اليمن بين مطرقة الولايات المتحدة وسندان إيران
بقلم د. علي حسن الخولاني(*)
استهداف اليمن بالضربات الجوية كان أمراً متوقعاً وقد حذرت من ذلك مراراً وتكراراً في عدد من المقابلات التلفزيونية والمقالات المكتوبة، وأكدت أن مليشيات الحوثي تزايد باسم القضية الفلسطينية خدمتاً لأجندات إيران في المنطقة، كما أن المليشيات الحوثية توفر كل الذرائع والحجج لعسكرة البحر الأحمر ومضيق باب المندب والبحر العربي من خلال مجيئ السفن الحربية الأمريكية والغربية بحجة حماية الملاحة في البحر الأحمر.
وأكثر من ذلك فإن استمرار مليشيات الحوثي في أعمالها باستهداف السفن في البحر الأحمر؛ سيقود ويعبد الطريق ويوفر الذرائع للولايات المتحدة الأمريكية لاحتلال المناطق البترولية والغازية والمواقع ذات الأهمية الجيوستراتيجية كالجزر والموانئ في اليمن، أما المناطق الجبلية والداخلية فستظل بيد الحوثي الذي لن تسمح الولايات المتحدة بسقوطه؛ فهو يمثل مصلحة استراتيجية بالنسبة لها من أجل البقاء في المناطق الحساسة في اليمن وفي منطقة جنوب البحر الأحمر، ويوفر للولايات المتحدة أيضاً الذرائع باستمرار استنزاف دول الخليج مالياً من خلال إيهام الدول الخليجية أن أمريكا تحميهم من إيران وأذرعها بالمنطقة.
أيضاً استمرار مليشيات الحوثي في أعمالها المهددة لاستقرار وأمن منطقة جنوب البحر الأحمر سيوفر كل الذرائع لتجريب أسلحة أمريكا وحلفائها فوق رؤوس أبناء الشعب اليمني بحجة حرب الحوثيين والخاسر الأكبر من تصرفات مليشيات الحوثي هو الشعب اليمني، وأخشى أن نرى غزة أخرى في عدد من المدن اليمنية جراء تجريب أسلحة جديدة وتصريف القديم منها، كذلك ستتحول اليمن إلى ساحة صراع دولية تزدهر فيها تجارة السلاح.
الهروب من استحقاقات السلام
كذلك تسعى مليشيات الحوثي من خلال أعمالها التي تهدد سلامة الملاحة البحرية في جنوب البحر الأحمر، حتى تتهرب من استحقاقات السلام الذي أعلن عنه المبعوث الأممي إلى اليمن "هانس جروندبيرج" وذلك بالدخول في أزمات وحروب جانبية، كون المليشيات الحوثية تعرف حق المعرفة أن السلام في اليمن سيصيبها في مقتل، وجميعنا يعرف أن جميع الجماعات الإرهابية لا تنمو ولا تترع إلا في ظل استمرار الفوضى وعدم الاستقرار واستمرار حالة أللادولة ومن هنا تستمر مليشيات الحوثي في استهداف السفن والمزايدة بالقضية الفلسطينة. واليوم تستمر المليشيات الحوثية في التهرب من التزامات السلام بحجة الدفاع عن اليمن من العدوان الأمريكي-البريطاني وعن غزة، وفيما قبل كان حجة المليشيات الحوثية الدفاع عن اليمن من العدوان السعودي، واعتقد أن المليشيات الحوثية ستستمر في اختلاق الحجج والذرائع للتهرب من استحقاقات السلام في اليمن وتنفيذاً لأجندات طهران.
أيضاً استمرار المليشيات الحوثية في تهديد الملاحة في جنوب البحر الأحمر وتحويله إلى ساحة حرب يهدد الاقتصاد المصري من خلال عزوف السفن التجارية المرور بباب المندب وتحويل طريقها عبر رأس الرجاء الصالح، وبالتالي تفقد قناة السويس الكثير من مداخيلها.
رسائل واشنطن
أما بالنسبة لرسائل واشنطن من الضربات فتنقسم إلى نوعان رسائل صورية بأن هذه الضربات عبارة عن تنبية للحوثيين بالكف عن استهداف سفن الشحن في البحر الأحمر، وأن الولايات المتحدة تحافظ على أمن وسلامة الملاحة في البحر الأحمر. ولكن الرسالة الحقيقية لهذه الضربات تُريد من خلالها واشنطن رفع رصيد مليشيات الحوثي في اليمن التي لم يعد يثق بها أحد سوى المستفيدين منها.
