واشنطن تتحرك عسكريا في آسيا وبكين «تعقب» واقعة «المنطاد الصيني»تحرج إدارة بايدن ومدير الـ « CIA » يحذر
كتب_صالح العواد
«المنافسة مع الصين ستكون أشد من المنافسة مع الاتحاد السوفيتي»، هكذا لخص مدير الاستخبارات الأمريكية (CIA) وليم بيرنز، خلال محاضرته في جامعة جورج تاون، الموقف الأمريكي تجاه الصين، التي كانت حديث الشارع الأمريكي والعالم، بعد اكتشاف منطاد صينى، يحلّق في سماء ولاية كارولينا الجنوبية.
وتمكن الجيش الأمريكي من إسقاط المنطاد الصينى في سماء كارولينا الجنوبية، بعد تحرك مقاتلات جوية، وسفن حربية إلى موقع المنطاد، مصحوبة بقرار فيدرالي، تم بموجبه وقف حركة الطيران بـ3 مطارات بسبب عملية إسقاط المنطاد، بعدما وضعت وزارة الدفاع الأمريكية خطة الإسقاط.
كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، علّق على التوجه المرتقب تجاه المنطاد الصينى، قائلًا: «ندرس الملف، وسنتولى الأمر» وسط مزاعم تشير إلى أن «مهمة المنطاد تجسسية» بينما الرواية الصينية تقول إنه «يرصد الطقس»، ونقلت وكالة أسوشيتد برس، عن مصادر أمريكية (قبل إسقاط المنطاد) أن الإدارة الأمريكية تدرس إسقاط المنطاد فوق الأطلسي وانتشال حطامه، لاحقًا.
وقال مسئولون أمريكيون إن «مهمة المنطاد الصيني، التجسس على مواقع عسكرية أمريكية»، غير أن مختصين نصحوا الرئيس الأمريكي بعدم تدمير المنطاد «خشية إصابة تجمعات مدنية، نتيجة تساقط الحطام»، فيما أعلنتِ الإدارة الأمريكية عن إلغاء الزيارة المقررة لوزير الخارجية، أنتوني بلينكن، للعاصمة الصينية، بكين، الجمعة، احتجاجًا على اختراق الأجواء الأمريكية بالمنطاد الصينى.
تم الإعلان عن اكتشاف المنطاد في وقت كان يستعد وزير الخارجية الأمريكي للسفر إلى الصين لإجراء مباحثات حول ملفات هامة (يتصدرها الدعم العسكري الصينى لروسيا في حربها على أوكرانيا). وأشارت معلومات إلى أن المنطاد تم اكتشافه وهو يحلّق فوق ولاية مونتانا التي توجد بها قواعد عسكرية لأسلحة نووية، ويوجد بها أيضًا حوالي 150 صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات.
وأغضبتِ الواقعة الإدارة الأمريكية، فيما علّقتِ الصين على حادثة المنطاد بأنه «أُطلق لأغراض علمية، إلا أنه ضل طريقه»، بالتزامن مع غضب صيني، بسبب التصرفات الأمريكية الأخيرة، خاصة إعلان واشنطن عن إنشاء 4 قواعد أمريكية جديدة بالفلبين بمناطق استراتيچية بالبلاد، بالإضافة إلى 5 قواعد أخرى يتواجد بها جنود أمريكيون ليصل عدد القواعد الأمريكية بمانيلا إلى 9 قواعد.
وتأتي التحركات الأمريكية في الفلبين ضمن التحالف الأمني الموقّع بين البلدين، منذ عقود، يشمل معاهدة للدفاع المتبادل واتفاق التعاون الدفاعي المعزز الموقع في 2014، ويسمح للقوات الأمريكية بالتواجد في 5 قواعد فلبينية، لاسيما القريبة من مياه متنازع عليها (كالقاعدة العسكرية في جزيرة، بالوان، المحاذية بحر الصين الجنوبي)، كما يسمح للجيش الأمريكي بتخزين المعدات والإمدادات الدفاعية في تلك القواعد.
وأعربتِ الصين عن استيائها من تلك الخطوة.. وقالت وزارة الخارجية إن ولوج القوات الأمريكية لمزيد من القواعد العسكرية في الفلبين يضر بالاستقرار الإقليمي وسيزيد من التوترات في المنطقة، حيث شهدتِ العلاقات الأمريكية الصينية مزيدًا من التوتر منذ عدة أشهر عقب زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسى بيلوسى لتايوان التي تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها، كما ترى أن تقديم الدعم العسكري لها يمثل استفزازًا للصين.
كان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قد أعلن عن زيادة حجم التدريبات العسكرية مع كوريا الجنوبية، فضلًا عن نشر واشنطن للمزيد من الأصول العسكرية في شبه الجزيرة الكورية والتي ستشمل القاذفات والطائرات المقاتلة. وردت بيونج يانج: «إذا استمرتِ الولايات المتحدة في إدخال أصول استراتيچية إلى شبه الجزيرة الكورية والمنطقة المحيطة بها، فإن كوريا الديمقراطية ستوضح أنشطتها الرادعة دون أن تفشل وفقًا لطبيعتها».
