لعلكم تتقون
بقلم: محمد الطويل
خلق الله بن آدم ويعلم سبحانه ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد ؛ لذا وضع له أسس ومحطات إيمانية يتذود منها كل فترة ، حتى يكمل مسيرته ويجتاز الاختبار، فى زمن تتلاطم فيه الفتن كقطع الليل المظلم .. ويأتى فى مقدمة هذه المحطات شهر القرآن ، حيث تهب فى مفتتحه نسائم الايمان وتتهاوى فى سماء الدنيا ، مشتاقة فيه النفوس لنيل الرحمة فى العشر الأول، والمغفرة فى منتصفه ، والتتويج بالنجاة فى حفل الختام ، محققة المراد من أيام معدودات.. لعلكم تتقون لا مناص أننا فى حاجة ماسة لتعلم فن كيف ينقذ الإنسان نفسه من نفسه .. مقاوما شهوتى الفرج والبطن؛ ومحققا قاعدة طبية أشار إليها سيد ولد آدم ولا فخر: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ، وأكد عليها العليم الخبير " كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " والأمر فى القرآن يقتضى دوما الوجوب.. وهل هناك أشد وطأة وعقوبة من كره الخالق للمخلوق ؟؟!! وما أجمل أن يكون الرجل مشدودا كالرمح ؛ وأن توفر المرأة على نفسها كورسات الدايت التى غالبا ما تبوء بالفشل ، وتتجرع بسببها الوان المشقة والتعب؛ فضلا عن الرحمة بالميزانيات المهترئة، والاقتصاد المنزلى الذى أصبح فيه لزجاجة الزيت والفرخة كرامة وهيبة لا تخفى على أحد.
الصيام درس الانضباط والأدب والطاعة، مع الاحساس بالآخر خاصة الفقراء، ولو كان الهدف هو التوتر والنوم أغلب النهار لما تحققت أعظم الانتصارات بهذا الشهر الكريم، لذلك عليك خلال أيامه أن تسأل نفسك عن حالك؛ وهل قاومت ما تحب وتحملت ما تكره، هل أنت مع المجتهدين الطائعين أم مع النائمين المتوترين.. كثيرون يتضررون من الصيام ويثيرون الاسئلة العقلية المحضة، كسؤال: هل يخلق الله لنا المعدة وفما وأسنانا ثم يقول صوموا تصحوا.. وكيف يخلق لنا الجمال ثم يقول غضوا أبصاركم ؟! هل هذا معقول؟! نعم معقول بل هو عين العقل.. فمثلا الله يعطيك الحصان لتركبه لا ليركبك وجسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه وتحكمه وتلجم شهواته وهواه، ولجام المعدة وقيادة الهوى للحق هما العلامة الأولى على الإنسانية، فالعلى القدير خلق لنا الشهوة لنتسلق عليها متطلعين إلى هدف وغاية أسمى وأرفع هى رضا رب الكمالات، مع التلذذ بالأنس به "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه".. لعلكم تتقون