كحك العيد عند قدماء المصريين
كتب - تامر عبد الحليم
كتب د/ محمد إبراهيم المتخصص في علم المصريات والحضارات القديمة عن "كحك العيد"عبر حسابه على الفيسبوك قائلا: "منذ أربعة أو خمسة عقود في تلك الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك كنا نتذكر أمهاتنا وعماتنا وخالتنا وهن يفترشون الأرض حول الطبلية الخشب، ويمسكن المناقيش في أيديهن، ويقمن بصنع الكحك والبسكويت والقرص".
وكان الأطفال الصغار يحملون الصاجات فوق رؤوسهم في شموخ ،ويذهبون إلى الفرن لتسوية الكحك، وكانت رائحة السمن البلدي واليانسون والشمر تملأ طرقات الشوارع والحواري وتداعب الأنوف، والبطون، وتتبارى النساء في توزيع الكحك بسكر البودرة على الجيران والتفاخر فيما بينهن بصنع أيديهن، وكانت هذه المظاهر الاحتفالية في صناعة الكحك تواكب أيام عيد الفطر.
إن صناعة كحك العيد في الأعياد من أقدم العادات التي عرفت عند المصريين القدماء ثم اقتصرت على عيد الفطر منذ أيام الفاطميين، ولو نظرنا إلى كلمة "كحك" سنجدها كلمة مصرية قديمة تعني :(منقوش)، ومنها جاءت كلمة "كعك" العربية (Cake) الإنجليزية لو نطقنا الألف عينا، ويرجع صنع الكحك إلى العصور المصرية القديمة؛ حيث كانوا يضعونه مع الموتى داخل المقابر وكانوا ينقشون على الكحك رسم قرص الشمس رمز الإله "رع" والتي كانت من مظاهر الكون المقدسة في مصر القديمة؛ حيث نجد الكحك يأخذ الشكل المستدير الكامل، وينقش بخطوط مستقيمة مثل أشعة الشمس الذهبية.
ومن هنا كانت فلسفة القرص المستدير الشكل الذي وصلنا في العصور الحديثة؛ حيث ما زالت السيدات يقمن بنقش الكحك على شكل قرص الشمس، وكان المصريون القدماء هم أول من عرفوا تقويم السنة الشمسية وهو أقدم تقويم في البشرية أهدته مصر للعالم، و يحتفلون بالأعياد آخر( ٥) أيام في السنة، وكان أول يوم في العيد يسمى عيد "أوزوريس" ومن أبرز مظاهره زيارة الموتى وتوزيع الكعك.
وثاني أيام العيد كان يسمى عيد "ست" وهو عيد الشراب والنبيذ"؛ حيث الفراعنة هم أول من صنعوا النبيذ من العنب"، و ثالث أيام العيد كان يسمى عيد "حورس" وكان الفراعنة يخرجون فيه بالمراكب في النيل ويستمتعون بالرقص على الأغاني والموسيقى، و رابع يوم كان يسمى"إيزيس" وفيه كان يتم ختان الذكور، وخامس أيام العيد كان باسم الملكة "نفتس" وهو عيد الزهور، وهي ملكة كانت رمز الأناقة والجمال، كانت صناعة الكحك لا تختلف كثيرا عن صناعته الحالية؛ مما يؤكد أن صناعته امتداد للتقاليد الموروثة.
وقد وردت صور مفصلة لصناعة كحك الاعياد في مقابر طيبة ومنف من بينها ما صور على جدران مقبرة (رخمي _ رع) من الأسرة الثامنة عشرة، وتشرح كيف كان عسل النحل يخلط بالسمن ويقلب على النار ثم يضاف على الدقيق ويقلب حتى يتحول إلى عجينة يسهل تشكيلها بالأشكال التي يريدونها ثم يرص على ألواح صاج دائرية ويوضع في الأفران كما كانت بعض الأنواع تقلى في السمن أو الزيت، وكانوا يشكلون الكحك على شكل أقراص أو بمختلف الأشكال الهندسية والزخرفية كما كان البعض يصنعه على شكل حيوانات أو أوراق الشجر والزهور ولا تختلف كثيرا عما هو مألوف حاليا.
كما كانوا يقومون بحشو الكحك بالتمر المجفف (العجوة) أو التين ويزخرفونه بالفواكه المجففة كالنبق والزبيب أو الفطير الذي يصنعونه خصيصا عند زيارة المدافن في الأعياد - والذي يطلق عليه العامة اسم (الشوريك) كانوا يشكلونه على شكل تميمة ست (عقدة إيزيس) وهي من التمائم السحرية التي تفتح للميت أبواب الجنة للعبور إلى الحياة الأخرى، ومازالت صناعة الكحك حتى يومنا هذا، ولكنها لم تعد تصنع في البيوت، وأصبحت لها محال ومخابز متخصصة لصناعتها وأصبحت أسعارها باهظة الثمن مع اندثار مظاهر الاحتفال بالعيد.