وأشارت إلى أنها سترد بموجب مبدأ «السلاح النووي مقابل السلاح النووي، والمواجهة الشاملة لمواجهة شاملة». وأوضحت كوريا الشمالية أنها مستعدة لمواجهة أي تحديات عسكرية من جانب الولايات المتحدة بـ«القوة النووية الأكبر» وأنها «غير مهتمة بأي حوار مع الولايات المتحدة ما دامت واشنطن تنتهج سياسة عدائية».
جاء هذا التحذير بعد ساعات قليلة من إجراء الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تدريبات جوية مشتركة، تضمنت قاذفات استراتيچية من طرازB-1B، إضافة إلى مقاتلات الشبح من طراز F-22 وF-35B، تابعة للقوات الجوية الأمريكية، في عرض لإرادة واشنطن وقدراتها على توفر قوة ردع موسعة ذات مصداقية ضد التهديدات العسكرية لكوريا الشمالية.
كانتِ اليابان هي الأخرى قد غيّرت استراتيچية دفاعها بإيعاز من الولايات المتحدة لتتحول من القدرة على الدفاع إلى الهجوم، وذكرت صحيفة جابان تايمز اليابانية أن مراجعة استراتيچية الأمن القومي جاءت مع تقدم كوريا الشمالية فى برنامجها النووى وزيادة الصين من حشدها العسكري.
وتلتزم طوكيو وفقًا لاستراتيچيتها الجديدة بتعزيز تصنيع الصواريخ طويلة المدى المحلية وشراء صواريخ أجنبية الصنع، كما تخطط الحكومة لإنفاق 5 تريليونات ين لتطوير القدرات الدفاعية فى السنوات الخمس بداية من السنة المالية 2023. وتنص التعديلات على أنه يمكن لليابان استخدام القوة فى حالة وقوع هجوم مسلح ضد اليابان أو دولة أجنبية على علاقة وثيقة معها، تهدد بقاء طوكيو. كما يجب ألا يكون هناك خيار آخر غير استخدام القوة لتعطيل صواريخ العدو، وأن اليابان ستنسق مع الولايات المتحدة لتنفيذ أي هجوم مضاد.
وأوضحت مصادر إعلامية أيضًا أن الحكومة ستصف أيضًا الأنشطة العسكرية للصين بأنها «تحدٍ استراتيچي» يتعين على اليابان التعامل معه من خلال التنسيق مع الحلفاء والدول ذات التفكير المماثل، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تعزيز النظام الدولي القائم على سيادة القانون.
يربط مراقبون النشاط العسكري الچيوسياسى الأمريكي فى جنوب شرق آسيا بالحرب الروسية فى أوكرانيا، ويرى البعض منهم أن واشنطن تسعى لمحاصرة موسكو من خلال الضغط على الصين وكوريا الشمالية بالتواجد العسكري الأمريكي فى المناطق التي تعتبرها بكين وبيونج يانج امتدادًا لأمنهما القومي، وذلك لعدم مساعدة روسيا فى الحرب بتزويدها بما تحتاجه من أسلحة لتحقيق النصر فى أوكرانيا، إذا نفدت مخازن الروس من الأسلحة بعد استنزافها فى هذه الحرب.
ويرى آخرون أن واشنطن تسعى لحرب عالمية ثالثة تهدف إلى التخلص من صداع صعود الصين اقتصاديًا وعسكريًا وإنهاء المساعي الكورية الشمالية للتهديد بين الحين والآخر بالضغط على الزر النووى الذي يوجد على مكتب الرئيس كيم يانج أون، ولذا جاء المنطاد الصينى ليحلق بالقرب من قاعدة عسكرية داخل أمريكا يتواجد بها صواريخ باليستية عابرة للقارات، ربما لأن بكين قد أدركت خطورة الوضع القائم من تصعيد أمريكي خطير بجنوب شرق آسيا والاستعداد للتصدى لصواريخ باليستية عابرة للقارات إذا اندلعتِ الحرب العالمية المرتقبة.
وأسّس الجيش الأمريكي قاعدته الأولى في محافظة أوكيناوا اليابانية عام 1945، حيث قاتلتِ القوات الأمريكية للسيطرة على الجزيرة الرئيسية في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين، استضافتِ المحافظة غالبية القوات العسكرية الأمريكية المتمركزة في اليابان. عندما عادت أوكيناوا إلى السيادة اليابانية في عام 1972، احتلتِ المنشآت العسكرية الأمريكية حوالي 28000 هكتار من الأراضي في أوكيناوا. منذ ذلك الحين، تفاوضتِ الحكومة اليابانية بنجاح لتقليص هذا بنسبة تقترب من 35٪ لتصل إلى حوالي 18000 هكتار في الوقت الحالي.
لا تزال أوكيناوا ذات أهمية استراتيچية لخطة الطوارئ العسكرية الأمريكية لشبه الجزيرة الكورية ومضيق تايوان، وتواصل أوكيناوا استضافة أكثر من 70٪ من المنشآت العسكرية الأمريكية في اليابان. وتزامن ذلك مع تحذير كوريا الشمالية من زيادة الأصول العسكرية الأمريكية بشبه الجزيرة الكورية وتحويلها إلى ترسانة حربية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية فى بيان «الوضع العسكري والسياسي في شبه الجزيرة الكورية والمنطقة وصل إلى مرحلة خطيرة للغاية بسبب المواجهات العسكرية المتهورة والأعمال العدائية للولايات المتحدة والقوات التابعة لها».