التجاهل الصامت
بقلم: حسن سليم
التقدير، تلك القيمة الإنسانية التي يتطلع إليها كل شخص يبذل جهده في سبيل تحقيق إنجاز أو خدمة قضية. إنه الشعور بأن ما نقدمه، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، يُحتفى به ويُعترف به بشكل يليق بحجم الجهد المبذول. إلا أن هناك لحظات، حين يتجاهل الناس تلك الجهود، تتسرب إلى النفس مشاعر من الإحباط وتترك في القلب أثراً بالغ الصعوبة.
عندما يعمل الإنسان في مجال يتطلب الكثير من الجهد، مثل الإعلام أو أي مهنة أخرى تستدعي الالتزام التام، يكون الاعتراف بالمجهود هو بمثابة الوقود الذي يدفعه للاستمرار. هذا التقدير ليس فقط من أجل الظهور الاجتماعي أو الشهرة، بل هو إقرار بأن للجهد المبذول قيمة وأهمية. في غياب هذا التقدير، تبدأ التساؤلات تطرح نفسها: "هل ما أفعله حقًا يستحق؟ هل يراه الآخرون كما أراه؟" تلك التساؤلات يمكن أن تصبح ثقلًا نفسياً يؤثر على الشخص ويجعله يعيد تقييم نفسه.
التقدير ليس مجرد كلمات عابرة تُلقى هنا وهناك، بل هو عملية يتم من خلالها الاعتراف بمجهودات الشخص. قد يكون التقدير في صورة بسيطة، مثل كلمات دعم أو شكر، وقد يكون على نطاق أوسع مثل تكريم علني أو تسليط الضوء على الإنجازات. ولكن عندما يُسلب هذا الحق، يبدأ الشخص في الشعور بأنه غير مرئي، وكأن مجهوده غير ذي أهمية.
وفي عالم مليء بالضغوط، يحتاج الفرد إلى تذكير دائم بأن عمله يُحدث فرقًا. تلك اللحظات التي يتم فيها تجاهل الجهود تؤدي إلى تراكم مشاعر من الإحباط، وقد تقود في النهاية إلى تراجع الحماس للعطاء. عندما يعمل الشخص بجد ويبذل طاقته، ينتظر لحظة تقدير من الأشخاص المحيطين به، سواء كانوا زملاء أو مسؤولين أو حتى الجمهور. تلك اللحظة تكون بمثابة اعتراف رمزي يعزز الدافعية، ويمنح الشخص شعورًا بأن ما يقوم به ذو قيمة.
التجاهل، أو عدم الاعتراف بالجهود، ليس مجرد مسألة مهنية، بل هو أمر يتسلل إلى أعماق النفس ويؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية. عندما يشعر الشخص بأنه غير مقدر، تتراكم عليه مشاعر من الإحباط والتهميش، وقد يبدأ في الانعزال أو فقدان الحماس للمساهمة بشكل أكبر. هذه المشاعر ليست بسيطة، فهي تؤثر على الإبداع والإنتاجية، وقد تدفع الشخص للتراجع عن تقديم الأفضل.
والمؤلم في الأمر أن التجاهل ليس دائمًا نتيجة لسوء نية، بل قد يكون ناتجًا عن انشغال الآخرين أو تركيزهم على جوانب أخرى. لكن بالنسبة للشخص الذي يتعرض لهذا التجاهل، فإن الألم يكون حقيقيًا وملموسًا. الشعور بأن عملك يُختصر أو يُنسى، بينما يتم تسليط الضوء على آخرين لم يكن لهم نفس الجهد أو التأثير، يمكن أن يكون مُهلكًا للروح.
في أي مجال، سواء كان الإعلام أو غيره، من المهم أن ندرك أن النجاح لا يمكن أن يتحقق دون مساهمات الجميع. الاعتراف بالأدوار المختلفة يعزز من قوة الفريق ويجعل الجميع يشعر بأن له دورًا في تحقيق النجاح. إن تجاهل الأدوار الفردية، مهما كانت صغيرة، قد يؤدي إلى تآكل الروح الجماعية ويضعف الحماس للتقدم.
وفي كثير من الأحيان، يشعر الأشخاص الذين يعملون خلف الكواليس بأن جهودهم تمر دون ملاحظة. قد يكون دورهم أقل بروزًا من غيرهم، لكن هذا لا يعني أن إسهامهم أقل أهمية. التقدير يجب أن يكون للجميع، وأن يشمل كل من يساهم في تحقيق الأهداف المشتركة.
لكي نحقق التوازن بين الاعتراف بالجهود وتحفيز الأشخاص على تقديم المزيد، يجب أن تكون هناك شفافية وعدالة في التقدير. الأشخاص الذين يبذلون جهدًا واضحًا يستحقون الاعتراف به، سواء كان ذلك على المستوى الشخصي أو المهني. ليس من الضروري أن يكون التقدير علنيًا دائمًا، بل يمكن أن يكون بسيطًا ولكنه يحمل في طياته معانٍ عميقة تجعل الشخص يشعر بأنه مُقدر.
فالشفافية تعني أن نكون واعين لأدوار الجميع، وأن نتجنب التركيز على أشخاص معينين دون الآخرين. فالجميع يساهمون في النجاح، ولكل شخص بصمته التي لا يمكن تجاهلها.
عندما يمر الشخص بتجربة عدم التقدير أو التجاهل، من المهم أن يتذكر أن قيمة عمله ليست مرتبطة فقط باعتراف الآخرين به. فالشعور بالإنجاز والرضا الداخلي هو أكبر محفز للاستمرار. رغم أن الاعتراف الخارجي مهم ومرغوب فيه، إلا أن الاعتماد على التقدير الذاتي هو الذي يمنح الشخص القوة للاستمرار والتغلب على التحديات.
في حالة الشعور بالإهمال أو التهميش، قد يكون الحل هو التواصل مع الآخرين بشكل مفتوح وصريح. الحديث عن المشاعر التي تترتب على التجاهل يمكن أن يساعد في معالجة المشكلة وتفاديها في المستقبل. فالناس ليسوا دائمًا مدركين لتأثير تصرفاتهم، والتواصل البناء يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للفهم المتبادل.
ونهاية المطاف، التقدير ليس ترفًا، بل هو حق إنساني أساسي. كل شخص يستحق الاعتراف بما يقدمه من جهد وتفانٍ. عندما يُسلب هذا الحق، تتعرض النفس البشرية للضرر، ويصبح من الصعب الاستمرار في تقديم الأفضل. لذا، يجب أن نتذكر دائمًا أن الاعتراف بجهود الآخرين يعزز من قوة الفريق ويُنمّي روح الابتكار والعطاء.
إذاً، سواء كنت تعمل في الإعلام، أو في أي مجال آخر، تذكر أن التقدير هو أحد أهم مفاتيح النجاح والاستمرارية. وإذا كنت تشعر بالتجاهل، فلا تدع هذا الشعور يثنيك عن الاستمرار. فالنجاح الحقيقي هو في قدرتك على التقدم حتى في ظل غياب الاعتراف.