إعلان

recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

أسرار لغوية في القرآن.. كيف تميزت الأنثى على الذكر؟

 

أسرار لغوية في القرآن.. كيف تميزت الأنثى على الذكر؟

أسرار لغوية في القرآن.. كيف تميزت الأنثى على الذكر؟

بقلم: حسن سليم

في القرآن الكريم، تتسم اللغة بالدقة والبلاغة الفائقة، وقد أثارت بعض الآيات تساؤلات عديدة حول معانيها وتفسيرها. من بين هذه الآيات، تأتي الآية الكريمة «وليس الذكر كالأنثى» من سورة آل عمران، التي تبدو للوهلة الأولى أنها تفضل الذكر على الأنثى، ولكن عند التدقيق اللغوي والبلاغي، يمكن أن يتبين لنا أن هذه الآية في الواقع تحمل تفضيلًا للأنثى على الذكر وفقًا لقواعد اللغة العربية.


السياق القرآني للآية

قبل الدخول في التحليل اللغوي، من المهم أن نضع الآية في سياقها. جاءت هذه العبارة في سياق قصة عمران وزوجته حينما نذرت زوجة عمران ما في بطنها محررًا لله، وكانت تتوقع أن المولود سيكون ذكرًا لخدمة بيت المقدس. ولكن عندما وضعت أنثى قالت: «رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم» (آل عمران: 36). هذه الآية تعكس دهشة والدة مريم عندما ولدت أنثى بدلاً من الذكر الذي كانت تتوقعه.


 القواعد اللغوية وتفضيل الأنثى


العبارة «وليس الذكر كالأنثى» يمكن تفسيرها بشكل مختلف عن الفهم السطحي الذي يظن أن الذكر مفضل على الأنثى. في اللغة العربية، عندما نقول «ليس X كـ Y»، فهذا يعني أن Y أفضل أو متميز عن X. 


- تقديم المشبه به على المشبه: في هذه العبارة، «الذكر» هو المشبه و«الأنثى» هي المشبه به، مما يعني أن الأنثى تُقدم كمعيار أو كأصل يُقاس عليه، وهذا يشير إلى أن الأنثى تحمل صفات أو مكانة تجعل الذكر غير مساوٍ لها، وليس العكس. 


- التأكيد على تميز الأنثى: إذا أخذنا الترتيب اللغوي بعين الاعتبار، يتبين أن الأنثى هي الأصل في التفضيل، مما يعني أن التعبير يحمل في طياته تفضيلاً للأنثى على الذكر من حيث التميز أو الصفات.


 بلاغة القرآن والتفسير المتعمق


القرآن الكريم يستخدم اللغة بأرقى أساليب البلاغة، ويميل في كثير من الأحيان إلى استخدام التقديم والتأخير والتشبيه بأساليب غير مباشرة للتعبير عن معاني أعمق. 


- البلاغة في التشبيه: إذا نظرنا إلى التركيب البلاغي للآية، نجد أن استخدام التشبيه هنا لا يعني المساواة، بل يحمل دلالة على تميز المشبه به. فالأنثى هنا ليست مجرد جنس مختلف، بل هي كائن يتمتع بخصائص ومكانة لا يمكن أن يُقارن بها الذكر.


- سياق التفضيل: هذه الآية جاءت لتبشر بولادة مريم عليها السلام، التي كانت لها مكانة خاصة في تاريخ الأديان، فهي التي أنجبت نبي الله عيسى عليه السلام. وبذلك، يُفهم من الآية أن الله سبحانه وتعالى يُفضل الأنثى في هذا السياق نظراً للدور الهام الذي كانت ستقوم به مريم في التاريخ الديني.


التحليل اللغوي الدقيق


بالعودة إلى القواعد النحوية والتراكيب اللغوية في اللغة العربية، نجد أن تقديم المؤخر وتأخير المقدم، واستخدام أدوات النفي والمقارنة، يساهم بشكل كبير في فهم أعمق للمعاني القرآنية. 


- النفي والتشبيه: في الآية «ليس الذكر كالأنثى»، يأتي النفي أولاً ليضع قاعدة أو معياراً، ثم يتبعها التشبيه الذي يبين أن المقارنة ليست لصالح الذكر كما قد يظن البعض، بل لصالح الأنثى.

  

- الاستعارة المكنية: يمكن أن نعتبر هذه الآية استعارة مكنية، حيث لم تذكر الصفات المفضلة بشكل مباشر، لكنها تُفهم من السياق اللغوي والبلاغي.


 تفسير العلماء


عند مراجعة تفاسير العلماء للآية، نجد أن العديد منهم أشاروا إلى أن الآية لا تهدف إلى تفضيل الذكر على الأنثى بشكل مطلق. بل أشار بعض العلماء إلى أن الأنثى في هذا السياق تتمتع بصفات أو مكانة تجعلها مختلفة ومتميزة عن الذكر. 


- تفسير الرازي: الرازي، على سبيل المثال، يشير إلى أن المقصود هنا هو تفضيل الأنثى في بعض الجوانب على الذكر، خاصة في سياق الآية التي تتحدث عن ولادة مريم وتوقعات والدتها.

  

- تفسير الطبري: الإمام الطبري أيضاً يفسر الآية بأنها تشير إلى تميز الأنثى في هذا السياق، حيث اختار الله مريم لتكون أمًا لعيسى عليه السلام، مما يضفي عليها تميزًا خاصًا.


بناءً على القواعد اللغوية والتفسيرات البلاغية، يمكننا أن نفهم أن آية «وليس الذكر كالأنثى» في القرآن الكريم لا تحمل تفضيلًا عامًا للذكر على الأنثى، بل تشير إلى تميز الأنثى في سياق معين. من خلال تقديم الأنثى في التشبيه، يظهر أن لها مكانة خاصة أو صفات تجعلها متميزة. 


هذا الفهم يعكس عمق اللغة العربية وبلاغة القرآن الكريم، ويوضح أن التفضيلات ليست بالضرورة مرتبطة بالجنس بشكل مطلق، بل بالسياق والدور الذي يلعبه كل فرد في قصة الحياة البشرية.


google-playkhamsatmostaqltradent