إعلان

recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

قصة بعنوان «الرؤية» للأديب الدكتور سعيد المنزلاوي

 قصة بعنوان «الرؤية» للأديب الدكتور سعيد المنزلاوي 


كتب/ سعيد المنزلاوي 



الطلاق عاقبته وخيمة، وهي لا تنال الزوجين وفقط، وإنما تمس فلذات أكبادهما، فيعانون أضعاف ما يعانيه كلا الزوجين المنفصلين. 

مع النص


- ما ذنبنا؟

 أطلقتها في صرخة "رغد" الأخت الصغرى، وهي تعبث بضفائر دميتها الصغيرة. ربت على كتفها "عامر" أخوها الأكبر، فأمالت رأسها على عضده، وانحدرت من عينيها دمعة، حاولت أن تكفكفها بيديها، فانهال سيل من الدمع لم تستطع أن تتحكم فيه.

 كان "مروان" الأخ الأوسط يشاهد أقرانه وهم يلعبون كرة القدم، كان قبل شهور قليلة أحد أفراد هذا الفريق، كان ماهرًا في اللعب، ولكنه طرد بسبب عدم انتظامه في التدريبات وحضور المباريات.

- أنت غير صالح؛ لأنك لا تلتزم بالحضور مثل زملائك.

- (فغر فاه) أراد أن يتكلم، لكنه طأطأ رأسه واستدار إلى بيته.

 قبل هذا الموقف بنحو أسبوع كانت والدته قد طلقت من أبيه، وزامن هذه الفترة من الأحداث والدواهي ما جعله لا ينتظم في التمرين ولا يشارك في المباريات.

- لقد كنتَ أمل الفريق في تحقيق بطولة الجمهورية.

 بهذه الجملة شيعه المدرب، ثم ولاه ظهره وراح يتابع تمرين الفريق.

 ندت صرخة عن "رغد"، عندما اختطف أحد الصبية دميتها وجرى بها، فتبعه عامر ومروان، واسترداها منه. فعادت لرغد بسمتها والتي غطت على شحوب وجهها، والذي كان نضيرًا يومًا ما. 

 ردد "عامر" النظر إلى ساعته، كأنما ليستحث عقاربها على العدو بالزمن.

مروان: هل تأخر والدنا؟

عامر: لا، ولكننا جئنا مبكرًا.

رغد: هل لابد من مواعيد لنرى أبانا؟

عامر: لقد كان بيننا، ننعم بقربه ودفئه ورعايته واهتمامه.

مروان: كم أبغض الطلاق؛ لذلك لن أتزوج.

حدجه "عامر" بنظرة كسيرة، ولم ينطق. 

 فأردف مروان: لم نكن ندرك أننا نطلق عندما طلقت والدتنا، ويسري علينا مثل الذي يسري عليها.

رغد: ماذا يعني الطلاق؟ ولماذا لم يعد أبي يعيش معنا في بيتنا كسابق عهده؟ 

 قالت ذلك ثم رفعت عينها لأخيها الأكبر تستجديه أن يرد. ولكنه أحجم عن الكلام، وراح يتفرس ساعته، وينظر بحنق إلى عقاربها الأشبه بالسلحفاة الكسيحة.

رغد: حتى رؤية والدنا صارت بالمواعيد!

 انتحى كل واحد منهم ركنًا، ودار بين ثلاثتهم ذلك الحوار الصامت، والذي تكفلت بنقله العيون:

مروان: لما وقع الطلاق، منعتنا أمي عن زيارة أبي، حذرتنا، توعدتنا.

عامر: لما اشتاق إلينا أبي أرسل إلينا، اتصل بنا.

مروان: أخذت أمي منا الجوالات، حظرت رقمه، حذفته من هواتفنا.

رغد: لكنه محفور بذاكرتنا، ولكننا رضخنا للأمر.

عامر: لجأ والدنا إلى القضاء، حكم له بالرؤية. ومن يومها نأتي إلى مركز الشباب ليرانا ونراه.

مروان: تبًا للطلاق!

 مرت بهم ثلة من الصبية، وراحوا يتهامسون ويتضاحكون، ود ثلاثتهم أن لو انشقت الأرض وابتلعتهم. 

صاح أحد الصبية، وكان قد ابتعد عنهم:

- ها قد جاء أبوكم للرؤية الشرعية.

 ثم تعالت قهقهاتهم تزف الأب في طريقه إلى أولاده الثلاثة. اعتنقهم وقبلهم، وراح يوزع عليهم بعض الهدايا والتي جلبها لهم.

 بالرغم من حفاوة الأب بهم، إلا أن شيئًا ما قد افتقدوه. كان الحضن جافًا، باهتًا، بلا لون أو طعم، كان خاليًا من المشاعر. كانت المصافحة تتم بطريقة آلية جامدة، كانت تخلو من الأشواق واللهفة.

 انتهى الوقت، ودع الأب أولاده، ثم ساروا في طريقين، هو إلى بيته الجديد وزوجه وأولاده من زوجه الجديدة، وهم إلى أمهم في بيتهم القديم.

قصة بعنوان «الرؤية» للأديب الدكتور سعيد المنزلاوي
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent