"مَسْرَدُ الألفاظ والأساليب" إصدار جديد لمجمع اللغة العربية
كتبت - فتحية حماد
يواصل مجمع اللغة العربية بالقاهرة برئاسة أ.د.عبدالوهاب عبدالحافظ (رئيس المجمع) عطاءه العلمي واللغوي والأدبي؛ حيث أصدر المجمع "مَسْرَد الألفاظ والأساليب-2024م". ويضم هذا المسرد ثروة لغوية هائلة بلغت (1716) معنًى محدثًا لكل الألفاظ والأساليب والتراكيب التي قدَّمتها لجنة الألفاظ والأساليب بالمجمع، ووافق عليها مجلس المجمع ومؤتمره، منذ إنشاء لجنة الألفاظ والأساليب من الدورة المجمعية (35) عام 1971م حتى الدورة المجمعية (90) عام 2024م.
وقد رُوعي في هذا المسرد الترتيب الألفبائي تسهيلًا على القارئ، وقُسِّم إلى خانات؛ خانة للمدخل، وخانة للمعنى، وخانة لمقدِّم الموضوع، وأخيرًا خانة للدورة المجمعية وتاريخها. وهذا المسرد نتاج عمل دؤوب لفريق العمل المكوَّن من: أ.د.محمد العبد (التقديم والمراجعة)، وأ.د.محمد رجب الوزير (المراجعة)، ود.مصطفى يوسف (الإعداد والتصنيف)، وأ.نجلاء فوزي (التنسيق والإخراج الإلكتروني).
يقول أ.د.عبدالوهاب عبدالحافظ (رئيس المجمع) في تصديره لمسرد الألفاظ والأساليب: "دأب مجمع اللغة العربية بالقاهرة على أن يقدِّم إلى القارئ العربيِّ ما هو جديد من الإصدارات العلمية التي تهتم بتنمية اللغة العربية الفصحى التي تُعَدُّ ثمرة جهود مخلصة تقوم بها لجانه اللغوية والعلمية، ولجانه الأخرى في العلوم الاجتماعية. وقد أُضيف إلى تلك الإصدارات هذا المسرد للألفاظ والأساليب والتراكيب الوصفية والإضافية التي أقرتها لجنة الألفاظ والأساليب بالمجمع على مدى عقود وعلى مدار ست وخمسين دورة مجمعية (من الدورة الخامسة والثلاثين إلى الدورة التسعين).
وتُعَدّ هذه اللجنة مَرْصدًا لغويًّا لما يجري على ألسنة الفصحاء وبأقلام الكُتّاب في العصر الحديث. وقد اكتسبت دلالة الألفاظ والأساليب والتراكيب الواردة في هذا المسرد شرعيتها من إجازتها من مجمع اللغة العربية بالقاهرة؛ إذ يمرُّ كلُّ لفظ أو أسلوب أو تركيب بثلاث مراحل متصلة من صنع القرار: الأولى: إجازة الألفاظ والأساليب والتراكيب من لجنة الألفاظ والأساليب بالمجمع. الثانية: موافقة مجلس المجمع عليها، ويضمُّ السادة الأساتذة أعضاء المجمع من العلماء المصريين. الثالثة: اعتمادها من مؤتمر المجمع السنويِّ الذي يضمُّ نخبة من السادة الأساتذة رؤساء المجامع اللغوية العربية وأعضاء المؤتمر من الأقطار العربية والآسيوية والأوربية.
هذا، وقد أُجيزت هذه الألفاظ والأساليب والتراكيب بمجمع اللغة العربية بالقاهرة طبقًا لمنهج علميٍّ يقوم على الأسس الآتية: 1) شيوع الاستعمال. 2) السلامة اللغوية طبقًا لقواعد العربية الفصحى المستقرة وذوقها في التعبير والبيان وطبيعة أصواتها. 3) الجِدَّة، ولا يسعني إلا أن أشكر فريق العمل الذي بذل جهدًا متميِّزًا في إعداد هذا المسرد ومراجعته، وهم: الأستاذ الدكتور محمد العبد (عضو المجمع ولجنة الألفاظ والأساليب)، والأستاذ الدكتور محمد رجب الوزير (عضو المجمع ولجنة الألفاظ والأساليب)، والدكتور مصطفى يوسف (الباحث الأول بالمجمع).
ونرجو أن يجد القُرّاء والكُتّاب والمؤلفون والمتحدثون من أبناء الوطن العربيّ ما يفيدهم وينفعهم وما يضيف إليهم. ونحن نؤكد ما يقوم به مجمع اللغة العربية بالقاهرة من خدمة للغتنا العربية وربط المجمع بالمجتمع المصريِّ والعربيِّ"، ومن جانبه قال أ.د.محمد العبد (عضو المجمع) في تقديمه لهذا العمل العلمي: "في هذا المسرد تلبية لنداء المجمع – قبل الرأي العام – بضرورة التواصل العلمي الفعّال في المجالات اللغوية بينه وبين فئات المجتمع المصري والعربي.
عبر إِطْلاعها على نتائج أعمال لجانه المتعددة في حقل العلوم البحتة والعلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم اللغوية بفروعها المختلفة. يعمل المجمع بهذه اللجان جميعًا للناس، وليس لمجرد ضخّ إصدارات تُرَصّ على الأرفف وتُزَيَّن بها المكتبات. ويسعى المجمع عبر ما يصدره من معجمات لغوية عامة أو معجمات نوعية خاصة بمصطلحات العلوم أو غير ذلك، يسعى إلى توثيق الصلات بينه وبين المجتمع وتعزيز الاستفادة من أعماله وأنشطته العلمية.
يرى مجمع اللغة العربية بالقاهرة نفسه بحقّ منارة لنشر العلم اللغوي التطبيقي السليم، لا قلعة تسكن إليها أعماله قانعة بالاحتباس بين الجدران. هذا طرف من السياسة اللغوية التي ينبغي أن تتفتح عليها أعين الناس وعقولهم. لقد آن للصورة الذهنية السلبية المزعومة عن هذا المجمع العريق السامق بأعلامه وأعماله أن تتغيَّر. ولقد آن للرسالة التي يحملها هذا المجمع منذ إنشائه إلى المجتمع العربي بخاصة أن تُقدَّر في هذه الأيام. بيد أن المتابعين للعمل المجمعي وما يتمخَّض عنه من إصدارات علمية رصينة لا يرون المجمع إلا الراعي الرسمي الحقيقي الأول للعربية وما يُنقل إليها من لغات أجنبية ناطقة بعلوم العصر المختلفة.
من آيات حرص المجمع على التواصل بالمجتمع هذا المسرد الذي بنى مادتَه على مدار عقود طائفةٌ من علماء مصر في اللغة والأدب، من أمثال: عطية الصوالحي (ت 1974م) وإبراهيم أنيس (ت 1977م) وعلى النجدي ناصف (ت 1982م) وأحمد الحوفي (ت 1983م) وعبد السلام هارون (ت 1988م) ومحمد شوقي أمين (ت 1992م) وعبد الرحمن السيد (ت 1999م) وشوقي ضيف (ت 2005م) وكمال بشر (ت 2015م) ومحمود فهمي حجازي (ت 2019م) ومحمد حسن عبد العزيز (ت 2023م).
وفي هذه الآونة توفَّر للجنة الألفاظ والأساليب طائفة أخرى من اللغويين الاختصاصيين الذين واصلوا العمل وأسهموا بنصيب وافر في مادة هذا المسرد، نصيب سوف يشهد له المنصفون بالأهمية والاعتبار. هؤلاء جميعًا تابعوا ورصدوا وحلَّلوا واقترحوا وعرضوا نتائجهم فيما تعارفوا عليه بـ : البحوث القصيرة" أو "التقارير اللغوية" أو "المذكرات" التي تعالج لفظًا أو أسلوبًا أو تركيبًا مستحدثًا في مبناه أو في معناه أو فيهما معًا.
هذا، ويجري منهج العمل في تلك اللجنة على أساس مبدأ تداول الرأي بين أعضائها حول مذكرة ما، ثم تعرض اللجنة ما خلصت إليه على أعضاء مجلس المجمع، ومن أعضاء هذا المجلس الموقر إلى أعضاء مؤتمر المجمع السنوي للمناقشة المستفيضة التي تتمخَّض عن إجازة أو غير ذلك، والحق أن المسرد الذي بين أيدينا ثروة لغوية هائلة، بلغت (1716) معنًى محدثًا لم يكن استخراجها إلا بعناء الغوص في نصوص العربية القديمة والمعاصرة: أدبية وغير أدبية. وما هذا المسرد الذي بين أيدينا الآن – وهو غير مسبوق البتة – إلا ثمرة أُخْلِصَت مما أُحيطت به من تفاصيل الاستشهاد بالنصوص والتفاسير المستفيضة ومسوِّغات الاقتراح بالإجازة.
اليوم يرى جمهور القراء والمهتمون هذا المسرد العامر بالمباني والمعاني الجديدة التي لم توردها المعجمات العربية القديمة ولا الحديثة في شيء من جذورها ومداخلها. إنه نتاج أعمال هذه اللجنة الدّؤوبة المتميّزة على مدار (56) دورة مجمعية (من الدورة 35 حتى الدورة 90)، لقد رأت اللجنة والمجمع معًا أن نشر المعرفة الصحيحة بالعربية: مبانيها ومعانيها عبر هذا المسرد المخلَّى من التفاصيل هو الأجدر بأن يُقدَّم إلى عموم القراء اليوم.
على أمل أن تأتي فرصة أخرى تسمح بنشر القاعدة العلمية الموسَّعة التي استُلَّت منها محتويات هذا المسرد في الوقت المناسب بإذن الله. ومن البديهي أن لا غناء لكل متعلم أو باحث بالعربية عن معجمات المجمع: وجيزها ووسيطها وكبيرها، واليوم صار من البديهي أيضًا أن لا غناء عن هذا المسرد الذي يضع بين الأيدي خلاصةَ ما قيل وما يقال عن هذا اللفظ أو ذاك الأسلوب، مسرد مجدول مرتب ترتيبًا ألفبائيًّا، لا بحسب حروف الجذر الأصلية ولكن بحسب الصورة الشكلية التي ورد فيها اللفظ أو الأسلوب في استعمال أهل اللغة.
نعم، يسلك المجمع طرقًا كثيرة من أجل الوصول بأعماله وقراراته إلى الناس، ومنها هذا المسرد الذي كان لكثير من موادّه وقراراته صدى واسع، تفاوتت توجهاته وردود أفعاله في وسائل الإعلام وفي الأوساط العلمية المتخصصة في شؤون العربية: أكاديمية وغير أكاديمية. وقد كان لبعض أعضاء لجنة الألفاظ والأساليب دور كبير في الحوار المباشر الكاشف لحقيقة الأمور مع وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية.
وسوف يرى القارئ في هذا المسرد ألفاظًا عربية وألفاظًا معرَّبة، وأساليب عربية وأساليب دخيلة طُرحت جميعًا على مائدة المناقشة، بل سوف يرى ألفاظًا وأساليب ارتبطت ارتباط استعمال بعاميات عربية، وهي من الناحية اللغوية التاريخية من الفصاحة بمكان. وقد رأت اللجنة والمجمع في مثل تلك الألفاظ والأساليب رافدًا مهمًّا من روافد إثراء العربية والمعجم العربي. ولا شك أن قراءة عَجلى لحصيلة الدورات التي غطاها هذا المسرد سوف تكشف عن تزايد إنتاج اللجنة من المذكرات البحثية من الألفاظ والأساليب التي اهتمت هذه اللجنة بالكتابة عنها ورصد ما فيها من جديد يفيد في تحديث المعجم العربي وجعله ناطقًا بمواكبته لما يدور في حياتنا الراهنة.
