إعلان

recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

المراوغون.. وجوه تتلون خلف الأقنعة

 

المراوغون.. وجوه تتلون خلف الأقنعة

 المراوغون.. وجوه تتلون خلف الأقنعة



بقلم: حسن سليم

في حياتنا اليومية، نواجه أنماطًا من الشخصيات التي تتسم بالقدرة الفائقة على إظهار الودّ والتودد، لكنها في واقع الأمر تحمل خلف تلك الواجهة السلسة نوايا خفية وأهدافًا لا تتطابق مع ما تعلن عنه. هؤلاء هم المراوغون، الذين يتلاعبون بالكلمات ويستغلون المواقف من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية أو إخفاء حقيقة نواياهم. يعطونك من طرف اللسان حلاوة، ويروغون منك كما يروغ الثعلب.


المراوغة.. فن قديم بأدوات حديثة


قديماً قالوا: "اللسان سيف ذو حدين"، وفعلاً يُعدّ اللسان أحد أهم الأدوات التي يستخدمها المراوغون ببراعة. تستطيع أن تراهم يتحدثون بأسلوب يُظهرهم كأصدقاء أوفياء، أو شركاء موثوقين، لكن في الحقيقة، هم يسعون إلى تحقيق أهداف خفية لا تلبث أن تتضح في النهاية بعد أن تقع في فخاخهم. مثل الثعلب الذي يُظهر الهدوء والحذر، يختبئون خلف قناع من البراءة واللطف ليخدعوا الآخرين.


المراوغون ليسوا محدودين في بيئة أو مجتمع بعينه. ستجدهم في كل مكان: في العمل، بين الأصدقاء، وحتى في العلاقات الأسرية. يتسمون بقدرة غير عادية على التحايل، ويعرفون كيف يُوجهون الحديث ويختارون الكلمات التي تُرضي المستمع، ويبدون دائمًا وكأنهم يعملون لصالح الآخرين، بينما هم في الحقيقة لا يفكرون إلا في مصلحتهم الشخصية.


وسائل المراوغين.. تلاعب بالعواطف وتزييف للحقائق


لا يعتمد المراوغون فقط على مهاراتهم اللغوية في التحايل، بل يستخدمون أساليب متعددة للتلاعب بمشاعر وعواطف الآخرين. قد تجدهم يبكون لإظهار الضعف أو الحاجة، وقد يضحكون لجعلك تشعر بالراحة معهم. يتقنون لعبة التضليل والاحتيال، فيعرفون تمامًا متى يبدون جديين، ومتى يستخدمون العواطف للحصول على ما يريدون.


أحد أبرز أساليبهم هو استخدام ما يُعرف بـ "النصف حقيقة". قد يخبرك المراوغون بشيء صحيح ولكن مع إخفاء جزء مهم من الحقيقة، فيعطونك صورة مشوشة تجعلك تظن أنك تفهم الموقف تمامًا، بينما الحقيقة أنهم فقط أطلعوكم على ما يريدونك أن تعرفه. هذا الأسلوب يُبقيهم بعيدًا عن الاتهام المباشر بالكذب، لكنهم في الواقع يخدعونك بمهارة ودهاء.


النفاق الاجتماعي.. قناع المراوغين الأبرز


المراوغة ليست ظاهرة حديثة؛ لقد عرفها الإنسان منذ العصور القديمة.. وفي الأدب العربي، نقرأ عن الكثير من المواقف التي تُظهر المراوغة والمكر كجزء من السلوك البشري، كقولهم "يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ويروغ منك كما يروغ الثعلب". ويشير هذا المثل إلى النفاق الاجتماعي الذي انتشر بشكل لافت في العصر الحديث. أصبح الكثير من الناس يرتدون أقنعة اجتماعية، يُظهرون من خلالها الودّ والاحترام للآخرين، بينما هم في داخلهم يتآمرون أو يسعون لتحقيق مكاسب على حساب من يثقون بهم.


النفاق الاجتماعي هو البيئة المثالية للمراوغين، حيث يتمكنون من إظهار الولاء والصدق للآخرين بينما هم في الحقيقة لا يحملون تلك الصفات. إنهم ماهرون في التعامل مع الناس بناءً على مصالحهم الخاصة. في عالمنا المعاصر، قد يكون المراوغ زميلاً في العمل يتظاهر بدعمك، أو صديقاً يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية من خلال التلاعب بمشاعرك، أو حتى قريباً يُظهر لك المودة بينما يسعى لتحقيق أهدافه الخاصة.


المراوغون في العمل.. أسياد الخداع لتحقيق الأهداف


في بيئة العمل، قد يكون المراوغون أخطر من غيرهم. هم لا يسعون فقط إلى خداعك على المستوى الشخصي، بل يستخدمون المراوغة كأداة لتحقيق طموحاتهم المهنية. قد تجدهم يتحدثون بلطف مع زملائهم ورؤسائهم، ويبدون دائمًا حريصين على مصلحة المؤسسة أو الفريق، لكن في الواقع، هم يستغلون كل فرصة للتسلق على حساب الآخرين.


