recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

إعلان

العوامل المؤثرة في التجارة العالمية في 2023.. عوامل قوة أم ضعف؟

الصفحة الرئيسية

 

العوامل المؤثرة في التجارة العالمية في 2023.. عوامل قوة أم ضعف؟

 

شهدت التجارة العالمية خلال السنوات الأخيرة مجموعة من الأزمات التي أظهرت أن نظام التجارة العالمي غير مستقر، كان أبرز هذه الأزمات خلال السنوات الأخيرة أزمة جائحة كوفيد-19 وما نتج عنها من اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، وعلى إثر ارتفاع الطلب العالمي بعد تعافي الاقتصادات من آثار الجائحة ارتفعت أسعار الشحن إلى مستويات قياسية. وفي 2022، تأثرت التجارة العالمية وسلاسل الإمداد سلبًا بالأزمة الروسية الأوكرانية. وفي هذا الإطار، يستعرض هذا المقال وضع التجارة العالمية في 2022، والعوامل التي يُتوقع أن تؤثر على التجارة العالمية في 2023.

 

كيف كان وضع التجارة العالمية في 2022؟


تعرضت التجارة العالمية لصدمات كبيرة في عام 2022، حيث كان للأزمة الروسية الأوكرانية أثر بالغ في اضطراب سلاسل الإمداد، ويعتبر من أكبر تداعيات الأزمة على التجارة العالمية ارتفاع أسعار السلع، وأبرزها السلع الزراعية، والمعادن والطاقة. وأدى ارتفاع الأسعار نتيجة الأزمة إلى ارتفاع معدلات التضخم في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، أدت الأزمة إلى ارتفاع تكاليف الشحن إلى مستويات قياسية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة عالميا. وبشكل خاص أثرت الأزمة على الأمن الغذائي للاقتصادات الناشئة؛ حيث تعتبر كل من أوكرانيا وروسيا من بين الموردين الرئيسيين للسلع الزراعية في العالم، وخاصة الحبوب والزيوت، حيث توفران معًا أكثر من 30٪ من الصادرات العالمية من القمح، و32٪ من الشعير، و17٪ من الذرة، وأكثر من 50٪ من زيوت عباد الشمس والبذور. ولم تتأثر سلاسل الإمداد والتجارة العالمية في 2022 بالأزمة الروسية الأوكرانية فقط بل كان لتبني الصين لسياسة "صفر كوفيد" والإغلاقات المتكررة دور في تعطيل سلاسل التوريد.


على الرغم من الحرب في أوكرانيا والآثار الممتدة لجائحة كورونا، شهدت التجارة العالمية لكل من السلع والخدمات نموًا قويًّا في 2022، حيث ارتفعت بمعدل نمو قدره 12٪ لتصل إلى مستوى قياسي جديد يقدر بنحو 32 تريليون دولار. وفيما يتعلق بتجارة السلع، فقد ارتفعت بنسبة 10 ٪ عن العام الماضي لتصل إلى ما يقدر بنحو 25 تريليون دولار. ونمت تجارة الخدمات بنسبة 15٪ لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 7 تريليونات دولار. ويرجع ارتفاع التجارة العالمية إلى هذه المستويات القياسية إلى النمو القوي في النصف الأول من عام 2022، في حين تباطأ نمو التجارة خلال النصف الثاني من عام 2022. ويوضح الرسم البياني التالي الانخفاض في معدل نمو التجارة العالمية للسلع والخدمات بدءا من النصف الثاني من عام 2022، وجدير بالإشارة أن هذا الانخفاض من المتوقع أن يستمر خلال 2023.

 




ما العوامل المؤثرة على التجارة العالمية في 2023؟


 تشير توقعات المنظمات الدولية إلى أن تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم سيؤدي إلى إعاقة نمو التجارة العالمية في 2023، وجدير بالإشارة أنه تم تخفيض توقعات النمو الاقتصادي العالمي لعام 2023 بسبب الضغوط التضخمية، والارتفاع القياسي لأسعار الطاقة، والسياسة النقدية التشددية التي أدت إلى رفع أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم، والأزمة الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي. وفي خضم ذلك يثور تساؤل حول ماهية العوامل التي يُتوقع أن تؤثر على التجارة العالمية في 2023.


من المتوقع أن يتأثر نظام التجارة العالمي في 2023 بمجموعة من العوامل السياسة والاقتصادية، وأبرزها سياسة بايدن التجارية، حيث سيواصل الرئيس "جو بايدن" الحرب التجارية التي خاضها الرئيس السابق "دونالد ترامب" عندما فرض قيودًا على الصادرات الصناعية الرئيسية، وقدم دعمًا ضخمًا للتجارة، وفرض تعريفات على صادرات صينية قيمتها مئات المليارات من الدولارات. وجدير بالذكر أن سياسة بايدن التجارية ستكون لها آثار واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي. ومن المتوقع أن تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية تقوم على تقديم الدعم للصناعات الأمريكية التي تخلق فرص عمل، وفرض المزيد من قيود التصدير القوية والحواجز التجارية بهدف إبطاء نمو الاقتصاد الصيني. ويُتوقع أن يكون لهذه السياسات دور في إعادة تشكيل العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بطريقة ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتقليل الإنتاجية العالمية.


بجانب سياسة بايدن التجارية تجاه الصين، سيكون لتصاعد التوترات التجارية عبر الأطلسي دور في تشكيل التجارة العالمية في 2023، ويُتوقع أن تقوم الولايات المتحدة خلال العام الحالي بإقناع الاقتصادات الرئيسة، على وجه الخصوص الاتحاد الأوروبي، للانضمام إلى استراتيجية الاحتواء الصينية، ففي حال نجحت الولايات المتحدة في إقناعهم سيلعب ذلك دورًا محوريًّا في رسم خارطة التجارة العالمية خلال 2023. ولا تزال الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة -وخاصة ألمانيا وفرنسا- متشككة بشأن استراتيجية بايدن تجاه الصين ومتحفظة بشأن السياسات الحمائية للصناعة الأمريكية. وقد توترت العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بسبب قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة، والإعانات، والتخفيضات الضريبية لتشجيع صناعة السيارات الكهربائية وغيرها من الصناعات الخضراء؛ حيث أثارت هذه السياسات والحوافز مخاوف بشأن القدرة التنافسية الصناعية للاتحاد الأوروبي. في حين أن الحرب التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة غير مرجحة، لكن في حال قرر الاتحاد الأوروبي تصعيد هذه الخلافات إلى منظمة التجارة الدولية (WTO) سيكون ذلك بمثابة علامة قوية لوجود خلافات مع الولايات المتحدة، في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة على بناء تحالف دولي لكبح النفوذ الصيني العالمي. وعلى الصعيد الآخر، يمكن أن تقوم كل من  الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بحل هذا النزاع من خلال تعديل ومواءمة حوافز صناعة السيارات الكهربائية بشكل أفضل، مما قد يضعف من القدرة التنافسية للصين كمصدر للمركبات الكهربائية، ولكن على حساب احتمال إثارة تحديات منظمة التجارة العالمية في المستقبل، سيكون حل هذه الخلافات أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للرؤية الاستراتيجية الأمريكية طويلة المدى لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، ومن أجل استقرار علاقتها التجارية مع دول هذه المنطقة، والبالغة قيمتها 1.1 تريليون دولار.


وخلال العام الحالي ستكون سياسة دعم الصناعة من العوامل التي ستؤثر على التجارة العالمية، حيث ظهر ما يعرف بحرب الدعم العالمية. وسابقا كانت الصين تقدم مخصصات مالية ضخمة لدعم القطاعات الصناعية المتطورة، مثل الطاقة النظيفة وأشباه الموصلات، في حين لم تقم الولايات المتحدة آنذاك بتقديم نفس الدعم للصناعة فإنه حاليا تقوم إدارة بايدن الآن بتنفيذ أكبر مبادرات دعم التصنيع في الولايات المتحدة منذ عقود. وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تتبنى سياسة صناعية في الوقت الحالي تقوم على تشجيع الشركات على نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة، مما يدفع الصين وأوروبا والاقتصادات الكبرى الأخرى لتبني نفس السياسة. ومع تسابق الدول المتقدمة لتقديم الدعم لقطاعاتها الصناعية، يُتوقع أن تتضرر الدول النامية المثقلة بالديون وغير القادرة على تقديم نفس المخصصات الضخمة لدعم الصناعة، ومن ثم زيادة صادراتها.


في خضم ذلك يثور تساؤل: ما الأضرار المتوقعة من هذا الانقسام التجاري؟


يُتوقع أن يتجه العالم نحو حقبة جديدة من التكتلات التجارية المنفصلة بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، مع تسارع هذا النمط، سيؤدي ذلك إلى تقليل الحواجز التجارية بين الدول داخل كل تكتل على حدة، مع زيادة التكاليف والحواجز التجارية للدول خارج كل تكتل.  وقد يؤدي ذلك إلى تضرر الإنتاج العالمي خلال عام 2023، وتشير التوقعات أنه قد ينخفض إلى 5%. وبجانب تضرر الإنتاج العالمي، يُتوقع أن تبلغ خسائر الاقتصاد العالمي، نتيجة الحواجز والقيود التجارية المفروضة على الصين وغيرها من الدول، حوالي 1.4 تريليون دولار، مما يشير إلى أهمية العمل على تخفيض الحواجز التجارية بين الدول.  وختاما، يمكن القول بأن منظمة التجارة العالمية ونظامها سيتعرض لاختبار حاسم خلال هذا العام، حيث ترفض الولايات المتحدة شرعية المنظمة كحكم محايد للسياسات التجارية الأمريكية، وفي الوقت نفسه أعلنت الولايات المتحدة رغبتها في تقوية دور المنظمة وإعادة إحيائه. وفي حالة عدم تغير سياسة بايدن تجاه منظمة التجارة العالمية، فإن ذلك سوف يشكل تهديدًا لدور المنظمة.

google-playkhamsatmostaqltradent