتُ على نفسى، وفقدتُ كل أثر لبهجتى، ولزمتُ الصمت.. انشغلتُ عن أحاديثهم بحوار محموم يجرى فى داخلى ، جلستُ فى طرف القاعة بين بعض الزملاء ، وانفجرت في وجهه بكلمات تعدل من نظرته الساخطة ، وعباراته الصاخبة ، فتراجع عن فكرته .
كنتُ فى هذا اليوم منبهراً بعزيمة المدير، وحسن فهمه ، فقررت أن اقص عليه ماحدث ، وقفت وصديقي في بهو الدور الأرضي نحكي ونقص ونتحاور ونضع خطة للعمل ، وذكرنا ما كان من شأن صاحبنا ، وريبته ، وتطلعاته ، انتهينا من الحديث ، فما كدت أرفع راسي حتى وجدته واقفا في بهو الدور الأول ، باسطا زراعيه ، ورأسه يتدلى من السور العلوي .
أحسستُ بالحرج، وقررتُ أن أترك المكان مع الخارجين.. دون أي إحساس بأسى أو وخز ضمير ، اندفع صوته سائلا : أين جدولي ؟ ومتى أتسلمه؟ دون أن يلفظ بكلمة واحدة تعبر عن اعتراضه لما حدث! وفى طريق عودتى لمنزلى، تملكني إحساس عابر بأنى إزاء اكتشاف شخصية قد يكون لها صدى بعيدا في أيامنا القادمة....