الشيخ (حمروش) و (الشعراوي) .. لقاء العلم والعلماء للدكتور أحمد مصطفى
عرض. طارق أبو حطب
في اطار احتفال أهالي محافظة البحيرة بعيدها القومي فى التاسع عشر من شهر سبتمبر من كل عام؛ تتناول سيرة أحد أبنائها العظام، الذين كانوا أعلاما في مجالات مختلفة ، من هؤلاء الشيخ إبراهيم حمروش، الذي ولد في قرية الخوالد مركز إيتاي البارود، محافظة البحيرة سنة 1298هـ/ 1880م، ونشأ بها، فحفظ القرآن الكريم في أحد كتاتيبها، ثم حضر إلي القاهرة للالتحاق بالأزهر الشريف .
حصَّل العلم علي يد شيوخ أجلاء أثروا فيه علما وخلقا، فدرس الفقه الحنفي علي الشيخ (أحمد أبي خطوة) ، والشيخ (محمد بخيت)، والنحو علي يد الشيخ ع(لي الصالحي المالكي)، والبلاغة علي يد الشيخ (محمد عبده)، وقد تأثر به تأثرا كبيرا، لدرجة جعلت منه محمد عبده الثاني،وأكثر ما تأثر به الشيخ حمروش دعوة الإمام محمد عبده في إصلاح الأزهر، وفكرة النهضة الاجتماعية والسياسية التي تساعد على تقدم الشعوب الإسلامية.
فاز الشيخ –رحمه الله- أكثر من مرة بالمركز الأول في امتحانات العلوم الرياضية التي كانت تعقد على مستوي الدولة، وحصد عدداً من الجوائز المالية التي أعلنها رياض باشا لمن يفوز في مسابقات العلوم الرياضية، وفي سنة 1324هـ/ 1906م.
بدأ الشيخ حمروش، حياته العملية بالتدريس في الأزهر في 21 نوفمبر سنة 1906م، ولما افتُتحت مدرسة القضاء الشرعي في مصر؛ كان عاطف بركات القائم عليها يدقق في اختيار أساتذتها من العلماء البارزين من الأزهر، فقام باختيار الشيخ حمروش في 29 شعبان 1326هـ/ 26 سبتمبر 1908م للعمل بها.
تخرج علي يديه صفوة ممن لمعوا في مناصب القضاء، وتركوا آثارا علمية قيّمة، منهم الشيخ حسن مأمون الذي ولي مشيخة الأزهر بعد ذلك، والشيخ علام نصار، والشيخ حسنين مخلوف، وقد تولى الاثنان منصب الإفتاء، والشيخ فرج السنهوري وكان من أعلام الفقه في مصر.
ظل الشيخ يتولي التدريس في الجامع الأزهر حتى سنة 1335هـ/ 1916م حيث تمً اختياره للعمل قاضياً بالمحاكم الشرعية.
من أهم القضايا التي أصدر فيها حكما؛ قضية أغضب الحكم فيها الملك فؤاد، فكانت النتيجة أن أعيد إلى الأزهر، حيث عُين شيخا لمعهد أسيوط الديني في 12 أكتوبر سنة 1928م، نال عضوية جماعة كبار العلماء في 28 صفر 1353هـ/ 10 يونيو 1934م برسالته القيمة "عوامل نمو اللغة"، التي تدل على اطلاع واسع وعلم غزير.
شغل الشيخ إبراهيم حمروش عددًا من الوظائف: (مدرسا في الأزهر شوال 1324هـ/21 نوفمبر 1906م- قاضيا في المحاكم الشرعية جمادي الآخر 1326هـ/ 13 يونيو 1908م- مدرسا بمدرسة القضاء الشرعي رمضان 1326هـ/ 26 سبتمبر 1908م- شيخا لمعهد أسيوط الديني جمادى الأولى 1347هـ/ 12 أكتوبر 1928م- مفتشا بالإدارة العامة للأزهر جمادى الثانية 1348هـ/ أول ديسمبر 1929م. - شيخا لمعهد الزقازيق الديني رجب 1348هـ/ 25 ديسمبر 1929م- شيخا (عميدا ) لكلية اللغة العربية صفر 1350هـ/ 12 يونيو 1931م عند إنشاء كليات الأزهر- رئيسا للجنة الفتوى بالأزهر عام 1351هـ/ 1932م- عضوا بمجمع اللغة العربية منذ إنشائه عام 1353هـ/ 1934م-عضوا بكبار العلماء ربيع أول 1353هـ/ 10 يونيو 1934م- رئاسة لجنة مسابقة الشيوعية والإسلام في المصري- شيخا(عميدا) لكلية الشريعة في ذي الحجة 1364ه/ 24 أكتوبر 1944م- شيخا للأزهر 2 سبتمبر 1951م إلي 9 فبراير 1952م، حيث أعفي من منصبه بسبب أحد مواقفه الوطنية.
منح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر سنة 1983م. توفي في 25 جمادى الأولى سنة 1380 هـ/ 14 نوفمبر 1960 م عن عمرِ ثمانين عاما.
دائمًا ما يضرب الوعّاظ الأمثال حول العفو، وهو الأمر الذي يتكرر وسط جدران المساجد من حينٍ إلى آخر، إلا أن تطبيق ما يُقال لا يتحقق على أرض الواقع إلا فيما ندر، لكن حرص شيخ الأزهر في خمسينيات القرن الماضي إبراهيم حمروش، على تطبيق القول.
عُين إبراهيم حمروش شيخًا للأزهر في ظل حكومة الوفد في العام 1949 حتى العام 1952 بعد حريق القاهرة، وعُرف بمواقفه المشهودة وعلى رأسها إصدار فتوى أحلّ فيها دماء الجنود البريطانيين بالتزامن مع تصاعد موجات الكفاح المسلح في منطقة القناة.
من مواقفه:
في زيارة لقريته جاء أحد الخفراء إلى عمدة القرية – وكان ابن عم الشيخ - حاملًا شيكارة مليئة بكيزان الذرة، ومعه رجل سرق هذا الذرة من حقل أحد الفلاحين ، فقرر العمدة عمل محضر للص، ولما استفسر الشيخ عن حال أسرة هذا السارق اتضح أنه وحيد، وليس له سكن أو عمل يكسب منه قوت يومه؛ فطلب الإفراج عن اللص، موضحًا أنه في حكم الدين لا تنطبق عليه هذه الصفة، فولي الأمر لم يوفر له فرصة عمل أو حتى أبسط احتياجاته الأساسية، مشددًا على ضرورة توفير عمل له يقيه من خطر الانزلاق في خطر الجريمة.
مع الشيخ الشعراوي:
كان الشيخ (إبراهيم حمروش) شيخا (عميدًا ) لكلية اللغة العربية حينما كان الشيخ محمد متولي الشعراوي طالبًا بها، وقال عنه الشعراوي في كتبه: "وأنا لم أنسِ مآثر الشيخ العظيم الذي تولي مشيخة الأزهر بعد ذلك، فقد أتممت تعليمي بالكلية وهو شيخ لها وفي السنة النهائية جد في حياتي ظرف سياسي لم أكن لأتأخر عنه، فقد كنت وفديًا محبًا لرئيس الوفد مصطفى النحاس، وسر حبي له أنه كان أقرب السياسيين إلى الله ومن هنا نشأت علاقتى بالوفد، وهذا تطلب مني عمل سياسي يستغرق وقتًا، وهذا كان امتحان الشهاده العالية وهي السنة النهائية في الكلية، مع إن أبي غضب من تصرفي، إلا أنني أجلت امتحاني للدور الثاني كي ألبي المطلب السياسي الذي رغب فيه النحاس، وهو الذي قال لي أجل الامتحان للدور الثاني ".
وكان الشيخ الشعراوي طالبًا ممدوحًا في العلم من مشايخه وزملائه ، يقول : "وانتهى امتحاني في الدور الثاني يوم خميس، وكانت مسابقة التعيين بالأزهر ستغلق أبوابها يوم السبت الذي يليه وكانت المسابقة تفتح أبوابها كل 4 أعوام، واتصل الشيخ حمروش بشيخ الأزهر طالبًا تأجيل امتحان المسابقة أسبوع كي تتاح الفرصة لطلاب الدور الثاني، ولكن الإمام الأكبر رفض، فطلب الشيخ حمروش من شيوخ الكلية تصحيح امتحان الدور الثاني في اليوم ذاته، وانتهى تصحيح الأوراق وأعلنت النتيجة وتقدم الشعراوي قبل إغلاق الباب بدقائق، ودخلت الامتحان بعدها وكان ترتيبي الأول على المتقدمين من الدور الأول والثاني ."
فكان أول المعينين في معاهد الأزهر في هذا العام، وكان التدريس بتلك المعاهد له فرحة كبيرة لأنه وظيفة يحسب بها صاحبه من العلماء، لافتًا إلى أن الشيخ الشعراوي كان دائم الشكر في الشيخ حمروش الذي دعمه معترفًا بفضله عليه، وكان فياضًا بالعلم والمعرفة.
كان الشيخ حمروش يرى بعدا في طلابه، ولعله – بنظرته الثاقبة - علم أن الشعراوي سيصبح من العلماء فجعله لا يقيد بمجموعة من اللوائح التي لم تضع في اعتبارها أن طالبا نابغا قد يتأخر لأمر خارج عن إرادته.
حيث كان شيخا لمعهد الزقازيق الديني؛ فعرف من جهاده وإخلاصه ما حبب الشعراويإلى نفسه، ولما انتقل لعمادة كلية اللغة العربية بالقاهرة ؛ قربه من مجلسه في الكلية والمنزل معا ، وعندما أصبح شيخا للأزهر؛ استدعى الشعراوي من معهد طنطا الديني ؛ لإدارة مكتبه ، لكن الشعراوي فوجيء يالشيخ يخبره باختياره أستاذا بكلية الشريعة بمكة المكرمة ؛ فكانت فتحا مباركا للشعراوي أظهرت مواهبه العلمية بوصفه أستاذا، والشعبية بوصفه متحدثا لبقا في إذاعة السعودية بل في إذاعات الخليج العربي، قبل أن يلمع نجمه في مصر ويشرع في خواطره حول القرآن الكريم.