وفي الحقيقة الولايات المتحدة متناقضة في مواقفها فمن من ناحية لم تتدخل لوقف الأبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني في غزة ومن ناحية أخرى تحاول أن تثبت للرأي العام العالمي أنها تُريد حماية خط التجارة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر، أما الدولة في اليمن فهي مختطفة من قبل المليشيات الحوثية التي قامت أمريكا وبريطانيا بحمايتها من خلال منع سقوط مدينة الحديدة والضغط من أجل عقد اتفاق ستوكهولم بالسويد في ديسمبر من العام 2018 بين الشرعية اليمنية ومليشيات الحوثي، في الحقيقة الولايات المتحدة تحافظ على مليشيات الحوثي وتعمل على زيادة قوتها، ولاتريد قيام دولة في اليمن تقوم بمهامها في حماية شعبها وحدودها البحرية والجوية والبرية والحفاظ على أمن وسلامة مواطنيها وتساهم في حماية الأمن على المستوى الإقليمي والدولي.
ومن هنا فإن استمرار مليشيات الحوثي بشن الهجمات على لسفن الشحن في جنوب البحر الأحمر والبحر العربي سيصعد من العمليات العسكرية وسيوسع الحرب المسرحية التي يضبط إيقاعها كلاً من الولايات المتحدة وإيران بخلاف صوري وتحقيق مصالح مشتركة تحت الطاولة.
تدخل إيران
أما بالنسبة لإيران فلن تدخل لتنصر مليشيات الحوثي لأن ما يحصل جنوب البحر الأحمر هو مسرحية وتخادم مصالح مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة واسرائيل، فإيران من خلال أذرعها تعمل على تدمير الدول الوطنية في الوطن العربي والولايات المتحدة الأمريكية تجرب السلاح فوق رؤس أبناء شعوب المنطقة العربية التي تتواجد بها أذرع إيران، وتبيع السلاح من جهة أخرى للدول العربية المتخوفه من المد الإيراني، ومن جهة ثالثة هذه الأحداث والاضطرابات في المنطقة تسهل وتوفر الذرائع والحجج للتواجد الأمريكي في المنطقة حتى تقطع الطريق عن الصين وروسيا الاتحادية.
صراع أجندات
إذاً القضية قضية صراع أجندات ومصالح. ولهذا نرى أن روسيا لم يرق لها العمل العسكري الأمريكي-البريطاني ضد مليشيات الحوثي، والصين تطالب بالتهدئة. وحقيقتاً مثلما لم تتدخل إيران لنصرة غزة التي تتعرض لإبادة جماعية من قبل إسرائيل، ولم تتدخل لنصرة الحوثي الذي دخل في حرب مع السعودية، لن تدخل اليوم مع الحوثي في حال استمرت الضربات الأمريكية-البريطانية ضده؛ إذ أنه لا يوجد خلاف بين إيران والولايات المتحدة فما هو موجود في الإعلام يعتبر خلاف صوري أو شكلي فجميعنا يتذكر فضيحة إيران-كونترا التي من خلالها زودت الولايات المتحدة إيران بالسلاح وبمبلغ مليون ومائتين وسبعة عشر ألف دولار أمريكي وضع في مصرف بسويسرا كان ذلك في حرب الخليج الأولى وقد تم نقل الأسلحة من إسرائيل إلى إيران، وفي سبتمبر من العام 2023 أفرجت الولايات المتحدة الأمريكية عن ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، بعد ذلك بأيام قليلة سمعنا عن طوفان الأقصى في سبعة أكتوبر من العام الماضي الذي قامت به حماس ضد إسرائيل، أيضاً قامت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد بايدن برفع الذراع الإيرانية-مليشيات الحوثي من قائمة الإرهاب.. والشواهد كثيرة على علاقات إيران بالولايات المتحدة وإيضاً بإسرائيل لا مجال لذكرها في هذه المساحة، ولكن من الأهمية بمكان أن نعرف أن ما تقوم به الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وأذرعها في المنطقة العربية يصب في إطار التعجيل بإنشاء الشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عنه كوندليزا رايس من تل أبيب في العام 1996 بأنه شرق أوسط يحافظ على المصالح الأمريكية وعلى أمن إسرائيل، ولهذا نرى أينما توجد أذرع إيران تنهار الدولة أو يكون وجودها ضعيف للغاية، وهذا يجعل من الدولة الوطنية في المنطقة العربية مهددة بالصراعات والتقسيم إلى كانتونات ضعيفة، ويتم إدخالها في صراعات طائفية ومذهبية كما هو في العراق ولبنان واليمن وسوريا..
(*) باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية