إعلان

recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ثلاث بنات (قصة قصيرة)للدكتور. أحمد مصطفى

 ثلاث بنات

(قصة قصيرة)للدكتور. أحمد مصطفى


أدب وشعر. طارق أبو حطب 



صوت من بعيد ينادي  يُسمع الناحية  الغربية ، يوقظ  الطفلة الصغيرة يهز أركان المكان ، يتسابق الناس في ذعر إلى هذا الصوت البعيد  في دهشة واستغراب ، يفكرون ، يتسألون في جنون ، صاحب الصوت من يكون؟!

  سرى الصوت كالضوء يملا أرجاء المكان ، الكل يريد أن يحسم الأمر ،  غير أنه كان واقفا أمام بيته القديم يستقبل قدومهم الذي بدا كقدوم الليل البهيم ، يخبرهم بأن زوجه الشابة الطيبة الحنون النقية البهية التقية ماتت وهي تلد صغيرتها!

وفي الحزن تتشابه ملامح الناس؛ لم يصبها أي مرض اصاب الأمهات وهن حبلى ، لم تكمل عامها الثالث حتى فارقته لمثواها الأخير ، كانت محبوبة بين أهلها وجيرانها ، جميلة الطلة ، قليلة الكلام ، تجيد القراءة والكتابة ، تحسن العشرة ، وتصون الود، لم ير من قبل هذه  الوجوه الذابلة الصفراء؛ الكبار يتمرغون من الوجع، والصغار يبكون بحرارة ، وبناتها يتبادلن عليهن سيدات الحي فكبرن وهن أخوات لكثير من أبنائهن .

شعر الأب المسكين المكلوم أن الحمل ثقيل ، وتربية البنات  ليست بالأمر السهل ، فلابد من أم ترعى ، وتربي، وتتابع ، ومن أين له أن يأتِ بأم لبناته ، وهل يضمن حسن تعاملها معهن ، كان لابد من أم كالأم ، وزوجة كالزوجة ، ربما تتشابه السيدات  وتختلف الطباع ،لكن الله قد يوفق المرء توفيقا يسره؛ فيرى عمله الصالح في اختياره .

 لم تتبق غير ساعات معدودة؛ جاءت العروس الجديد ؛ لتتسلم مهام الأسرة ثلاث بنات لم يمض على عمرهن سنوات  ثلاث ، وأب هو زوجها الموظف البسيط  ، حين دخلت حجرتها، أمسكت بصورة زوجه الأولى، كم هي جميلة حتى اختارها الله لجواره شهيدة ، أشياؤها تدل عليها، وبناتها جميلات مثلها ، يعز عليها ان تتحدث مع صورتها واشيائها، يعز على زوجها أن ترحل دون أن تخبره ، وتترك له جميلاته الصغار يتبادلن على صدور النساء في الحي الغربي .

كانت الكبيرة  يملأ قلبها إيمان ويقين دائمين ، صعدت سلم العلياء درجة درجة ، تأخذها رياح  الاشتياق لمجرد الجلوس بين يدي أمها ألتي أشبهتها ، تتجاذب معها أطراف الحديث ، كان في نفسها متسع، وكان وراءها حلم كبير ربما اجتهدت في تحقيقه .  

 كانت الثانية أشبههن بأبيها ، عيونها ناعسة ، إذا رأيتها يصلك شيء لامراء فيه، كانت تبدو كوجه الفجر بيد ان وراءها حزن كبير ، كانت تطيل الصمت، وكان صمتها يترجم كل لغات العالم إلى مشاعر مختلفه، لكنك يمكنك فهمه.

وكانت الصغرى متمردةعلى كل شيء، ترفض وتمعن في الممر المفضي إلى أحلام تبدل حياتها ، فهي تؤمن  بأن السماء قد  تمطركل الأمنيات التي حلمت ، ترى هل يأتي ذلك اليوم؟! أحلام مفردات ظلت باقية في ذاكرتها، وأحلام غائمة وراء سدف الظلام، ربما يأتي  اليوم الذي تمطر فيه السماء الأمنيات التي زهت بها الفتيات في الليالي المقمرة بفارس  فوق حصان ابيض . 

 كانت زوجه تتمنى أن يكون فرحها حديث القرية كلها، لكنها كانت عظيمة حكيمة حين قبلت التحدى وكانت اما قبل أن تكون زوجه، وقد يجود الزمان بزوج أب كالأم؛ فتغلق في وجوه أصحاب النفوس الضعيفة الصورة المشبوهة لزوجات الأب.

صحبته سنوات عمره، ودونت اسمها في صفحات كتابه، لكنه كان يحدث بناته من حين لأخر عن أمهن الشهيدة،مازال يحتفظ بخطابات الحب بينهما، بعض الصور التي سجلت لحظات مسروقة من الماضي في مكتبته المتواضعة المتنوعة ، ربما حاول أن يتخفف من من ألم نظرتهن الحزينة التي تختفي وراء    شعورهن بالأمان في حضن زوجه، نظرات  كادت أن تخاصم ضوء القمر وتلتحف الرجاء في تعويضهن بام كأمهن.

ثلاث بنات  (قصة قصيرة)للدكتور. أحمد مصطفى
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent