إعلان

recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

تايوان: الوضع الراهن وآفاق المستقبل في ظل الصراع الإقليمي والتحديات الدولية


 

تايوان: الوضع الراهن وآفاق المستقبل في ظل الصراع الإقليمي والتحديات الدولية

 

 

تعد تايوان دولة ذات أهمية استراتيجية كبيرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تتمتع بموقع جغرافي مهم، كما تمتلك اقتصادًا قويًّا ومتنوعًا، وتتمتع بمستوى عالٍ من التطور التكنولوجي والإبداع. كما أنها تحظى بأهمية تجارية كبيرة، حيث تمتلك علاقات تجارية واستثمارية وثيقة مع العديد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. فقد تم إطلاق أُطر للتعاون في عدة مجالات بين الولايات المتحدة وتايوان، وهو ما ساهم في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين. وعلى الرغم من الصراع المستمر بين تايوان والصين، فإن العلاقات التجارية بين الدولتين لا تزال حيوية، حيث تعتبر الصين أكبر شريك تجاري لتايوان، وتشمل هذه العلاقات تجارة السلع والخدمات والاستثمارات الأجنبية المباشرة. ومن هذا المنطلق سوف نستعرض في هذا المقال الأهمية الاستراتيجية لتايوان لكونها دولة محل نزاع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، مع استعراض حجم التجارة بين تايوان والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على حجم التجارة بين الصين وتايوان، وأخيرًا استعراض تاريخ الصراع بين تايوان والصين وكذلك التحديات.


أولًا- الأهمية الاستراتيجية لتايوان في المنطقة:


تتمتع تايوان بموقع استراتيجي مهم، إذ تقع بالقرب من بحر الصين الشرقي والجنوبي وبحر الفلبين، وتبعد قليلاً عن جزر اليابان، كما أن ما يقرب من 90% من التجارة الصينية واليابانية والكورية التي تتجه إلى آسيا والشرق الأوسط والهند تمر عبر مضيق تايوان، مما يمنح أي شخص يحكم الجزيرة ميزة استراتيجية كبيرة في المنطقة. وفي السياق ذاته، تمتلك تايوان اقتصادًا مزدهرًا، إذ تم توسيعه بشكل كبير خلال العقود الأخيرة ليصل إلى قيمة 775 مليار دولار في عام 2021. وتجدر الإشارة إلى أن تايوان تشكل تقريبًا نحو 60-65٪ من سوق رقائق الشرائح الإلكترونية في العالم، وتلعب دورًا حيويًّا في تلبية احتياجات دول العالم من هذه الرقائق، بما في ذلك الصين. علاوة على ذلك، تحتل المرتبة 22 عالميًّا كأكبر الاقتصادات، ويمكن القول إن تايوان تمثل عاملاً مهمًا في الاقتصاد العالمي.


ثانيًا- حجم التجارة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان:

 

تايوان: الوضع الراهن وآفاق المستقبل في ظل الصراع الإقليمي والتحديات الدولية



العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية بين الولايات المتحدة وتايوان تترابط بشكل عميق ومتزايد، وتلعب دورًا مهمًا في تعزيز المصالح المشتركة وتوفير فرص اقتصادية جديدة للدولتين. في عام 2020، تم إطلاق حوار شراكة الازدهار الاقتصادي بين الدولتين، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات أمن ومرونة سلاسل التوريد والاستثمار والصحة والعلوم والتكنولوجيا الرقمية. حيث تعتبر تايوان ثامن أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وتعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري لتايوان، وقد ساهمت صادرات الولايات المتحدة إلى تايوان في عام 2019 في خلق نحو 188 ألف وظيفة في الولايات المتحدة. وفي عام 2021، أطلقت وزارة التجارة الأمريكية إطار تعاون التكنولوجيا والتجارة والاستثمار مع تايوان؛ بهدف تعزيز العلاقات التجارية وتطوير برامج تجارية واستكشاف إجراءات جديدة لتحسين سلاسل التوريد الحيوية. ويُقَدَّر أن الاستثمار التراكمي للشركات التايوانية في الولايات المتحدة بلغ ما يقرب من 137 مليار دولار في عام 2020، وتركز هذا الاستثمار في قطاعات التصنيع وتجارة الجملة ومؤسسات الإيداع، ويسهم بشكل مباشر في خلق نحو 21 ألف وظيفة في الولايات المتحدة، وزيادة الصادرات الأمريكية بقيمة 1.5 مليار دولار. كما يُظْهِر إطار التجارة والاستثمار (TIFA) بين ممثلي الولايات المتحدة وتايوان، بالإضافة إلى استئناف اجتماعات مجلس TIFA الدورية، التزام الدولتين المشترك بتعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع فرص الاستثمار والتجارة بينهما.

 




تلعب الولايات المتحدة دورًا حيويًّا في دعم الأمن في تايوان من خلال تقديم المعدات العسكرية الحاسمة لتعزيز قدرة تايوان على الدفاع عن النفس. وتشير خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكية إلى أن إجمالي تجارة السلع بين الولايات المتحدة وتايوان بلغ 114.1 مليار دولار في عام 2021. وتعد الآلات الكهربائية والمركبات والبلاستيك ومنتجات الحديد والصلب أهم المنتجات التي تصدرها تايوان إلى الولايات المتحدة، وفقًا لبيانات الحكومة الأمريكية. ومن المهم الإشارة إلى أن العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتايوان تحظى بدعم شديد من الكونجرس الأمريكي والرأي العام الأمريكي.

