recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

إعلان

ظاهرة زواج القاصرات.. الأسباب والتوصيات المقترحة


 

ظاهرة زواج القاصرات.. الأسباب والتوصيات المقترحة

 

رغم الخطوات الجادة التي خطاها العالم للحد من انتهاك حقوق الإنسان، ما زالت هناك أبواب لم تغلق بعد، ويأتي من ضمنها: حرمان الفتيات من التمتع بحقوقهن كأطفال، وتزويجهن بشكل قسري في مرحلة طفولتهن. فعلى الرغم من وجود هدف أممي للتنمية المستدامة يدعو إلى "تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات"، من خلال عدة طرق منها ضرورة القضاء على جميع الممارسات الضارة من قبيل زواج الفتيات القُصَّر، جاء تقرير لمنظمة اليونيسف ليوضح أن العالم على بعد 300 عام على الأقل من إنهاء زواج الأطفال، مع توقع وجود أكثر من 9 ملايين فتاة معرضة لزواجها في مرحلة الطفولة في عام 2030، إذا لم يتصرف العالم بشكل حاسم لإنهاء زواج الأطفال.


زواج الأطفال.. ظاهرة أنثوية

 

يُعرف القاصـر قانونيًّا بأنه أي فرد لـم يبلـغ سـن الـزواج وما زال في سن الطفولة التي حددتها المواثيـق الدوليـة بأنها ما دون عمـر 18 عامًا، وبالتالي فإنه فرد لم يكتمل نضوجه الفكري والجسماني والنفسي، بالإضافة إلى أنه فـي حاجـة إلـى رعايـة وحمايـة وغير مؤهل بعدُ لتحمُّـل المسـؤولية.


كما تُعرِّف منظمة اليونيسف زواج الأطفال على أنه "أي زواج رسمي أو أي ارتباط غير رسمي بين طفلٍ تحت سن 18 عامًا وشخص بالغ أو طفل آخر". وقد اقترنت تلك الظاهرة بالفتيات بشكل أكثر من الذكور؛ نظرًا لأن عدد الإناث المشمولات في زواج القاصرات يفوق عدد الذكور كثيرًا؛ حيث تتزوج ثلث الفتيات تقريبًا في البلدان النامية (عدا الصين) قبل بلوغهن 18 عامًا، وذلك وفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان.


أسباب ظاهرة زواج الفتيات القُصَّر


الحديث عن أسباب تزويج الفتيات في مرحلة طفولتهن، لم يعد منعزلًا عن تداعيات انتشار الفقر والعوز وعدم الاستقرار الاجتماعي والأمني بجانب فشل عمليات الحداثة والتنوير في التغلب على بعض الثقافات المتوارثة.

 

1. فقر الأسر:


تنتشر حالات زواج الأطفال في الدول الفقيرة؛ نتيجة إحساس العائلات في تلك الدول بانعدام الأمن وعدم قدرتها على سد احتياجات أبنائها الأساسية للبقاء على قيد الحياة، بما يدفعها لتزويج بناتها في سن مبكرة كضمانة اجتماعية لهن من مخاطر الفقر والعوز. وتظهر الخريطة التالية حول انتشار زواج الفتيات أقل من 18 سنة مدى انتشار الظاهرة في الدول النامية والفقيرة مقابل تراجع بشكل واضح في الدول الغنية والمتقدمة وفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان.

 

ورغم وجود تلك الظاهرة لدى الأسر الغنية، فإن نسبة تجنُّب الفتيات الزواج المبكر من الأسر الغنية تبلغ نحو ثلاثة أضعاف الفتيات من الأسر الفقيرة.

 

2. زيادة معدلات النمو السكاني:


في ظل الارتباط بين الفقر والنمو السكاني، فقد أصبح ارتفاع عدد أفراد الأسر دافعًا للآباء لتزويج فتياتهم في سن مبكرة، من أجل تخفيف الأعباء المالية عن كاهلهم، وهو ما يجعلنا نربط بين ترجيح تقرير زواج الأطفال الصادر عن منظمة اليونيسف تزايد حالات زواج الفتيات في إفريقيا حتى 2030 وذلك على عكس الاتجاه المتراجع في باقي المناطق حول العالم، بالتوازي مع توقعاته بشأن حدوث نصف النمو السكاني العالمي حتى عام 2050 في القارة الإفريقية.

 

ظاهرة زواج القاصرات.. الأسباب والتوصيات المقترحة


 

3. النزاعات والصراعات والنزوح:


تلعب حالات النزوح والهجرة بسبب انتشار الأوبئة، والصراعات، وتغير المناخ، دورًا في انتشار ظاهرة زواج الفتيات بين اللاجئين؛ حيث يجبر الفقر المدقع بين النازحين الذين لا يحصلون على مساعدات إنسانية كافية بعض الأهالي على تزويج أطفالهم، وكذلك فإن فقدان أرباب الأسر والعائلات في ظل الصراعات والكوارث، يؤدي إلى ترك الفتيات وراءهم كأيتام، وهو ما يزيد من احتمالية زواجهن في سن مبكرة.


