وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة: بين الواقع والمستهدف
يسعى العالم جاهدًا للاهتمام بالرعاية الصحية، وضمان تمتع الجميع بمستويات معيشية وصحية جيدة في جميع الأعمار، لذا، يتضمن الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة (SDGs) خفض معدل وفيات الأمهات على الصعيد العالمي إلى أقل من ٧٠ حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حي، وعلى الرغم من التقدم في أساليب الرعاية الصحية، إلا أن العالم يبدو أنه ما زال بعيدًا عن تحقيق هذا الهدف، حيث يتطلب هذا الهدف، تخفيضًا سنويًّا قدره 11.6% في حالات وفاة الأمهات وهو معدل يصعب تحقيقه في ظل الظروف العالمية الحالية.
هذا، ويعرف معدل وفيات الأمهات، بأنه عدد وفيات الأمهات جراء أسباب تتعلق بالحمل أو الولادة - باستثناء الأسباب غير المقصودة أو العرضية- حلال فترة الحمل أو الولادة وذلك لكل 100 ألف مولود يظل على قيد الحياة خلال مدة لا تتجاوز 42 يومًا من تاريخ إنهاء الحمل أو الولادة.
في سياق أهداف التنمية المستدامة، اتحدت الدول لتسريع وتيرة خفض وفيات الأمهات بحلول عام 2030، وبالفعل شهد معدل وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة على مستوى العالم انخفاضًا بنحو 34% خلال الفترة من 2000 إلى 2020 أي من نحو 342 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود على قيد الحياة عام 2000 إلى 223 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود على قيد الحياة عام 2020 وبمعدل انخفاض سنوي قدر بنحو 2.1%، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، ويمثل هذا المعدل نحو ثلث المعدل السنوي المستهدف بحلول عام 2030، البالغ 6.4% واللازم لتحقيق الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، وهو ما يؤكد صعوبة تحقيق هذا الهدف.
واستنادًا إلى الاتجاهات الحالية، لن تتمكن أكثر من 60 دولة من تحقيق أهداف الحد من وفيات الأمهات والمواليد التي تشملها أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، حيث لا تزال تتوفى ما يقرب من 800 امرأة كل يوم بسبب مضاعفات الحمل والولادة، أي ما يعادل امرأة واحدة كل دقيقتين.
بالإضافة إلى ذلك، تعد النساء في الدول منخفضة الدخل أكثر عرضة لخطر الوفاة بسبب الحمل والولادة على مدى العمر، فواحدة من كل 49 امرأة معرضة لذلك في الدول ذات الدخل المنخفض، في مقابل واحدة من بين 5300 امرأة في الدول ذات الدخل المرتفع.
وتجدر الإشارة إلى أنه في الدول ذات الدخل المنخفض، والشريحة الدنيا من الدول متوسطة الدخل تتم الولادات تحت إشراف أطباء متخصصين بنحو 68٪، و78٪، على الترتيب، في مقابل ما يقرب من 99٪ لنفس النسبة في الدول ذات الدخل المرتفع والشريحة العليا من الدول متوسطة الدخل.
كما أدت جائحة فيروس كورونا، وما نتج عنها من تزايد الفقر وتفاقم الأزمات الإنسانية إلى زيادة الضغط على النظم الصحية، إلى إعاقة توفير الرعاية الصحية لبعض الأمهات أثناء الحمل، وما بعد الولادة، فنحو 25% من دول العالم أبلغت عن معوقات في توفير الرعاية الصحية لبعض الأمهات؛ مما ترتب عليه زيادة خطيرة للغاية في وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة في عام 2020، ووفقًا لأحدث تقديرات منظمة الصحة العالمية في عام 2023، فقد شهد عام 2020 فقط، وفاة نحو 287 ألف امرأة أثناء الحمل والولادة وبعدهما.
