الفن وديمومة التوازن
آمال بوحرب - الإمارات العربية المتحدة
تزخر الفلسفة الهيكلية بالثنائيات بين الفكرة ونقيضها معتبرةً ما هو عقلي واقعي وما هو
واقعي عقلي وعندما نحاول أن نشرح هذه المقولة فإننا نصوغ الفكرة حسب (هيجل)
كمفهومٍ معلل والمفاهيم هي أيضًا كائنات فكرية تحتاج إلى بيئة تنمو فيها وتخضع لمقولة
الزمن فالنص أو الشخص لا يفهمان خارج السياق التاريخي وقد يكون الشخص نصًا أو
فكرةً أو رمزًا لشيء ما فإذا سمعنا من يقول إن تعريف الفن ضمن الحرية هو القدرة على
فعل ما يحلو لنا فإنها لا أكثر من تعبير عن حالة من عدم النضوج الفكري لأنها لا تحتوي
عن فكرة الإرادة الحرة المطلقة وعلاقتها بالحياة الأخلاقية وهذا ما كان يراه (كانط ) في
الطبيعة فكل شيء يعمل وفق القوانين والكائن العقلاني هو وحده من يتصرف وفقا لفكرة
القانون ولكن من خلال إرادة وعقل الفرد وفق ما يمليه الضمير أما (هيجل ) يرى أن
الفعل الحر لا يكون إلا بما يتفق مع العقل الكلي المتجسد في الدولة وإن كان من أهم
المصطلحات المهمه عند (كانط )هي المدلول إذ أن المفاهيم تتعلق بقدرتنا علي التفكيرفي
الأشياء وليس الأشياء نفسها وهي بذلك تعني بخاصية ذاتية (الذات ) في المعرفه و حيث
قضى ديكارت قرابة العشرة اعوام في دراسة العلوم وحقق فيها انجازات تاريخية مثل
الهندسة التحليلية والتي أدت الى انطلاقة كبيرة في العلوم بعد استقلال عالم الطبيعة عن
عالم ما فوق الطبيعة باختلاف الرموز فإن (الفن) كان رمزا للتعبير عن جدلية الفرد
بالطبيعة وهو يحتل في فلسفة (نيتشه) مكانة الصدارة، ففلسفته تستدعي (الفن) بشكل
قوي إلى الحد الذي يجعله يقول في كتابه ((ميلاد المأساة)) الذي اخص الحديث عن الفن
(( أن كل مظهر من مظاهر الحياة تقوم على المظهر والفن والوهم وزاوية النظر والرؤية
والخطأ )و هو عنده النشاط الميتافيزيقي بامتياز و هو الحد الذي يصنع لكل المظاهر
والمظهر عند (نيتشه) ليس تمثيلا للحياة فحسب بل هو الحياة و إذا ما حاول الباحث
الابتعاد عن الأصول المعرفية للقضايا الفلـسفية اليونانيـة أو المعاصرة فإنه سـوف
يخلـص إلى نتيجـة ضـمنية في الآراء السابقة على الرغم من تباينها وهي أن الطور
الفلسفي يعّد مكملا للفكر والفن الأدب بمنظومه ومنثوره يعبر عن النفس بميولها
ورغباتها ولذاتها وحتى آلامها ما جعله يؤثر في نفس المتلقي فيجذبه اليه باعتباره فنا
جميلا وإن كان الأدب هو أحد الفنون الجميلة كالرسم والنحت والرقص والموسيقى فهي
صناعة فنية يعبر بها تعبيرا مؤثرا وجميلا عن طوايا النفس البشرية في كل ما تضطرب
به، من أشتات الرؤى وخواطر الفكر والوجدان، ولا يختلف عنها في شيء من حيث
الغاية التأثيرية التي يسعى إليها كل فن جميل فالأدب كفن جميل يتميز بمادة التعبير التي
هي ألفاظ اللغة و فن الكلمة فالأدب إذا هو بناء اجمالي للكلام يبدعه الانسان في القطاع
العقلاني ويسجده بألفاظ اللغة المتصفة بصفات فنية وإن ا ختلفت تعاريف الفن باعتباره
نشاطا إبداعيا مقترنا بالانفعالات العاطفية الداخلية و الموثرات الحسية الخارجية رغم أن
الاختلاف في نشوء الفن كان لتعدد الرؤى الفلسفية في العصر اليوناني فلقد كانوا
يمجدون فن الحياة بالمسحة العقلية أما في العصر الإسلامي فقد أصبحت النظرة للفن من
منطلقات دينية ولعل ما ميز العصر الحديث هو إبراز مكانة الذات في بلوغ مجمل
النشاطات الإنسان كما أن الفن المعاصر ارتبط بظهور مذاهب فنية أحدثت تغييرا في
مجرى الرؤى الفنية اذ الحكم الجمالي يختلف باختلاف مرجعيات الفلاسفة لأن الشعور
بالجمال متفاوت وإذا كان أرسطو قد أعطى أهمية للحس والحواس من خلال قوله
المحسوس شرط المعقول فإن النظرية المعاصرة للجمال تطرح اشكالية قائمة بوجه
مختلف عن النظريات السابقة وهي ماهية العلاقة بين الفن والواقع وماهية العلاقة بين
الفن والأخلاق .