«احمِ من خلفك واحترم من بجانبك»
بقلم: حسن سليم
في عالمٍ يشهد تحولات سريعة وتغيرات اجتماعية وثقافية متسارعة، قد يبدو أن القيم الإنسانية الأساسية مثل الاحترام والحماية قد تراجعت في ظل ضغوط الحياة اليومية. ومع ذلك، تبقى هذه القيم جوهريةً لاستمرار العلاقات الإنسانية بشكلٍ صحي ومستدام.. إن «حماية من خلفك واحترام من بجانبك» ليس مجرد شعار، بل هو ضرورة اجتماعية وأخلاقية تجمع بين القوة والرحمة، وبين المسؤولية والاحترام.
والحماية تعني أن تكون حصناً لمن هم خلفك، سواء أكانوا أفراد أسرتك أو فريق عملك أو حتى مجتمعك بأكمله، فالمسؤولية تجاه من هم خلفنا تعني تقديم الدعم والمساندة لهم، خصوصًا في الأوقات الصعبة.. وعلى مستوى الأسرة، يجب أن يكون رب الأسرة داعمًا لأفرادها، يحميهم من التحديات والمخاطر ويعمل على توفير حياة كريمة لهم. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، فالرعاية هي نوع من أنواع الحماية، والمطلوب من القائد أن يكون درعًا لمن يتولى قيادتهم.
ومن جهة أخرى، يرتكز الاحترام على إدراك قيمة الأشخاص الذين يتواجدون بجانبنا في حياتنا اليومية.. يُعرف الاتيكيت بأنه فن التعامل مع الآخرين بأسلوب يحفظ كرامتهم ويعزز علاقات الاحترام المتبادل.. فالاحترام المتبادل هو عمود أساسي في بناء علاقات قوية ومتينة بين الأفراد، سواء في العمل أو في الحياة الاجتماعية.
قال تعالى في محكم كتابه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ».. فالاحترام هنا يتجلى في الامتناع عن السخرية والاحتقار، وهو ما يعزز من الروابط الإنسانية.
وفي عالم الأعمال، يُعتبر الاحترام أساسًا لبناء علاقات عمل ناجحة. الاحترام المتبادل بين الزملاء يخلق بيئة عمل إيجابية ومثمرة، حيث يشعر كل فرد بقيمته وأهميته. ولذا، يقولون في عالم الاتيكيت: «عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك»، وهي قاعدة ذهبية تتماشى مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
وتعتبر الأسرة اللبنة الأولى في بناء شخصية الفرد وغرس القيم الأساسية.. وتتجلى الحماية داخل الأسرة في تقديم الدعم والمساندة لأفرادها خلال المواقف الصعبة، فالأب والأم مسؤولان عن خلق بيئة يشعر فيها الأبناء بالأمان والثقة. لكن الحماية لا تقتصر فقط على الجوانب المادية؛ بل تتعدى ذلك لتشمل الرعاية النفسية والعاطفية. على سبيل المثال، عندما يواجه أحد أفراد الأسرة مشكلةً أو صعوبة، يكون من الضروري أن يجد الدعم من والديه أو أشقائه. هذا الدعم يعزز شعور الفرد بالأمان والقدرة على التغلب على التحديات.
أما الاحترام، فيبدأ من الاعتراف بأهمية كل فرد في الأسرة بغض النظر عن عمره أو دوره. عندما يُشعر الأبناء بأن آرائهم ومشاعرهم تُسمع وتُقدر، ينشأ لديهم شعور بالانتماء والاحترام المتبادل. احترام أفراد الأسرة لبعضهم البعض يعزز من روابطهم ويجعلهم أكثر استعدادًا لدعم بعضهم البعض في الأوقات الصعبة. قال تعالى في محكم كتابه: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا»، فالبر بالوالدين يأتي ضمن أهم مظاهر الاحترام في الأسرة.
ويمثل العمل بيئة متشابكة من العلاقات بين الأفراد الذين يجتمعون لتحقيق أهداف مشتركة. لكن هذه البيئة قد تصبح ميدانًا للتنافس والصراعات إذا لم تُبنَ على أسس من الاحترام والحماية.. فالحماية في العمل تعني أن يكون القادة مسؤولين عن ضمان سلامة موظفيهم من الأذى الوظيفي أو النفسي. كما تعني توفير بيئة عمل خالية من التمييز والضغوط غير المبررة.
من ناحية أخرى، يتجلى الاحترام في بيئة العمل من خلال تقدير الإسهامات الفردية واحترام التنوع في الأفكار والخبرات. القادة الذين يشجعون الحوار المفتوح ويستمعون لآراء موظفيهم يساهمون في بناء فريق عمل قوي ومترابط. يقول الحديث الشريف: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"، وهذه القيم تنطبق على بيئة العمل تمامًا كما تنطبق على المجتمع.
ويمتد مبدأ الحماية والاحترام ليشمل المجتمع بأسره، حيث يتعين على كل فرد أن يكون عنصرًا فاعلًا في حماية مجتمعه من التهديدات المختلفة، سواء كانت أمنية أو اجتماعية، والعمل على الحفاظ على السلم الاجتماعي، فالحماية تولد الشعور بالأمان وتُعزز من القدرة على مواجهة التحديات، بينما الاحترام يخلق بيئة من التفاهم والانسجام.. وعندما يشعر الأفراد بأنهم محميون ومحترمون، فإنهم يصبحون أكثر قدرة على العطاء والإبداع.
من جهة أخرى، فإن تطبيق هذا المبدأ في الحياة اليومية يساهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك، حيث يعمل الجميع معًا من أجل تحقيق الخير العام. وعندما يسود الاحترام والحماية في المجتمع، تقل الصراعات وتزداد فرص التعاون والتضامن.
وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم نموذجًا في حماية مجتمعه من الفتن والشبهات، كما حمى المظلومين ووقف بجانب الضعفاء. وفي العصر الحديث، نجد أن الكثير من القادة الذين طبقوا هذا المبدأ في قيادتهم، سواء في العمل أو المجتمع، قد حققوا نجاحات كبيرة.
وفي المجتمعات الغربية، يعتبر الاحترام حجر الزاوية في التعامل اليومي. وتتجلى مظاهر الاحترام في الحفاظ على حقوق الإنسان، وقبول التنوع الثقافي، وتشجيع الحوار المفتوح. هذه القيم قد لا تكون متجذرة في الثقافات الأخرى بنفس القوة، ولكن يمكن تعلم الكثير من هذه النماذج وتطبيقها بما يتناسب مع ثقافتنا وقيمنا.
في نهاية المطاف، يعتبر مبدأ «احمِ من خلفك واحترم من بجانبك» من أهم المبادئ التي يجب أن تتبناها المجتمعات الحديثة. إنه ليس مجرد شعار، بل هو فلسفة حياة يمكن أن تغير الطريقة التي نتعامل بها مع بعضنا البعض.. وفي عالم مليء بالتحديات والصراعات، يمكن لهذا المبدأ أن يكون طوق النجاة الذي يجمعنا معًا ويوجهنا نحو مستقبل أكثر إشراقًا وسلامًا.
إن تطبيق هذا المبدأ في حياتنا اليومية سيؤدي إلى بناء علاقات أقوى وأكثر إنسانية، سواء في الأسرة أو في العمل أو في المجتمع. لذلك، فلنحرص على أن نكون قدوة في الحماية والاحترام، وأن نعلم أبناءنا وأجيالنا القادمة قيمة هذه المبادئ التي تعد أساسًا لحياة كريمة ومجتمع مزدهر.