سنوات مع «بنت الأصول»
بقلم: محمد الطويل
نشأت أنا في أسرة متوسطة الحال، ومع ذلك حتى انتهاء مرحلة الجامعة كنت محسوبا من المرفهين مقارنة بأبناء جيلي وأقراني؛ رغم مرورى بعدة أزمات، كان أشدها قبل الزواج، تحديدا في عام 1999 وهى نقطة فارقة في حياتي، وضبط تصوراتي وعقيدتي تجاه الخلاق العليم، مع فهم أعمق لطبيعة الحياة ، والنزول للشارع ومواجهة التحديات على أرض الواقع ، والحمد لله كانت دائما ما تساورني أحلام عنوانها أنه من رحم الألم سيولد الأمل.
قناعتي أن الدنيا متاع وخير متاعها البيت الواسع والزوجة الصالحة، وقد من الكريم على ببيت واسع على النيل وأمامه واجهة أوسع ، حيث لا جار لي لمسافة تتعدى 300 متر ، وتمت نعمته ببنت الأصول زوجتي، شيماء الطويل ، رفيقة رحلة الصبر والكفاح ؛ وهى فعلا علامة مميزة في محطات حياتنا، وإذا كان الجواب كما يقولون بيبان من عنوانه، فيكفى أن اسمها وافق اسم اخت النبي "صلى الله عليه وسلم" الشيماء بنت الحارث السعدية، وهو اسم يترجم في اللغات الأخرى إلى " صلة جميلة"، لكن لأنها الحياة الدنيا ، مبناها على النقص لا الكمال ، فقد تجددت عقب زواجنا أزمة مادية أخرى، كنت انا السبب فيها، واستمرت أكثر من ست سنوات عجاف ، كدت خلالها أن ابيع منزل، بل بعته ، وكان إخوتي سببا في رده إلى مرة أخرى برد مقدمة البيع، والتي رددتها لهم بعد ذلك باعتبارها دين على، ولم تكن السنوات العجاف مؤثرة على أساسيات الحياة من مأكل وملبس أو مشرب، ولكنها انتزعت من يومنا وصدرنا راحة البال، وتحققت فينا مقولة: هم بالليل ومذلة بالنهار، إلا أن بنت الأصول كانت تنهض بي قولا وعملا، كما تنهض الشمس كل يوم لتضيء العالم.
انقضت الليالي بسرعة، وغلبنا ديننا بعد أن هزمنا، وعزمنا على أن نرد بقوة على ذلك الدين وقهر الرجال بالنجاح والإنتاج، وبديهي أنه ليس هناك رد على المشككين الشامتين أقوى من النجاح، فبدأنا رحلة جديدة شاقة، رحلة البناء، وهى مشقة ممزوجة بالمتعة وتحقيق الذات، زين هذه الرحلة، وهون من طول سفرها، كلمات وجمل كان يرددها الاحباب الراحلون: أمى "ربنا يعينك يا بنى ويعوضك "حماتي" والله لربنا يجبر بخاطركم.. الصبر آخرته خير"، وقد كانت تدعمنا بجمعيات صغيرة ثم نردها لها على مهل .. زوجتي" وهديتها الرؤيا الصادقة " وهى عاجل بشري المؤمن، إضافة لكونها وزير اقتصاد من الدرجة الأولى، وكنت وزير الترفيه فى عز الأزمات، فقد ركبت معي كل أنواع السيارات من الكارو حتى الجيب شروكي والمرسيدس، وما زالت المرسيدس موجودة، وأهوى شراء الملابس لها، رغم غضبها قائلة مش وقته بعدين نشترى ، وكان عنوان هذا الفصل من رحلتنا ، والآلام التي عشناها، إنه لولا الشدة لظننا أن الجميع سند، ولما تجرأنا على المجازفة التي حقننا بها وبتوفيق الكريم المتعال - نجاحات لم نكن نحلم بها..؟!
ومع كل ما مررت به، أدركت أن أعظم استثمار في هذه الحياة هو بناء علاقة متينة مع الله ومع من نحبهم بصدق. لقد كانت التجارب التي خضناها دروسًا مؤلمة لكنها ضرورية، علمتني أن الفرج لا يأتي إلا بعد شدة، وأن الحلم لا يتحقق إلا بالصبر والكفاح. هذه القناعة جعلتني أكثر تقديرًا لكل لحظة سعادة وكل نجاح صغير تحقق في حياتنا. الأزمات التي بدت في وقتها كجدار لا يمكن تجاوزه، تحولت مع الزمن إلى محطات قوة عززت إيماننا وقدرتنا على مواجهة ما هو أصعب. فالنجاح الحقيقي ليس مجرد إنجازات مادية، بل هو شعورك بأنك تجاوزت الصعاب وأنت متصالح مع نفسك ومع الآخرين.
اليوم، وأنا أتأمل ما قطعناه من مسافة، أشعر بامتنان عميق لكل من كان جزءًا من رحلتنا. أمي التي كانت الدعاء المستجاب في حياتي، وزوجتي التي كانت الضوء الذي أرشدني في أحلك الليالي، وصديق العمر وابن عمى والمستشار فى كل صغيرة وكبيرة مستر محمود الطويل، رمز المروءة والإخلاص، وإخوتي الذين أعادوا لي الأمل في لحظة انكسار، وقدوتي وخير سند مهندس سامي حلمي، والأحباب الراحلون الذين ما زالت كلماتهم تعيش في ذاكرتي كأنها همسات طمأنينة. لكل من يمر اليوم بمحنته الخاصة، أقول بثقة وتجربة: الشدائد ليست سوى بوابة لرحلة أفضل، شرط أن نتحلى بالصبر، وأن نثق بأن الأيام القادمة تحمل في طياتها أجمل المفاجآت. إن حياتي كانت ولا تزال شاهدة على أن الفرج يولد من عمق الأزمات، وأن الله دائمًا على وعده الكريم معنا: «إن مع العسر يسرًا».