وتُجدر الإشارة إلى التحذير الذي أطلقته الدراسة المسحية التي أجراها كلٌّ من صندوق الأمم المتحدة للسكان والجامعة الأمريكية في بيروت وجمعية سوا للتنمية والإغاثة، والتي أفادت بحدوث زيادة مقلقة في نسبة زواج الأطفال بين الفئات الأكثر استضعافًا من اللاجئين السوريين في لبنان.

 

4. الثقافة المجتمعية والأعراف:

 

ينظر العديد من المناطق الجغرافية، وخاصة في المجتمعات الفقيرة والمتخلفة، إلى الفتيات نظرة دونية، باعتبارهن عبئًا يجب أن تسرع الأسرة بالتخلص من مسؤوليتهن وتزويجهن في سن مبكرة، وذلك باعتبار الزواج هو مصدر الحماية الاجتماعية لهن.

 

الزواج المبكر للفتيات.. انتهاك حقوق متخطي الأجيال


لا شكَّ أن تزويج طفلة وجعلها تتحمل مسؤولية منزل وأسرة أمر لا يحمل أي انعكاسات إيجابية مطلقًا، بل على العكس هو بمثابة انتهاك حقوق أكثر من جيل، بدءًا من جيل الفتيات اللاتي أصبحن (أمهات أطفال)، وكذلك جيل النشء الذي تحملت مسؤوليته تلك الأمهات الأطفال؛ حيث ينتج عنه:

تراجع الصحة الإنجابية للفتاة؛ نظرًا لارتفاع نسب حملها المبكر في ظل عدم اكتمال بلوغها الجسدي بما يعرضها لعواقب صحية خطيرة، تتمثل في ارتفاع احتمال موت الأم أو تعرضها لمخاطر طبية تمتد إلى فترة ما بعد الحمل والولادة، مرتبطة بتراجع مناعتها وارتفاع فرص تعرضها للأوبئة والأمراض الخطيرة، بجانب احتمالية وفاة الطفل الرضيع في السنة الأولى من عمره.

ظاهرة زواج القاصرات.. الأسباب والتوصيات المقترحة


وجود جيل جديد متدني القدرات: زواج الفتاة قبل اكتمال مداركها الفكرية والذهنية، بجانب عدم التحاقها بالمسار التعليمي، يجعلها غير مؤهلة لتحمل رعاية أسرة وأطفال؛ نتيجة افتقادها لأساليب التربية السليمة؛ بما يخلق جيلًا جديدًا غير سوي يتصف بالجهل، والفقر، وافتقاد الثقة بالنفس، وأمراض نفسية أخرى للأطفال.

مزيد من النمو السكاني: النمو السكاني سبب ونتيجة مباشرة للزواج المبكر للفتيات؛ في ظل افتقاد الفتاة قدرتها على اتخاذ قرار باستخدام وسائل تنظيم الأسرة، سواء لجهلها بتلك الوسائل أو بسبب افتقادها للقدرة على اتخاذ هذا القرار وإرغامها على حمل قسري.

ظهور المشكلات المرتبطة بعدم تكافؤ الزواج: كالإيذاء والعنف الجسدي، وكذلك زيادة احتمال الطلاق وما يرتبط به من آفات ومشكلات اجتماعية، ومن ثم الدخول في حلقة مفرغة من الظواهر الاجتماعية الخطيرة الناجمة عن الطلاق كتعريض الفتاة وأطفالها لمخاطر التشرد.

 

زواج القاصرات.. ظاهرة مرفوضة دوليًّا وأخلاقيًّا


هناك تأكيد من قبل عدد كبير من الفقهاء لضرورة اكتمال بلوغ الفتاة قبل زواجها، بغض النظر عن سنها -آنذاك-؛ نظرًا لاختلاف التكوين الجسدي من فتاة لأخرى ومن بيئة لأخرى.

وهو ما يتفق مع النسق القانوني والأخلاقي الرافض لزواج الفتاة القاصرة واعتباره شكلًا من أشكال العنف ضد الطفل؛ سواء الطفلة التي تزوجت في مرحلة الطفولة أو أطفالها الذين يفتقدون البيئة والمناخ الجيدين للتربية السليمة.


كما نصت المادة 16 من اتفاقية حقوق الطفل على أنه "لا يجوز أن يُجرى أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته".


وبالمثل تنص المادة (17) من قانون الطفل على اعتراف الدول الأطراف بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي. فيما أكدت المادة (24) اعتراف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه.


وإلى جانب اتفاقية حقوق الطفل، نصت أيضًا  اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة  (السيداو) على حرية المرأة في اتخاذ قرار زواجها واختيار الزوج.


زواج القاصرات.. ظاهرة عالمية


فيما يتعلق بتقرير اليونيسف لعام 2023 الذي حمل عنوان "هل نهاية زواج الأطفال في متناول اليد؟"، نجد أن زواج القاصرات ظاهرة عالمية تتراجع ولكنها ما زالت مصدر قلق عالمي، وهو ما يتضح في الآتي:

 

1. الحصة الكبرى لحالات زواج القاصرات في آسيا


هناك نحو 640 مليون فتاة وسيدة على قيد الحياة تزوجن في سن الطفولة أي أقل من 18 عامًا، يتركز معظمهن في جنوب آسيا بما نسبته 45% من الإجمالي العالمي، ثم في إفريقيا جنوب الصحراء بما نسبته 20% من الإجمالي العالمي، ثم شرق آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 15%، أما دول منطقة أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي فقد استحوذت على نسبة 9% عالميًّا، فيما كانت النسبة متراجعة كثيرًا في أوروبا وأمريكا الشمالية.

