الأمين العام لمجمع اللغة العربية في حوار لـ«صدى الأمة»: ليس هناك لغة غير مقدرة من أهلها مثل اللغة العربيةاللغات الدارجة بين شباب الجامعات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أفسدت الذوق العام
اللغة عنصر من عناصر الهوية وكل دولة تجاهد لإثبات أصالتها بتوطين لغتها
اللغة العربية يجب أن تكون لها من الهيبة والتمكين ما يعيدها لصدارة المشهد
نحن لسنا ضد تعلم اللغات الأجنبية لكن ليس على حساب لغة القرآن
ليس هناك لغة غير مقدرة من أهلها مثل اللغة العربية
علموا أولادكم أن التحدث بالعربية ليس تخلفا وازرعوا فيهم الغيرة عليها
لست خائفا على اللغة.. كم واجهت من لغات أجنبية قبل ذلك وانتصرت
وسائل الإعلام ومناهج التعليم والبرلمان كلها عوامل لو تعاونت لعادت أمجاد لغة الضاد
حوار - فتحية حماد
تعد اللغة العربية من أهم وأسمى لغات العالم التي خصها الله سبحانه وتعالى بكتابة كتابه الكريم كما تعد أساس هويتنا العربية ولا يوجد على وجه الأرض لغة أعظم من اللغة العربية التي توحد صفوف أمتها كلها كما لا يوجد على وجه الأرض أمة تسعى بوعي أو بغير وعي لتدمير لغتها مثل الأمة العربية فاللغة العربية تعاني في بيتها أكثر مما تعانيه في مجتمع آخر.وعما تواجهه اللغة العربية من مشكلات وأزمات كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ الدكتور عبدالحميد مدكور الأمين العام لمجمع اللغة العربية وأستاذ الفلسفة بكلية دار العلوم جامعه القاهرة.
* في بداية حديثنا نود أن نعلم اللغة العربية إلى أين في وسط هذا الزخم من اللغات الأجنبية الأخرى؟
- في الحقيقة أن واقع اللغة العربية في محيطها الحيوي واقع أليم لأسباب كثيرة تتعلق بمواقف ثقافيه وبرامج تعليمية ومواقع التواصل الاجتماعي كل هذه عوامل تؤدي إلى التقليل من استعمال اللغة العربية كما أن شيوع اللهجة العامية في وسائل الإعلام والفنون المسرحية والمسلسلات الدرامية أدى إلى إبعاد اللغة عن مجال كان يجب أن تكون موجودة فيه كما أننا لا نحارب اللهجة العامية لأنها قد تتحمل فنونا جميله من إشعار وأزجال لكن لكل مقام مقال فلا يعقل أن نتحدث مع البائعين أو أصدقائنا باللغة العربية الفصحى فلكل منهما مكانها.
* كيف ساهمت مناهج التعليم في الإعراض عن اللغة العربية؟!
- إن مناهج التعليم التي تركز على عنصر واحد وتترك عناصر كثيرة ساهمت في ترك اللغة العربية فاللغة ليست نحوا فقط كما يروج لدى كثير من الناس كما أن الطريقة التي يقدم بها النحو للمتعلمين طريقة عاميه ولكن يجب على المدرسين التحدث باللغة العربية فالتلاميذ لو تعلموها منذ الصغر لالتقطوها و أتقنوها.
* هل انتشار مثل المدارس الأجنبية أثر على ترك اللغة العربية؟
المدارس الأجنبية تركز على تدريس اللغات غير العربية، كما أن التلاميذ لطول سماعهم لهذه اللغات يستطيعون التحدث بها وليس اللغة العربية التي هي لغة الحضارة والتاريخ والثقافة والتراث والحاضر والمستقبل واللغة هي التي توحد الأمة من مشرقها إلى مغربها على نص واحد فهي لغة القرآن الكريم والنبي عليه الصلاة والسلام لكن اللغة العامية تقسمنا إلى طوائف لا يفهم بعضنا بعضا.
* اللهجات المستعملة في مواقع التواصل الاجتماعي تؤدي إلى دفع اللغة...كيف؟
- وسائل التواصل الاجتماعي حولت اللغة إلى أرقام والى حروف والى لغة بعيده غير مفهومه حتى إبداعاتهم تكون بغير اللغة العربية بمعنى أنهم إذا كتبوا إشعارا أو إبداعا فنيا يخرج باللغة العامية أو اللغة الهجين التي تكتب بالحروف والأرقام العربية والأجنبية.
