أيقونة العطاء ـ سيرة ومسيرة بقلم د. سعيد محمد المنزلاوي
عرض د. طارق أبو حطب
حين تشع اللوحة من هالاتها إلهامًا فأنت في محراب الفن فتوضأ بالنور واسبح في الفضاء.
ولكل من يبغي الخلود أن يترك من ورائه بصمة، وبمقدار ما يخلفه وراءه يكون حظه من الخلود.
والشخصية التي نقدم لها شخصية تفردت دون غيرها بعدة مزايا، كل واحدة منها كفيلة وحدها بأن تحفر اسمها في صفحات الخلود بماء الذهب.
نقدمها قدوة لغيرها وأيقونة يحتذيها من ينشد الكمال ويبغي الخلود.
لقد تميزت في الجانب الإنساني، وتألقت في الجانب الإبداعي، وتجسدت أيقونة قدسية في الجانب الأسري.
ففي الجانب الإنساني هي نهر عطاء بلا حدود، تعطي ولا تنتظر كغيرها مقابلًا، في زمن يبحث فيه الناس عن الشهرة واللقطة التصويرية والمباهاة وانتظار الثمن الباهظ لما قدموه.
ويتجلى عطاؤها في تبني المواهب الصغيرة وتعليمها الفن التشكيلي بطريقة احترافية، تجعل من البراعم الصغيرة فنانين بارعين وفنانات بارعات يحصدون المراكز الأولى في المسابقات.
كما تشارك بمحاضرات لطلاب كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية. فهي طاقة لا تتوقف، ونهر عطاء لا ينضب.
وفي الجانب الإبداعي، شاركت ولا تزال في العديد من المعارض ضمن قصور الثقافة في القاهرة والإسكندرية بلوحات شهد لها كبار الفنانين بالجدة والأصالة، ما جعلها تغزو بلوحاتها معارض أمريكا وأوربا.
شيء ما تتميز به لوحاتها دون سائر اللوحات، وهو ما تحمله من إشعاع يجعلها لوحات موحية لأعمال إبداعية أخرى.
إن لوحة واحدة لها، كفيلة بأن يصوغها أديب في قصة أو رواية أو ينثرها شاعر قصيدة بديعة.
إنها ككل فنان أصيل يستلهم إبداعه من آلامه وجراحه، يخفي عن العيون دموعه، ويكتم بين الحنايا شجونه، ولكنه يفجرها صارخة مدوية في فنه وإبداعه آيات من الجمال.
فلولا الألم ما تفجرت ينابيع عبقريتها، ولولا شفافية الروح ما كان صدق الإيحاء في تلك اللوحات البديعة، والتي تسرد بدون لسان قصصًا مكتملة العناصر والأركان، يرويها كل متلق بما انطبع في مخيلته من آيات الإلهام.
وفي الجانب الأسري تتألق كسيمفونية رائقة تعزف على جدارية الروح أسمى معاني الأمومة، والتي يقصر عنها كل ما يُحكى عن النماذج الرائدة للأم المثالية. فمن يعرفها عن كثب يدرك كم تمنح من عمرها وسعادتها وراحتها لتجعل من ابنتيها زهرتين يانعتين، أو قل نجمتين تتألقان في سماء الإبداع والتفوق والنجاح.
عن الأخلاق لا تسأل، وعن حسن التربية لا تسأل؛ فالابنتان كما فاقتا أترابهما أدبًا فاقتاهن علمًا، فالابنة الكبرى هي الأولى بالدرجات النهائية في الفصل الدراسي الأول للصف السادس الابتدائي.
وطالما تحصدان ولا تزالان الجوائز الأولى في فن الرسم، والذي غذيتا به منذ نعومة أظفارهما من ريشة أمهما، ويشهد لذلك وجود رسومات لهما في كتب دراسية بالمرحلة الابتدائية. ولم تكتف الأم المثالية برعاية ابنتيها علميًّا في متابعة تقدمهما الدراسي واستذكار دروسهما، وروحيًّا في تنمية موهبة الإبداع لديهما وصقلها علميًّا، وإنما غذت الجانب البدني، فكانت ابنتاها ولا تزالان بطلتين في لعبة الكاراتيه تشاركان في مسابقات على مستوى المحافظة وتصعدان لبطولات على مستوى الجمهورية، وتحصدان دومًا المراكز الأولى.
إنها سيرة أم مثالية وفنانة مبدعة، نحتت بأحرف من نور اسمها فتألق في سماء الفن فنانة يقصر دون هامتها كبار الفنانين، وفي محراب الأمومة
أمًّا مثالية تتقازم دونها ملايين الأمهات، وفي ساحة العطاء نهرًا يجري ماؤه بغير حساب.
إنها هبة محمد شيبة الحمد أمين، فنانة تشكيلية، وفلاحة تعتز بانتمائها لثرى ريف حوش عيسى بأخلاق أهله الطيبين.