 



2. انخفاض الانتشار العالمي


انخفاض الانتشار العالمي لزواج الأطفال في العقدين الأخيرين؛ حيث إن نحو 56% من المتزوجات قبل سن 18 عامًا يتمركزن في الفئة العمرية فوق سن 40 عامًا حاليًّا مقابل 3% في الفئة العمرية أقل من 18 عامًا.

 



 

وقد قادت جنوب آسيا العالم في الحد من انتشار زواج الأطفال؛ فخلال العقد الماضي تراجعت احتمالية زواج الفتاة في مرحلة الطفولة بمقدار النصف تقريبًا، من 46% إلى 26%، هذا التقدم يرجع -إلى حد كبير- لانخفاض حالات زواج القاصرات في الهند، وعلى الرغم من الانخفاضات لا تزال المنطقة الآسيوية موطًنا لأكبر عدد من زواج القاصرات، وذلك بسبب إرث عادات  قديمة وارتفاع عدد السكان في المنطقة.


 وفي المقابل ظهرت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء كمنطقة تثير قلًقًا كبيرًا؛ فالفتيات هناك يواجهن الآن أعلى مخاطر زواج الأطفال في العالم؛ حيث تتزوج واحدة من كل ثلاثة قبل سن 18 عامًا. والجدير بالذكر أن  منطقة وسط وغرب إفريقيا موطنًا لنحو 7 دول من 10 دول ذات أعلى معدلات انتشار لزواج الأطفال.


مصر.. جهود رائدة لحد من زواج الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

 

على الرغم من وجود فتاة من كل ست فتيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا متزوجة قبل سن 18عامًا، كان هناك في الـ 25 عامًا الماضية تقدم كبير في الحد من تلك الظاهرة، وكانت مصر رائدة في الحد من زواج الأطفال خاصة بين الأسر الفقيرة، من خلال تبني عدة مبادرات تستهدف هذا الأمر، نذكر منها:

تفعيل الاستراتيجية القومية لمناهضة الزواج المبكر (2015 – 2020) التي ركزت على المناطق الجغرافية التي تنتشر فيها الظاهرة.

إطلاق برنامج وعي للتنمية المجتمعية، من خلال عدة محاور، منها: الاتصال المباشر مع الأهالي في القرى التي تشهد ارتفاعًا كبيرًا في زواج القاصرات لتوعيتهم بمخاطر ذلك، وتفعيل الجهد الاستباقي لوقف الزواج قبل حدوثه عبر قيام وحدات تكافؤ الفرص في جميع المحافظات برصد حالات الخطوبة المبكرة.

 العمل على تحسين الأحوال المعيشية للأسر الفقر؛ لبتر الأسباب التي تدفع الأسر الفقيرة لتزويج بناتها في سن مبكرة، وتلعب المبادرة الرئاسية حياة كريمة دورًا رئيسًا في ذلك الأمر، وكذلك اشتراط تعليم الأطفال للحصول على معاش الحماية الاجتماعية للأسر الفقيرة، المعروف باسم "برنامج تكافل"، الذي اشترط أن تكون الأسرة المتقدمة له لديها أبناء من سن السادسة لسن الثمانية عشر عامًا بمراحل التعليم المختلفة.

 مبادرات لتعديلات قانون الطفل والأحوال المدنية؛ لتجريم هذه الظاهرة ووضع نصوص تشريعية رادعة للأهالي والمشتركين في تلك الجريمة.

القضاء على زواج الأطفال هدف عالمي يتطلب مضاعفة الجهود


في ظل ترجيح منظمة اليونيسف أن ظاهرة زواج القاصرات ستتطلب وقتًا طويلًا حتى يتم القضاء عليها، وأن هناك حاجة ماسة إلى سرعة التحرك العالمي للقضاء على هذه الظاهرة، فإنه يقترح الآتي:

تسارع كل الدول التي تنتشر بها تلك الظاهرة لتعديـل قوانيـن الأحـوال الشـخصية بها؛ بحيث يضمن تجريم كل المشاركين فيها، مع الالتزام بتنفيذ القانون والحد من وجود أي ثغرات ومحاولات للالتفاف عليه.

تكثيف الحملات التوعويــة للمناطق التي تنتشر بها حالات زواج القاصرات، بالتوازي مع تركيز عمليات التنمية وزيادة الدعم الاقتصادي للأسر، والاهتمام بالتعليم بها؛ لتحسين مستويات الأهالي المعيشية وغلق المبررات أمامهم لتزويج الفتيات.

تكثيف حملات تنظيم الأسر والاهتمام بصحة المرأة الإنجابية من أجل مكافحة مشكلة الحمل المبكر.


google-playkhamsatmostaqltradent