* كيف نساهم في حضور اللغة العربية مره أخرى؟
- اللغة العربية حضورها يجب أن يكون في الواقع الاجتماعي لأنها عنصر مهم من عناصر الهوية وكل دوله تجاهد من أجل توطين لغتها لإثبات أصالتها ونحن نعلم عناية الأمم بلغاتها وتدفع من أجل ذلك النفيس والغالي فالفرنسي لا يتكلم الانجليزية والعكس فالكل حريص على استعمال لغته وبعض هذه البلاد تحرم وربما تجرم من يتحدث بغير لغته الوطنية فاستعمال اللغة العربية حق من حقوق الإنسان التي يحرص العالم كله عليه فلا يعقل أن العربي عندما يذهب إلى البنوك تقدم له وثيقة باللغة الانجليزية أو الفرنسية وعندما نذهب إلى شركات الطيران تعطينا تذكرة باللغة الانجليزية أو الفرنسية لكن من حقي كمواطن أن آخذ نسخه باللغة العربية ومن حق المواطن العربي عندما يسير في الطريق أن يرى الإعلانات واللافتات باللغة العربية وهذا لا يجده الإنسان في أي بلد في العالم فالدولة لا تسمح بذلك ولا يجب أن تكتب بغير اللغة الوطنية التي تخصها لكن في دولنا هناك استسهال في الأمور.
* ماذا يجب علينا لإعادة أمجاد اللغة العربية مره أخرى؟
- أمجاد اللغة العربية تحتاج لعدة خطوات أولها أن يكون للدولة والبرلمان دور هام في إصدار القوانين التي تسعى لتمكين اللغة العربية وإعطائها قيمتها بوضعها لغة وطنيه كما جاء في دساتير البلاد العربية والدستور المصري لا يستطيع احد أن يخالفها ومن الممكن أن تستثني من ذلك شركات الأدوية والتي استجابت لكتابة منشوراتها وملفاتها باللغة العربية واللغة الأجنبية على حسب المخاطبين على أن تكون اللغة العربية في مقام أعلي وببنط أوضح ثم تأتي بعد ذلك اللغة الأخرى التي تريدها.
* هل يستطيع البرلمان المصري عمل قوانين تجرم وتحرم من يتحدث بغير لغتنا العربية كما فعلت الدول الأخرى؟
- المفروض وهذا واجب الدولة لأن القضية ليست متروكة لاختيارات كل فرد يختار ما يشاء وهذا لم يؤثر على المدارس الأجنبية المفتوحة لدينا ولا يصح أن تؤثر على تعلم اللغات الأخرى فنحن ننادي بالتعلم المتقن للغات الأجنبية ولكن ليس على حساب لغتنا العربية لأننا محتاجون إلى ما ينشر باللغات الأجنبية من التقدم العلمي الذي ليس بإمكاننا أن نفعله الآن كما أننا لا ينبغي أن نعبر عن أنفسنا باللغة الأجنبية فنحن نتعلم اللغات ولا نتعلم بها فيجب أن نترجم ما يكتب باللغات الأجنبية إلى العربية وقد أحس بذلك العرب في أوائل العصر الإسلامي عندما شعروا بحاجتهم لعلوم لم تكن موجودة عند العرب فكان الخليفة العباسي يعطي وزن الكتاب المترجم ذهبا لمن ترجمه وكانت من أكبر حركات الترجمة في العالم وكان الإنفاق عليها كبيرا فازدهر العلم في عصره حتى أنهم ترجموا كتبا فارسيه وهندية وعبريه ولاتينيه وغيرها إلى اللغة العربية فنحن لسنا ضد تعلم اللغات الأجنبية وإذا قلنا ذلك فنكون مجتمعا أحمقا لأننا يجب أن نواكب العصر ومحتاجون ما يظهر في هذا العلم من تقدم علمي وازدهار تقني وخبرة إنسانية فنحن يجب علينا في هذه الفترة أن نتعلم العلم بكل اللغات ثم ننقل ما فيه من تراث علمي ليس عندنا ونترجمه للغة العربية حتى تكون مواكبة لما يحدث ولا نكون في وادي والعالم في وادي آخر.
* ما دور المناهج التعليمية في الحفاظ على لغتنا العربية؟
- لها دور كبير من خلال تحسين وضع المناهج لتدريس اللغة العربية وتسهيلها وإخراجها من التعقيد الذي يقع في بعض الأحيان في كتبها ونحسن اختيار القصائد الشعرية فالمناهج حاليا تأتي بالقصائد التي تمتلئ بالكلمات المعجمية والقاموسية فيؤدي ذلك إلى الإعراض والنفور عن اللغة لأنها تقدم لهم بطريقه ثقيلة لا تحببهم في اللغة فعلينا أن نحسن اختيار النصوص فعندنا نصوص عربية عريقة وسهلة كما يجب أن نلزم المعلمين أن يدرسوا الدروس العربية باللغة العربية نفسها وليس باللغة العامية ونطالب وزارة التربية والتعليم أن تضبط كل الكتب التي تكتب باللغة العربية وأن يلتزم الأساتذة بقراءتها صحيحة كما جاءت مضبوطة في طباعتها مثل كتب التاريخ و الجغرافيا وعلم النفس فالطالب إذا سمع صح سيقرأ صح.
* ما دور الإعلام والأعمال الفنية في الحفاظ على اللغة العربية؟
- الإعلام عليه أن يعني باللغة العربية عناية فائقة وأن يجري الحوار فيه قدر الإمكان وبالتدريج بلغة عربية صحيحة سهلة وميسورة حتى يتعود الناس سماع اللغة لان اللغة بذاتها سماع وإسماع فإذا سمعت سماعا صحيحا تتحدث صحيحا وبالتالي يقع على إعلامنا دور كبير في الحفاظ على اللغه ومن الممكن تخصيص برامج لتعلم اللغة العربية وطريقة نطقها أما من ناحية الفن الجميل فله دوره في تعليم اللغة العربية فقد كان الناس ومازالوا يسمعون إلى القصائد الشعرية التي كانت تغنيها أم كلثوم و يغنيها محمد عبدا لوهاب وعبد الحليم حافظ وسعاد محمد ونجاة الصغيرة وغيرهم كل هؤلاء ونظرائهم في العالم العربي كانوا يغنون الشعر ويحفظه الناس بدون صعوبة نحن نؤكد أننا إذا سمعنا في المدرسة وسمعنا في وسائل الإعلام وفي الفنون المختلفة لغة عربيه صحيحة سنتحدثها ونتقنها.
* كلنا يعلم أن هذه العوامل ليست موجودة فهل دخلت اللغة العربية في نفق مظلم؟
- لم تدخل لغتنا العربية في نفق مظلم أبدا ولكننا يجب أن نفهم أنها قضيه مجتمعيه وليست قضية مجمع ولا أقسام لغة عربية لابد أن تتآزر كل هذه القوى وان تجعل مهمتها الأساسية إعادة للغة مكانتها وهيبتها واستعمالها ثم إن القوانين يجب أن تتضمن أنواع من التحذير والتوجيه والتنبيه والعقوبة إذا لزم الأمر على من لا يستجيب فإذا تعاونت فإنه لم يكن غريبا أن يعود للغة العربية هذه الحيوية والاستعمال والهيبة والتمكين الذي يعيدها إلى صدارة المشهد وفي أول الصفوف ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا.
* ماذا فعلنا حتى تراجعت اللغة العربية إلى هذا الحد؟
- المغلوب مولع بتقليد الغائب كما قال ابن خلدون فنحن كنا نستعمل لغتنا عندما كنا أحرارا لكن عندما احتلنا الأتراك استخدمنا لغتهم وعندما جاء الإنجليز كان الطب يدرس في القصر العيني باللغة العربية على يد الفرنسي كلوت بك لكن بريطانيا عندما احتلت مصر حولت التعليم من اللغة العربية إلى اللغة الانجليزية مثلما فعلت فرنسا في بلاد المغرب العربي فالاستعمار كان له دخل في مقاومة اللغة العربية والغريب في عصرنا من يرى أن الالتزام باللغة العربية عودة للعصور الوسطى وأنه تخلف ورجعية رغم أن كتبنا العربية هاجرت إلى كل دول أوروبا ومن ضمنها كتب الفلسفة التي ذهبت إلى أوروبا واستخدمت تيارين أحدهما ينتسب لابن سينا والآخر لابن رشد وأوروبا نفسها تعترف بذلك فاللغة ليست عاجزة ولكن نحن العاجزون والغريب أننا ننتسب إلى لغة واحدة ولكن نفرق أنفسنا باستخدامنا لغات أجنبية فعلينا أن نعلم أن اللغة العربية لغة حياة ولغة علم ولغة حاضر ولغة ماضي ولغة مستقبل مثلما تفعل كل أمة بلغتها للحفاظ عليها.
- نحن محتاجون أن نحافظ على لغات أبنائنا في المهجر الذين غادروا دولتنا إلى دول أخرى فلو لم نخاطبهم باللغة العربية سينتسبون للدول التي يقيمون بها وستنقطع صلتهم بدولهم و أوطانهم وهذا جزء من الأمن القومي أن نحافظ على أبناء هذا الوطن حتى لا تنقطع صلتهم بدولهم ولا يذوبوا في اللغات الأخرى. وليس معنى هذا عدم تعلمهم اللغات الأخرى.
* هل نستطيع أن نحافظ على هويتنا العربية ولغتنا في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي؟
- نعم نستطيع عن طريق التعليم والإعلام ورفع المستوى الثقافي للأمة وزرع الحمية والغيرة على اللغة فيجب أن نفتخر بها ونعلم أن لها تاريخا عريقا وإلا سنكون إتباعا وذيولا لحضارات أخرى.
* كيف يمكن مخاطبة الجمهور باللغة العربية في الداخل والخارج؟
- إذا عملنا قناة فضائية باللغة العربية المبسطة سيستفيد منها المصريون في الداخل والخارج.
* هل لمجمع اللغة العربية دور في استعادة هيبة اللغة؟
- نحن نحاول أن نساهم ولدينا موقع اليكتروني يستطيع أي فرد أن يدخل عليه ويستفسر عما يريد الاستعلام عنه ودوره يكمن في تيسير اللغة واختيار النصوص التي تقدم في برامج التعليم لأن النصوص المقدمة أحيانا تختار اختيارا غير جيد داخل المناهج ونؤكد أن كل المؤسسات يجب أن تتكاتف لتحقيق التمكين والهيبة للغة لتستعيد دورها في المجتمع.
* كيف نستطيع التغلب على لغات الشباب في الجامعات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي- الفرانكوارابيك؟!
- إذا عملنا بكل العناصر التي تؤدي لتمكين اللغه من تعليم جيد واستماع اللغة طول اليوم سواء في وسائل الإعلام أو المدارس والجامعات أو المواد الدرامية بالإضافة إلى قوانين صارمة سنتغلب على هذه اللغات الدارجة كما ينبغي أن تخاطب الجهات الحكومية جمهورها باللغة العربية ببيانات مكتوبة ومسموعة ويجب أن يراجع لغويا قبل النشر.
* هل اللغة في أزمة حقيقة؟
- نحن بالفعل في أزمة لكن ليس علينا أن نستكين لهذه الأزمة إذا تعاون كل منا مع الآخر من أهل الاختصاص لرجعة هيبة اللغة وإذا صدقت النوايا سنجتاز هذه الأزمة فأنا لست خائفا على لغتنا لأنها كم واجهت من لغات قبل ذلك ولكنها انتصرت لأنها لغة القرآن ولا يصح الصلاة إلا بها لكنني لم أر لغة مهانة من أهلها غير اللغة العربية التي ينظرون إليها على أنها لغة عاجزة وبدوية وغير قادرة وان الحديث بها يعيدنا للعصور الوسطى وأنها رجعية رغم أنها كانت لغة العالم كله ولغة الحضارات التي كان يرجع إليها كل دول العالم في العصور الوسطى ولا توجد اي دوله تهين لغتها أو يتهموها بالتخلف والرجعية كما نفعل نحن ومن المعروف أن الذي وحد كل الدول العربية هي اللغة العربية لأنها واحدة وموحدة لكننا استجبنا لكل العناصر المعوقة لانتشار اللغة العربية على ألسنة المتحدثين حتى لا تجعلهم أمة واحدة.
الدكتور عبدالحميد مدكور في حوار لـ«صدى الأمة»: ليس هناك لغة غير مقدرة من أهلها مثل اللغة العربية