 

ثالثًا- الشراكة التجارية بين الصين وتايوان:


وفيما يتعلق بالشراكة التجارية بين الصين وتايوان، تعتبر الصين هي الشريك التجاري الأكثر أهمية لتايوان، حيث تم تصدير أكثر من 40% من صادرات تايوان إلى الصين في عام 2021، ونحو 22% من واردات تايوان تأتي من الصين.

 




بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ تايوان من بين أكبر المستثمرين على البر الرئيس للصين، عن طريق الشركات التايوانية، مثل: (Hon Hai Precision Industry) المعروفة باسم" Foxconn فوكسكون"، التي تجمع هواتف آيفون من آبل، بالإضافة إلى الأجهزة الإلكترونية للعديد من العلامات التجارية العالمية الرائدة، والتي توظف مئات الآلاف من العمال هناك. وقد استثمرت الشركات التايوانية نحو 194 مليار دولار في إجمالي 44577 مشروعًا صينيًا منذ عام 1991 وحتى نهاية مايو 2021. ولكن في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد التوترات، سعت الصين إلى إضعاف تايوان اقتصاديًّا من خلال خفض السياحة إلى تايوان، وكذلك سعيها لإبعاد تايوان عن التجارة الدولية.

 

رابعًا- تايوان والصين: تاريخ الصراع وتحديات الاستقرار الحالية

 




يعود التنازع على تايوان إلى نهاية الحرب الأهلية الصينية في عام 1949، عندما استسلم زعيم الحزب القومي "شيانج كاي شيك" للشيوعيين بزعامة "ماو تسي تونج" وانتقل الحكم في الصين إلى الحزب الشيوعي. وفي ذلك الوقت، دعمت الولايات المتحدة "شيانج" كزعيم شرعي للصين، ومع سعي الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" إلى إقامة علاقات مع بكين في السبعينيات. كانت النتيجة أن اعترفت واشنطن بجمهورية الصين الشعبية باعتبارها "الحكومة الشرعية الوحيدة للصين" وفقا لمبدأ "سياسة الصين الواحدة"، دون توضيح موقفها من سيادة تايوان، وبعد ذلك، تسامحت الصين مع العلاقات الأمريكية غير الرسمية مع تايوان، ولكن الصين أكدت حقها في استعادة تايوان بالقوة لمنع استقلالها. ومنذ ذلك الحين، ظلت العلاقات بين الصين وتايوان متوترة بسبب استمرار المطالبة الصينية بسيادتها على تايوان، في حين يرفض الجانب التايواني هذا الأمر ويعتبر نفسه دولة مستقلة.


وفي الآونة الأخيرة، على الرغم من العلاقات الاقتصادية القوية بين تايوان والصين، فإن انتخاب "تساي إنج وين" لرئاسة تايوان في عام 2016، والتي كانت زعيمة حزب الديمقراطي التقدمي، الذي يؤيد استقلال تايوان عن الصين، أدى إلى تعزيز العلاقات الأمريكية وتقليل الاعتماد على الصين. وردًا على هذه التحركات، قامت الصين بقطع الاتصالات ومنع السفر والضغط على الشركات متعددة الجنسيات لمراجعة سياساتها في التعامل مع تايوان، كما أجرت الصين مناورات عسكرية واسعة النطاق واختبارات صاروخية حول تايوان. ومع تطور الأحداث الأخيرة، توصلت الولايات المتحدة وتايوان إلى اتفاق لتعزيز العلاقات التجارية بينهما، وهذا يعد جزءً من توجه أوسع لتعزيز العلاقات التجارية في ظل التوترات المتزايدة مع الصين. وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق ليس اتفاقية رسمية للتجارة الحرة، فإنه يهدف إلى تبسيط الجمارك وتحسين اللوائح. ومن جانبها، نددت الصين بهذه المحادثات التجارية.


وفي السياق ذاته، تتركز التوترات بين الصين وتايوان في الاقتصاد والسياسة، كما أنها من الممكن أن تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي. ومن المتوقع أن يتسبب التوتر في تباطؤ النمو الاقتصادي وتحديات لسلسلة التوريد العالمية، وزيادة التوترات الجيوسياسية وتغيير في أسعار النفط والسلع الأولية، وتغيير في التوجهات الاستثمارية. وينبغي التعامل مع هذه التوترات بحرص وحكمة، والسعي إلى إيجاد حلول سلمية لها من خلال الحوار والتفاهم بين الأطراف المعنية.


ختامًا، في حالة توقيع اتفاق تجاري رسمي بين الولايات المتحدة وتايوان يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوتر مع الصين، حيث تُعتبر تايوان قضية حساسة بالنسبة للصين منذ فترة طويلة، وتعتبر جزءً من أراضيها الصينية. ويمكن أن يعتبر أي تدخل في هذه القضية، خاصة من قبل الولايات المتحدة، تدخلا في الشؤون الداخلية للصين، وبالتالي يمكن أن يتسبب في تصعيد التوتر بين الدول. ويمكن أن يؤدي التصعيد في التوتر بين الصين وتايوان إلى آثار سلبية على الاقتصاد العالمي والاستقرار السياسي والأمني في المنطقة.  وفي النهاية، على الرغم من الصراع المستمر بين تايوان والصين، فإن العلاقات التجارية بين الدولتين لا تزال حيوية، حيث تعتبر الصين أكبر شريك تجاري لتايوان. كما يجب على الدول أن تأخذ بعين الاعتبار الآثار السلبية المحتملة لأي إجراء يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوتر، وأن تعمل بروح الحوار والتفاهم لتحقيق الاستقرار الإقليمي في المنطقة وحول العالم.



تايوان: الوضع الراهن وآفاق المستقبل في ظل الصراع الإقليمي والتحديات الدولية

google-playkhamsatmostaqltradent