recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

إعلان

كيف نتصالح مع النفس؟

 

كيف نتصالح مع النفس؟

كيف نتصالح مع النفس؟


بقلم: حسن سليم

لا شك أن النفس البشرية تعدّ واحدة من أكثر الألغاز تعقيدًا على مر العصور. في جوهر كل إنسان، تنبض مشاعر مختلطة بين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين النور والظلام. ومع تعاقب الزمان واختبار البشر لمواقف الحياة المتنوعة، تظهر العيوب التي تسيطر على الإنسان وتوجهه في طريق قد يقوده أحيانًا إلى الضلال، تاركًا وراءه قيمه وأخلاقه.


إذا تأملنا في النفس البشرية، نجد أنها مليئة بالعيوب التي قد لا تظهر بسهولة للآخرين، لكنها تعيش وتتمدد داخل الفرد. الأنانية، الغيرة، الكبر، حب التملك، والجشع، كلها مشاعر متجذرة في النفس، لا تفارقها إلا بعد رحلة طويلة من التطهر والتأمل.


البحث عن الكمال قد يكون هدفًا نبيلًا، ولكن الكثيرين يغفلون أن البشر بطبيعتهم غير كاملين. إن السعي المستمر خلف المثالية قد يدفع الإنسان إلى الإنكار، إنكار عيوبه وأخطائه، بل وحتى إنكار حاجته لتطوير ذاته. وفي هذا الإنكار، يتجلى أول مظاهر الضلال.


أكبر عوامل ضلال النفس البشرية هو استسلامها للهوى. الهوى هنا ليس فقط تلك الرغبات الدنيوية التي تتعلق بالمال أو الجاه أو الشهوة، بل هو أيضًا التمادي في الأفكار التي تبرر الأخطاء وتغذي الذات بمزيد من الغرور والتعالي. الإنسان الذي ينساق وراء هواه دون ضابط أو مراقبة، يُصاب بضلال الفكر الذي يعميه عن رؤية الحقائق، ويجره إلى اتخاذ قرارات مبنية على رغباته وليس على أساس عقلاني أو أخلاقي.


وهذا الضلال يفتح الباب على مصراعيه للعديد من المشكلات النفسية والاجتماعية. الإنسان الذي يبتعد عن صوته الداخلي، أو عن ضميره الذي ينير له الطريق، يعيش في ظلام دائم. ظلام لا يجعله يرى سوى ما يريده، بغض النظر عن تأثير قراراته على الآخرين أو على نفسه في المستقبل.


والعودة إلى الطريق المستقيم ليست مستحيلة. الطريق إلى تصحيح النفس يبدأ من الاعتراف بالعيوب. الاعتراف بالضعف هو الخطوة الأولى نحو القوة. أن يواجه الإنسان نفسه ويتحمل مسؤولية أفعاله وأخطائه، هو المفتاح للتغيير.


إن إصلاح النفس يبدأ بالبحث عن القيم النبيلة التي يجب أن تتحكم في سلوكيات الإنسان. التأمل، التفكير العميق، الاستماع للنصائح، والتعلم من التجارب السابقة كلها أدوات يمكن أن تساعد الفرد في كبح جماح الهوى والتقليل من تأثير العيوب على حياته.


واحد من أعظم الفضائل التي يمكن أن يتبناها الإنسان هو التواضع. حين يدرك الفرد أنه ليس معصومًا عن الخطأ، وأن كل إنسان يحمل داخله جانبًا مظلمًا، تبدأ رحلة التطهر من الداخل. التواضع يساعد على فتح قنوات الحوار مع النفس ومع الآخرين، ويمنح الفرد الفرصة للتعلم والتطور.


في المقابل، العناد والتكبر والاعتقاد بأن الإنسان لا يحتاج إلى تغيير هي عوامل تزيد من ضلال النفس، وتقودها إلى مزيد من التدهور الأخلاقي والروحي.


ولا يمكن إغفال دور المجتمع في تصحيح مسار النفس البشرية. الأصدقاء، العائلة، المعلمون، جميعهم يلعبون دورًا في توجيه الإنسان نحو الفضيلة، وتذكيره بالقيم التي قد ينسى تطبيقها في لحظات ضعفه. التفاعل مع الآخرين وتبادل التجارب والخبرات يمكن أن يكشف للإنسان عن عيوبه بشكل أوضح، ويساعده على إيجاد حلول للتخلص منها أو التخفيف من آثارها.


فالنفس البشرية، رغم امتلائها بالعيوب والضلالات، تمتلك قدرة هائلة على التحسن والتطور. لا يوجد إنسان معصوم، ولا توجد حياة خالية من الأخطاء. ولكن العبرة تكمن في كيف نتعامل مع هذه الأخطاء، وكيف نتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهتها وتصحيحها. في نهاية المطاف، الإنسان الذي يسعى إلى التغيير وإلى تحسين نفسه، حتى وإن تعثر في الطريق، يسير في الاتجاه الصحيح نحو النقاء الداخلي والسلام النفسي.


وعلى الرغم من أن النفس قد تنجرف أحيانًا إلى الضلال، فإن الطريق إلى النور دائمًا متاح لأولئك الذين يملكون الإرادة والرغبة في التغيير. لأن الضلال ليس نهاية المطاف، بل قد يكون بداية رحلة نحو الذات الأفضل.

google-playkhamsatmostaqltradent