إشكالية النقد ما بين تصريح وتجريح.. ما بين النقد البناء والنقد الهدام
بقلم: حنان الهواري
لا تبدأ بأن تكون ناقداً ، إلا إذا بدأت بنقد نفسك .
(أدونيس)
استوقفتني هذه العبارة أمام مايموج به هذا العالم الأزرق من كم الحروف المبعثرة كأوراق شجرة خريفية على صفحاته.
كنت أتوقف كثيرا عند لفظة ناقد وأنظر بعين الإجلال لكل من يحملها ولو ضمنا.
ولأسبر أغوار نفسي كان لابد أن أجيب عن تساؤلات احتدمت وثارت في معاقل أفكاري، عن ماهية النقد، وماهي المقومات التي تخول الإنسان لأن يصير ناقدا، وماهو الفرق بين النقد للنقض والنقد للبناء؟وهل هناك نقد تجريح وإهانة حقا؟وما الفرق بين النقد والإنتقاد؟
من الضرورة أن نقف أولا على توصيف النقد لنعلم، عن أي شئ نتحدث فالنقد هو الوقوف على نص ما وفحصه للوصول إلى مناطق ضعفه وقوته، والعوار الذي قد يهدد بنيانه
وذلك لنضع أيدينا على الداء فنجتثه، ونحاول إصلاح أي إعوجاج
ولكن كيف يكون النقد، هل كما يفعل البعض بالطرق على الرأس؟ بمطارق من حدة وحروف لاذعة، تثير حفيظة الكاتب، وهنا يحدث أمران:
إما أن يبدأ بتكييل الإتهامات للناقد والانصراف عنه، وإما بالإنزواء والإحساس بالفشل وقد يكون هذا آخر عهده بالكتابة.
فالنقد للبناء والإصلاح وليس للهدم فلابد أن يكون بطريقة ودودة، وأسلوب مهذب وليكن لنا في رسولنا قدوة حسنة، حين خاطبه الله عز وجل، ( لو كنت فظا غليظ القلب لإنفضوا من حولك) وقوله تعالى ( وجادلهم بالتي كانت هي أحسن) إذن فلابد لكي نقوم نص ما أن نتعلم كيف يكون الحوار والوقوف على بنية النص للوصول بالكاتب إلى معرفه ما يمكن أن يصلح فيه. هذا عن النقد، أما الانتقاد فهو تصيّد مقصود للأخطاء هدفه إظهار السّلبيّات لتحاشيها في المستقبل
فالنقد فن، اظهار محاسن وعيوب النص الأدبي
و لابد أن يكون هذا الشخص الذي يقوم بالنقد ملما بماهية النقد، الوقوف على جماليات النص المعروض ومعرفة الجيد والردئ منه، ومحاولة إظهار هذين الشطرين دون مبالغة أو تفريط، وليعلم أن كلمة قد تصعد بالإنسان إلى عنان السماء وأخرى سوف تورده المهالك.
لا غرو أن عين اليقين، هوإدراك أنه لا يوجد نص كامل، كما أنه لايوجد إنسان كامل أو هؤلاء المنقوصين هو الناقد نفسه، فليقف مع نفسه قليلا، ليتفهم ذلك قبل أن يرتكب جريمة أن يلف حبل مشنقته على عنق أحدهم ليجرب على نفسه أولا وليدرك أن عنقه سوف توضع على نفس المقصلة وصدق أبو العتاهية وهو يقول :
يا واعظ الناس قد أصبحت متهما
إذ عبت منهم أمورا أنت آتيها
كالملبس الثوب من عري
وعورته للناس بادية من أن يواريها
وأعظم الإثم بعد الشرك تعلمه
في كل نفس عماها عن مساويها
عرفانها بعيوب الناس تبصرها
منهم ولا تبصر العيب الذي فيها
ويعتمد اسلوب النقد هذا على عدة عوامل منها: اختيار الاسلوب اللائق للنقد واختيار الكلمات بدقة متناهية وذلك لجعل الطرف الاخر يتقبل نقدك بصدر رحب أن يكون النقد شامل للموضوع ككل فلا انتقد جزءا من اي موضوع واترك الجيد فيه دون مديح ان نعطي لأنفسنا فرصة لقراءة الموضوع أكثر من مرة وعرضه بتفكيرنا اكثر من اتجاه وبذلك تعطي الفرصة الكاملة لنفسك بدراسة الموضوع ووضع المحاور الاساسية للنقد من جميع الاتجاهات ومصدر هذا النوع من النقد هو العقل .
النقد الهدام او الانتقاد مصدر هذا النوع من النقد القلب وينبع من الغضب والكراهية للشخصية المراد نقدها وهي عكس النقد البناء فلا أسس لها ولا هدف الا تحطيم من أمامك واإشعاره بضآلة حجمه وذلك بغرض الانتقام من هذا الشخص لسبب ما.
وهنا أدركت أنه قبل أن أقوم بنقد أحدهم لابد أن أعرف فن النقد، وأن أبدأ بتعليم نفسي أولا، وأشحذ سكاكين النقد على نصوصي لتنقيحها قبل الدخول في خضم نقد أحدهم
وتذكرت المثل القائل ( من كان بيته من زجاج فلا يقذف الناس بالحجارة)