لقد تزايدت حصيلة العمل في هذه اللجنة في العقدين الأخيرين بوجه خاص. يرجع هذا إلى عوامل عدة، من أهمها: تسارع المستجدات في عالم العلاقات الدولية، والأحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية والرياضية وغيرها مما يفرض على اللغة أن تنهض بطاقاتها على نحو أو آخر. ومن هذه العوامل أيضًا توفر وسائل الاتصال والبحث الإلكتروني عما يلج إلى العربية من جديد ابتكاراتها اللغوية المحلية أو الوافدة إليها من لغات أجنبية لا سيما الإنجليزية والفرنسية من فصيلة اللغات الهندوأوروبية.
هذه الوسائل لم تُتَحْ بالقدر الذي تُتاح به اليوم لهذا الجيل من أجيال لجنة الألفاظ والأساليب. ولا شك أن ما تلقي به لغة الإعلام في كل يوم من ألفاظ يعرفها الناس بمعانيها الاصطلاحية بعد أن عرفوها بمعانيها المعجمية، أو ما تلقي به من أساليب وتراكيب تحكي بها حدثًا سياسيًّا هنا أو حدثًا اقتصاديًّا أو مناخيًّا أو رياضيًّا هناك لجدير بأن يُؤخذ في الحسبان من أجل هذه الغاية المنشودة: أن نحصل على معجم يحكي حياتنا العصرية ويواكب مجرياتها في جميع مناحيها ومناشطها، معجم يعبر عن حياتنا وواقعنا كما عبرّت المعجمات العربية القديمة عن حياة وواقع عاشهما وأسهم في صناعتهما الإنسان العربي في ذلك الأوان.
ومن الملاحظات العابرة للدورات أن اللجنة في العقد الأخير قد اتسعت في تحرير المذكرات المطوَّلة التي تقف على دلالات سياقية عدة لاستعمال لفظ واحد فعلًا أو صفة أو غير ذلك في العربية الفصحى المعاصرة. وسوف يجد القارئ غير مذكرة من تلك المذكرات الطوال استطاعت أن تقف للفظ الواحد فيما وقع فيه من سياقات لغوية عشرة معانٍ أو أكثر لم يعرفها المعجم العربي ولم تدخل إليه بعد. وما كان لهذا أن يكون لولا ما وفَّرته لنا وسائل البحث الحديثة التي أتاحت وفرة من النصوص المعاصرة في دقائق معدودة.
ينبغي لهذا المسرد أن يُرى وثيقة معجمية تؤرِّخ لتطور مباني بعض الألفاظ ومعانيها، وتؤرِّخ لنشأة أساليب وتراكيب جديدة لم تعرفها العربية من قبل، بل تؤرِّخ للعلاقة بين العربية وبيئاتها الثقافية المحلية وبين العربية واللغات والثقافات الأخرى غير العربية في آن معًا، والحق أن فريق العمل الثلاثي: كاتب هذه السطور وزميلي الدكتور محمد الوزير عضو المجمع واللجنة وابني العزيز الدكتور مصطفى يوسف الباحث الأول بالمجمع وأمين تحرير اللجنة النابه.
لم يدخر وسعًا في إخراج هذا المسرد شكلًا ومضمونًا في أدق صورة وأبهاها وأشملها، فراجعنا وعدَّلنا وأضفنا في تأنٍّ وإخلاص يستحقهما بل يستوجبهما مثل هذا العمل العلمي الثمين، بهذا المسرد يخطو المجمع خطوة إلى الأمام، وبهذا المسرد تقدم لجنة الألفاظ والأساليب نفسها – منذ أن بدأت حتى اليوم- إلى شداة المعرفة اللغوية الصحيحة، وبهذا المسرد يوقن الجميع بأن هذه اللجنة – بما تتبنّاه في عملها من تفتيش وتنبيش – هي بالفعل عين المجمع على ما يشغل المجتمع من شؤون اللغة وأحوالها الطارئة في مجالات الحياة المختلفة".