وبتتبع المناطق التي حدثت فيها هذه الوفيات وجد أن الدول منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من الدول متوسطة الدخل حدث بها ما يقرب من 95٪ من جميع حالات وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة في عام 2020، حيث بلغ معدل وفيات الأمهات في الدول منخفضة الدخل نحو 430 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حي، في حين يعد هذا المعدل منخفضًا للغاية في الدول مرتفعة الدخل، حيث يقدر بنحو 12 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حي في هذه الدول.
هذا، وتعد منطقة إفريقيا جنوب الصحراء من أكثر الأماكن التي تشهد ارتفاعًا كبيرًا في وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة والتي قدرت عام 2020 بنحو 70% من وفيات الأمهات على المستوى العالمي بسبب الحمل والولادة. ويقدر عدد الوفيات من الأمهات في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بنحو 545 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حي، مقارنة بنحو 4 حالات وفاة فقط لكل 100 ألف مولود حي بمنطقة أستراليا ونيوزيلندا في نفس العام، ويرجع ذلك إلى انخفاض الرعاية الصحية الكافية التي تحصل عليها النساء الفقيرات اللواتي يعشن في المناطق النائية.
أسباب وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة
هناك العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل الدخل والتعليم التي قد تؤثر على وفيات الأمهات، بالإضافة إلى المعايير الجنسانية التي تحط من قيمة النساء والفتيات وتحد من وصولهن إلى الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية، والعوامل الخارجية مثل عدم الاستقرار السياسي والصراعات وتغير المناخ، وتتطلب هذه العوامل تعاونًا بين القطاعات لتحسين صحة الأم والطفل خلال مراحل الحمل والولادة وما بعدهما.
ترجع وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة نتيجة المضاعفات التي تحدث في فترة الحمل وأثناء الولادة وبعدها، ونحو 75٪ من جميع وفيات الأمهات ترجع بشكل رئيس لما يلي:
النزيف الحاد بعد الولادة، والذي يسمى أيضًا نزيف ما بعد الولادة، يعد السبب الأكثر شيوعًا للوفاة ويمكن أن يقتل المرأة السليمة خلال ساعات قليلة إذا لم تتم معالجته.
حالات العدوى، التي عادة ما قد تحدث بعد الولادة.
ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل.
المضاعفات الناجمة عن الحمل.
مضاعفات الإجهاض غير الآمن.
طرق الوقاية والعلاج
يعد توافر الرعاية الصحية الجيدة التي تلبي احتياجات النساء والأطفال هي أساس الوقاية والعلاج، بالإضافة إلى ذلك الوصول العادل إلى الخدمات الصحية الحيوية مثل الولادات التي تتم بمساعدات طبية والرعاية قبل وبعد الولادة، وتطعيمات الأطفال، والتغذية الجيدة وتنظيم الأسرة.
كما يمكن القضاء على العدوى بعد الولادة إذا تم اتباع إرشادات النظافة الجيدة وإذا تم التعرف على العلامات المبكرة للعدوى ومعالجتها في الوقت المناسب، هذا بالإضافة إلى إمكانية حصول جميع النساء على وسائل منع الحمل الآمنة، وإمكانية اللجوء للإجهاض بطرق آمنة إذا لزم الأمر طبيا، وتوفير الرعاية الصحية الجيدة لمن تعرضن للإجهاض.
هذا، ويساهم توفير الرعاية الصحية والفحوصات الضرورية للأمهات والحوامل بشكل رئيس في خفض معدلات الوفيات، وتشير إحصاءات الوكالات التابعة للأمم المتحدة أن من بين 8 فحوصات موصى بإجرائها قبل الولادة، ما زال ما يقرب من ثلث النساء لا يخضعن لأربعة من هذه الفحوصات، أو يتلقين رعاية أساسية بعد الولادة، كما لا تزال نحو 270 مليون امرأة غير قادرة على الحصول على وسائل تنظيم الأسرة الحديثة.
ومع ذلك، فإن نقص تمويل أنظمة الرعاية الصحية في الكثير من الدول، ونقص العاملين في مجال الرعاية الصحية المدربين، وسلاسل التوريد الضعيفة للمنتجات الطبية، كلها عوامل تهدد التقدم المنشود في هذا المسار.
مصر من أفضل دول العالم في خفض معدلات وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة
وفقًا لأحدث بيانات منظمة الصحة العالمية في فبراير 2023، فإن مصر من بين البلدان العشر التي شهدت أعلى نسبة انخفاض في معدل وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة، بين عامي 2000 و2020، وهذه الدول هي بالترتيب من الأعلى إلى الأقل: بيلاروسيا، وسيشيل، وتركمانستان، ورومانيا، وبوتان، ومصر، وإستونيا، وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، وكازاخستان، وموزمبيق.
وقد انخفض معدل وفيات الأمهات في مصر من 79 نقطة عام 2000 إلى 17 نقطة عام 2020.
في الواقع، تولي الدولة المصرية صحة المرأة اهتمامًا بالغًا، حيث أطلقت الدولة حزمة من المبادرات والخدمات الصحية التي تركز على صحة المرأة، وأبرز هذه المبادرات:
المبادرة الرئاسية لدعم صحة المرأة المصرية:
تم إطلاق المبادرة في شهر يوليو عام 2019، وتهدف إلى الكشف المبكر عن مرض سرطان الثدي، بالإضافة إلى الكشف عن أمراض أخرى، وتشمل: السكري، وضغط الدم، ومستوى الإصابة بالسمنة أو زيادة الوزن، والاهتمام بصحة المرأة الإنجابية، وتقوم المبادرة بفحص وتقديم التوعية للفتيات والسيدات من سن 18 وتقدم تلك الخدمات بالمجان؛ ومنذ انطلاق المبادرة على مستوى محافظات الجمهورية تم فحص نحو 20 مليونا و839 ألفا و336 سيدة.
وقد تم توفير هذه الخدمات من خلال 3 آلاف و538 وحدة صحية منتشرة في جميع أنحاء محافظات الجمهورية، كما توفر المبادرة للسيدات اللاتي تتطلب حالتهن إجراء فحص متقدم الخدمة من خلال 114 مستشفى في جميع محافظات الجمهورية.
وتتم إتاحة معرفة أماكن الفحص من خلال الموقع الرسمي للمبادرة:
http://www.100millionseha.eg
كما يتم تلقي الاستفسارات الخاصة بالمبادرة من خلال الخط الساخن لمبادرة 100 مليون صحة 15335، على مدار 24 ساعة باللغتين العربية والإنجليزية.
المبادرة الرئاسية للعناية بصحة الأم والجنين:
تم إطلاق مبادرة "العناية بصحة الأم والجنين"، في مارس عام 2020، والتي تهدف للكشف المبكر عن الإصابة بالأمراض المنتقلة من الأم للجنين، مثل فيروس "بي"، وفيروس نقص المناعة البشري، ومرض الزهري للسيدات الحوامل، وتضمن المبادرة توفير الرعاية والعلاج للجميع بالمجان، وذلك في إطار سعي الدولة إلى تحسين صحة الجنين والأم، وخفض وفيات الأمهات الناجمة عن تلك الأمراض.
كما تتضمن المبادرة أيضًا متابعة حالة كل من الأم والمولود لمدة 42 يومًا بعد انتهاء الحمل، مع توفير المغذيات اللازمة التي تحتاجها الأم في فترة النفاس.
ومنذ انطلاق المبادرة في مارس 2020، تمكنت المبادرة من فحص ورعاية وتوفير العلاج بالمجان، لنحو مليون و760 ألف سيدة، مما أدى إلى تقدم ملحوظ في نسب منع انتقال عدوى مرض فيروس نقص المناعة البشري من الأمهات الحوامل المصابات بالمرض إلى الأجنة بنسبة 100%، ومنع انتقال عدوى فيروس التهاب الكبدي B بنسبة 99%، وتتجاوز هذه النسب المتوسط العالمي لمنع انتقال الأمراض المنتقلة من الأم إلى الجنين.