المراوغون في بيئة العمل يبدعون في خلق القصص والذرائع لتغطية تقصيرهم، ويعرفون كيف يُظهرون أنفسهم في الصورة الإيجابية أمام الرؤساء. في الاجتماعات، قد يتحدثون عن الإنجازات التي لم يشاركوا فيها، أو يحاولون التلاعب بالآخرين لتحميلهم المسؤولية عن أي أخطاء تحدث. وهكذا، يسيرون في طريقهم المهني مدفوعين بالمكر والدهاء بدلاً من الجهد الحقيقي والعمل الجاد.


علاقات شخصية مزيفة.. حينما يتغلغل المراوغون في حياتك


قد يتسلل المراوغون إلى حياتك الشخصية بدون أن تدرك. هم أشخاص يعرفون كيف يُظهرون أنفسهم كأصدقاء مخلصين أو شركاء محبين، لكن في الحقيقة، هم يسعون فقط للحصول على ما يريدون من تلك العلاقات. قد يقدمون الهدايا، ويظهرون في المناسبات المهمة، ويبدون اهتماماً بمشاكلك، لكن كل ذلك مجرد وسيلة للبقاء قريبين منك حتى يحين الوقت المناسب لتحقيق أهدافهم.


في العلاقات الشخصية، قد يكون المراوغ خطيرًا للغاية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالثقة. الكثير من الأشخاص يضعون ثقتهم في المراوغين دون أن يدركوا أن هذه الثقة ستُستغل لاحقًا لأغراض شخصية. قد يكون المراوغ صديقًا يبدو أنه يقدم لك النصيحة والدعم، لكنه في الواقع يستغل تلك النصائح لإضعافك أو توجيهك نحو قرارات تصب في مصلحته.


المراوغون في العلاقات العاطفية.. الوجه المخادع للحب


العلاقات العاطفية ليست محصنة ضد المراوغين. في هذا المجال، يظهرون بأبهى صورة، فهم يعرفون كيف يُظهرون الحب والرعاية، ولكن في الحقيقة، قد تكون تلك العلاقة مجرد لعبة لإشباع احتياجاتهم الخاصة. يختارون الكلمات بعناية، ويغمرون الطرف الآخر بالوعود والاهتمام، لكن سرعان ما تتضح نواياهم عندما تُختبر تلك الوعود في المواقف الصعبة.


هؤلاء المراوغون في الحب يجيدون فن التلاعب العاطفي. قد يستغلون مشاعر الشريك لجعله يعتقد أنهم الشخص المثالي، لكنهم في الواقع قد يكونون غير ملتزمين أو غير صادقين. وعندما تُكتشف حقيقتهم، يكون الضرر قد حدث بالفعل، سواء على المستوى العاطفي أو النفسي للشريك.


كيف تحمي نفسك من المراوغين؟


لحماية نفسك من المراوغين، عليك أن تكون واعيًا بسلوكياتهم وأن تتعلم كيفية كشفهم. إليك بعض النصائح التي قد تساعدك في التعامل مع هؤلاء الأشخاص:


1. التأكد من الأفعال: الأفعال دائمًا أصدق من الأقوال. لا تثق بمن يتحدث فقط، بل انظر إلى ما يفعله بالفعل. هل يلتزم بوعوده؟ هل يُظهر دعمه في الأوقات الصعبة؟


2. تحليل النوايا: حاول أن تتعرف على الدوافع الحقيقية للأشخاص من حولك. هل يبدو أنهم يسعون لتحقيق مصلحة مشتركة أم مصلحة شخصية؟ أحيانًا، يمكن كشف المراوغ من خلال فهم نواياه الحقيقية.


3. الابتعاد عن الثقة المطلقة: الثقة شيء قيم، ويجب أن تُمنح للأشخاص بحذر. لا تضع ثقتك الكاملة في شخص لم يثبت لك ولاءه من خلال الأفعال وليس الكلمات فقط.


4. التواصل الواضح والصريح: لا تدع الأمور تكون غامضة. إذا شعرت أن هناك شخصًا يحاول مراوغتك، واجهه بالحقائق واسأله عن نواياه. التواصل الواضح قد يمنع الكثير من سوء الفهم ويكشف نوايا الشخص الآخر.


 المراوغون هم جزء من حياتنا اليومية، ويجب علينا أن نكون على دراية بأساليبهم وطرقهم في التلاعب. سواءً كانوا في العمل، أو العلاقات الشخصية، أو حتى في دوائر الأصدقاء، يجب أن نكون حذرين وأن نتعلم كيف نحمي أنفسنا من تأثيرهم.


 في النهاية، الصدق والشفافية هما الحل الأمثل لمواجهة هؤلاء الأشخاص وإبقائهم بعيدًا عن حياتنا. كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، فهو يحمينا من شر الماكرين والمراوغين.

google-playkhamsatmostaqltradent